لماذا يتردد زيلينسكي في استبدال وزير الدفاع برئيس الاستخبارات العسكرية؟

نشرت في: 08/02/2023 – 17:58
أفادت تقارير إعلامية أوكرانية أكدتها مصادر سياسية محلية أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي لا يستبعد فكرة تعيين وزير جديد للدفاع بدلا من أولكسي ريزنيكوف، وذلك في خضم حملة “التطهير” التي أطلقها منذ 24 يناير/كانون الثاني على خلفية قضايا فساد طالت عدة مؤسسات. لكن قراره بشأن وزارة الدفاع يثير اهتمامه بشكل بالغ نظرا للأهمية الاستراتيجية التي يحظى بها المنصب في قلب الحرب ضد الغزو الروسي.
كان مصير وزير الدفاع الأوكراني أولكسي ريزنيكوف شبه محسوم مساء الأحد، لكن الأمور تحولت تماما صباح الإثنين وأصبح قرار الرئيس فولوديمير زيلينسكي تعيين مدير الاستخبارات العسكرية كيريلو بودانوف مكانه مستبعدا بشكل نهائي، كما أكد مسؤول سياسي أوكراني لوكالة رويترز فضل عدم الكشف عن هويته.
وكان ريزنيكوف أعلن في تصريح لصحيفة “البرافدا” الأوكرانية أنه “مستعد” لترك منصبه في حال قرر زيلينسكي ذلك، مضيفا أن “لا أحد يبقى في منصبه مدى الحياة”، وذلك بعدما طرح نائب في البرلمان فكرة تعويضه بمدير الاستخبارات العسكرية وسط حملة قادها الرئيس زيلينسكي منذ 24 يناير/كانون الثاني في مجال مكافحة الفساد المنتشر في مؤسسات البلاد.
من جانبه، تحدث الأحد زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم، دافيد أراخاميا، بالتفصيل عن سيناريو التعديل الحكومي، مشيرا أن وزير الدفاع الحالي سيستلم وزارة الصناعات الاستراتيجية. لكن، في النهاية، تراجع زيلينسكي عن خطته وهو ما اعتبره متخصصون في الشأن الأوكراني منطقيا بسبب الأهمية البالغة التي يكتسيها منصب “وزير الدفاع” في وقت تقاوم فيه أوكرانيا من أجل البقاء في تاريخ الأمم وفي ثوب كيان يتمتع بسيادة واستقلال (خلافا لما تريده روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين).
حملة “تطهير” في إطار مساعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
تدخل حملة “التطهير” أيضا في إطار مساعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والذي منحها وضع مرشح في يونيو/ حزيران 2022. فقد أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في تلك الفترة خلال زيارة لكييف أن السلطات الأوكرانية “فعلت الكثير” بهدف ترشح البلاد لكن “ما زال هناك الكثير لتفعله”، خصوصا على صعيد مكافحة الفساد.
للمزيد- القوات الروسية تتدفق على شرق أوكرانيا استعدادا لشن “هجوم كبير”
فهل من أسباب أخرى غير الحرب تفسر تراجع الرئيس الأوكراني عن قراره تعيين أحد المقربين منه (كيريلو بودانوف) خلفا لأحد الوزراء الأوفياء والأكفاء مثل ريزنيكوف (وهو يشغل منصب وزير الدفاع منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021)؟
قال ريهور نيزنيكاو المتخصص في السياسة الأوكرانية بمعهد الشؤون الخارجية الفنلندي، إن هذا الملف يسلط الضوء على الصعوبات الداخلية التي يواجهها الرئيس زيلينسكي في تسيير أمور البلاد، “فرغم أنه يتمتع بشعبية كبيرة لدى الرأي العام المحلي إلا أنه ليس بمنأى من أي تحولات مفاجأة”. وأشار أن وزير الدفاع غير متورط بقضايا فساد لكن شعبيته تدنت لدى الرأي العام.
ريزنيكوف رد الاعتبار لوزارة الدفاع التي هزتها قضايا فساد
كان أولكسي ريزنيكوف (56 عاما) حتى الآن يحظى بمكانة مرموقة في الحكومة الأوكرانية، كما أوضح ريهور نيزنيكاو، فهو الذي “رد الاعتبار لوزارة الدفاع وأعاد ترتيب أمورها بعد أن كانت مهتزة بفضائح فساد كثيرة، لتتحول إلى مؤسسة محترمة لعبت دورا بارزا في التصدي للغزو الروسي” الذي شنه بوتين في 24 فبراير/شباط 2022. وبالتالي، كسب ثقة واحترام الرئيس زيلينسكي.
للمزيد- موسكو تستبعد محادثات مع الغرب وأوكرانيا وشولتز يعد بتجنب صراع بين روسيا والناتو
حدثت نقطة التحول في 23 يناير/كانون الثاني عندما تعرض عدة أعضاء في الوزارة لاتهامات بتهريب مئات ملايين الدولارات في صفقات مرتبطة بتسليم المواد الغذائية لعناصر الجيش. واتُهم ريزنيكوف بأنه لم يتعامل بحزم مع المتورطين بالقضية في وقت يسعى كل أوكراني لمساعدة الجيش في مهمة الدفاع عن التراب الوطني، كما قال جيف هاون المتخصص بالحرب الأوكرانية والمتعاون مع معهد “نيو لاينز إنستيتيوت” الأمريكي.
لكن، على الرغم من تدهور صورته لدى قسم من الرأي العام الأوكراني، لا يزال ريزنيكوف يحظى بدعم قوي خارج البلاد. ومن هنا التساؤل الذي يطرحه ريهور نيزنيكاو المتخصص في السياسة الأوكرانية بمعهد الشؤون الخارجية الفنلندي: “هل من المعقول إقالة وزير نجح في ربط علاقات ثقة مع نظرائه الغربيين، ولا سيما الأمريكيين، وفي وقت يبدو حاسما لمستقبل الحرب الروسية على أوكرانيا مع ورود معلومات حول استعداد موسكو لشن هجوم كبير” بالتزامن مع العام الأول لبداية الحرب؟
عسكري ناجح ينتمي لجيل الرئيس الأوكراني
ويطرح استبدال وزير الدفاع تساؤلا آخر بالنسبة لفلوديمير زيلينسكي: من سيخلف كيريلو بودانوف في حال تم تعيينه وزيرا للدفاع؟ فهو عسكري ينتمي لجيل الرئيس الأوكراني ويدين بنجاح مسيرته السياسية للرئيس ذاته؟
فقد تم تعيين بودانوف على رأس الاستخبارات العسكرية عام 2020 في سن 34 عاما. وكان قبلها في طليعة القوات الخاصة للجيش الأوكراني التي خاضت الحرب ضد روسيا في شبه جزيرة القرم عام 2014، كما أنه نجا من محاولة اغتيال في 2019 نفذها رجال من الاستخبارات الروسية. وكان أيضا من المسؤولين القلائل الذي حذروا زيلينسكي من تