آخر الأخبارأخبار دولية

موسكو تلاحق مسؤولين في دول البلطيق… تكريس رمزي لاستمرارية “العالم الروسي”


أصدرت روسيا الثلاثاء عدة مذكرات بحث بحق مسؤولين من دول البلطيق، بما في ذلك رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس. واتهمت كل تلك الشخصيات بالمسؤولية عن قرارات اعتبرتها موسكو تمثل “إهانة للتاريخ”. ورغم أنها تبقى رمزية وفق خبراء حاورتهم فرانس24، إلا أن هذه الاتهامات تهدف لفرض موسكو إرادتها ورؤيتها بأن الخطاب التاريخي الوحيد الممكن هو خطاب الكرملين.

نشرت في: 16/02/2024 – 18:26

8 دقائق

رغم أنها ليست الأولى التي أصدرتها السلطات الروسية بحق شخصيات وازنة في الخارج، لكن مذكرات البحث بحق قادة سياسيين في منطقة البلطيق، وخصوصا تلك التي استهدفت رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس، أول رئيسة حكومة أجنبية تلاحقها الشرطة الروسية على الإطلاق، تبقى من أحدث تلك الخطوات وهي تستحق الوقوف عندها لما تجسده من دلالات رمزية في هذا الظرف.

وكان المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أعلن الثلاثاء بأن سلطات بلاده قد أصدرت مذكرات بحث ضد “أشخاص مسؤولين عن قرارات تمثل إهانة للتاريخ [و] تؤدي إلى أعمال عدائية ضد الذاكرة التاريخية” لروسيا.

كما قال مصدر أمني روسي لوكالة تاس الرسمية للأنباء إن كايا كالاس وأيضا وزير الخارجية الإستوني تيمار بيتركوب، ملاحقين بتهمة “تدمير وإتلاف آثار [تُكرم] الجنود السوفيات” في الحرب العالمية الثانية. وبالنسبة إلى وزير الثقافة الليتواني سيموناس كايريس فهو ملاحق بتهمة “تدمير الآثار”.

اقرأ أيضابوتين في مقابلة نادرة مع مذيع أمريكي: غزو بولندا أو لاتفيا “غير وارد” وهزيمتنا في أوكرانيا “مستحيلة”

تعقيبا، قالت المؤرخة سيسيل فايسي أستاذة الدراسات الروسية والسوفياتية بجامعة رين الثانية وباحثة في جامعة نانسي الثانية، إن “مذكرات البحث هذه هي بالنسبة إلى روسيا وسيلة لكي تقول: أنت خاضع للقانون الروسي ونحن نعتبر بأنك لا زلت جزءا من الإمبراطورية الروسية”. كما تعتبر الباحثة بأن الخطوة الروسية هي “مجرد استفزاز وإهانة لدولة مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي”.

وتقيم أقليات روسية في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تقول موسكو إنها تتعرض للاضطهاد. وتدهورت العلاقات أكثر مع الحرب في أوكرانيا. فدول البلطيق التي تعتبر تهديد الغزو الروسي لها حقيقيا، تدعم كييف في حربها لتحرير أراضيها. من جانبها تدين موسكو منذ سنوات عدم قبول دول البلطيق بأن الاتحاد السوفياتي كان مُحررا لها من النازيين وليس محتلا.

في هذا الشأن، اعتبر محمد رجائي بركات خبير في العلاقات الدولية بأن هذه الملاحقات مؤشر على تصاعد حدة التوتر بين روسيا ودول البلطيق التي كانت في السابق جزءا من الاتحاد السوفياتي. وهو يقول: “إنه توتر سببه بشكل خاص مواقف تلك الدول من الحرب في أوكرانيا وأيضا اعتبار بعض المسؤولين فيها بأن روسيا والاتحاد السوفياتي كان يستغلان تلك الدول في تلك الحقبة، فيما تعتبر روسيا من جانبها أنها حررتها من النازية ومن الاحتلال الألماني”.

وسبق أن أصدرت موسكو مذكرات بحث مشابهة لا سيما ضد الكاتب المنفي بوريس أكونين، الذي أدان الغزو الروسي لأوكرانيا والذي وجهت له تهمة “الإرهاب” وأدرجه الكرملين على قائمة “العملاء الأجانب”.

حتى إن النائب أندريه غوروليف من حزب روسيا المتحدة الحاكم ذهب بعيدا لحد وصفه بأنه “عدو” وقال إنه يجب “تدميره”. وعلّق أكونين على تلك الاتهامات بقوله: “لم يحدث هذا منذ عهد ستالين وزمن الرعب الكبير”، حسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.

المتحدث باسم شركة ميتا ومُزارع أوكراني ضمن اللائحة الروسية

لكن اللائحة الروسية للأشخاص المطلوبين لا تنحصر فقط عند هذه الشخصيات. حيث تم وضع أكثر من 96 ألف شخص أكثر من 31 ألف منهم روس وحوالي 4000 منهم أوكرانيون، على لائحة المطلوبين في روسيا.

فقد نشر موقع “ميديازونا” الروسي الذي ينشط من المنفى في 13 يناير/كانون الثاني قاعدة بيانات ترجع لوزارة الداخلية الروسية بأسماء هؤلاء. تظهر البيانات بأن لائحة الأشخاص المستهدفين واسعة جدا.

لعل اللافت فيها ورود اسم أندي ستون المتحدث الرسمي باسم ميتا (الشركة الأم لفيس بوك وواتساب وإنستاغرام)، وهو يلاحق بتهمة “دعم الإرهاب”. ولكن أيضا رئيس المحكمة الجنائية الدولية البولندي بيوتر هوفمانسكي الذي تم إدراجه في اللائحة الروسية للأشخاص المطلوبين بعد إصدار الجنائية الدولية لمذكرة اعتقال بحق بوتين في مارس/آذار 2023، على خلفية الدور المحتمل الذي لعبه الرئيس الروسي في ترحيل أطفال أوكرانيين.

اقرأ أيضاريبورتاج: كابوس أهالي الأطفال الأوكرانيين المحتجزين في روسيا

يبقى أن صدور هذه المذكرات ليس مفاجئا في ظل استمرار الحرب، خصوصا وأن أغلب الأجانب الملاحقين من قبل أجهزة الأمن الروسية هم مواطنون أوكرانيون.

وقد حدد موقع “ميديازونا” ما لا يقل عن 176 شخصا “ملاحقين غيابيا” لدواع مختلفة: المشاركة في الحرب، الارتباط بالسلطات الأوكرانية، أو حتى بسبب تصريحاتهم العامة.

لهذه الأسباب تحديدا نجد في اللائحة اسم القائد الأعلى السابق للجيش الأوكراني فاليري زالوزني، إلى جانب مزارع أوكراني دعم الرئيس فولوديمير زيلينسكي على منصات التواصل بعد أن أدلى بتصريحات مسيئة ضد فلاديمير بوتين.

كما طالت مذكرات البحث حوالي 59 نائبا من لاتفيا أي ثلثي البرلمان، بسبب تصويتهم في مايو/أيار 2022 على الانسحاب من اتفاقية مع روسيا تتعلق بالمحافظة على المعالم التذكارية. أدى هذا القرار الصادر بعد أشهر قليلة من بدء الحرب في أوكرانيا لاحقا، إلى هدم نصب تذكاري يعود إلى الحقبة السوفياتية في العاصمة ريغا.

توضح مديرة برنامج “أوروبا الأوسع” في مركز الأبحاث التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية ماري دومولين بأن “كل مذكرات البحث هذه تعطي انطباعا بأن روسيا تضع مجموعة كبيرة من الشخصيات التي تعتبرها معادية لها وتعمل ضدها في خانة واحدة”.

“لا مكان سوى لخطاب تاريخي وحيد”

ولا تشك دومولين في أن “العدالة الروسية لديها بالتأكيد حجة لكل من هذه الشخصيات”، إلا أنها تبدي تحفظات بشأن المصير التي ينتظر كايا كالاس. وهي تقول ههنا: “أعتقد أن الحجة بالنسبة لرئيسة الوزراء الإستونية ضعيفة من الناحية القانونية: ملاحقة شخصيات عامة أجنبية على أساس خطاباتهم حول التاريخ، لكنها تبقى رغم كل شيء جريئة للغاية”.

رغم ذلك، لا يبدو أن الملاحقة الروسية للمسؤولة الإستونية التي دعمت تفكيك المعالم التاريخية السوفياتية خلال السنوات الأخيرة، قد أربكتها. حتى إنها انتقدت الثلاثاء هذا الإجراء “غير المفاجئ” من موسكو، واعتبرته “تكتيكا معتادا للترهيب”.


واستدعت وزارة الخارجية الإستونية الممثل الروسي لديها الأربعاء “لإبلاغه بأن هذه الإجراءات… لن تمنعنا من فعل الشيء الصحيح وأن إستونيا لن تغير دعمها الحازم لأوكرانيا”.

من جانبه، قال وزير الثقافة الليتواني سيموناس كايريس الأربعاء في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية (RFI)، إن مذكرات البحث الروسي “بلا معنى”، مضيفا: “هي كذلك رسالة تذكرنا بحاجتنا لأن نفتح أعيننا جيدا وأن نفهم الأساليب التي تستخدمها روسيا في بعض الأحيان”.

من جهة أخرى، اعتبر مختصون تواصلت معهم فرانس 24، بأن هذه الملاحقات هي قبل كل شيء “رمزية”، أي ليس لها أي فرصة لأن تتمخض عن اعتقال حقيقي. إنها قبل أي شيء رمز لمعركة الذاكرة التي تخوضها موسكو مع دول الاتحاد السوفياتي سابقا في أوروبا الشرقية.

“إعادة التأكيد على وجود عالم روسي”

تضيف سيسيل فايسي في تعليقها على لائحة المطلوبين للأمن الروسي والتي استهدفت مسؤولين في دول البلطيق: “يهدف هذا خصوصا إلى إعادة التأكيد على وجود عالم روسي [مفهوم ظهر بعد سقوط الاتحاد السوفياتي يشمل الشتات الناطق باللغة الروسية في الخارج] وبوجود روسيا في مركز إمبراطورية تدير حياة المواطنين”. تضيف أستاذة الدراسات الروسية والسوفياتية: “منذ سنوات التسعينيات، حافظ الكرملين على الخلط بين المتحدثين باللغة الروسية، والروس، والمواطنين الروس، ومواطني الاتحاد السوفياتي سابقا، أو حتى المواطنين السابقين في الإمبراطورية”.

تلحظ ماري دومولين من جهتها “تصلب موقف موسكو مع دول البلطيق بخصوص مسألة الذاكرة التي استمرت لفترة طويلة”. لكن الخبيرة أشارت أيضا إلى أن التوتر ارتفع بدرجة أخرى خلال الإصلاح الدستوري لعام 2020 الذي أتاح لبوتين البقاء في الحكم حتى 2036.

اقرأ أيضاباريس وبرلين تدينان حل منظمة “ميموريال” أبرز مجموعة حقوقية في روسيا

وتخلص مديرة برنامج “أوروبا الأوسع” بالقول إنه قد “تم إدراج الذاكرة التاريخية للدولة الروسية في الدستور، ومن حينها، بدأ التصلب من الداخل خصوصا مع حل المنظمة غير الحكومية التذكارية [ميموريال.. كانت  حارسة ذكرى معسكرات الاعتقال السوفياتية الغولاغ]”. تضيف دومولين: “إنه مسعى لا يوجد فيه سوى خطاب تاريخي واحد ممكن. فاليوم، ليس من الجيد أن تكون مؤرخا في روسيا”.

//platform.twitter.com/widgets.js


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى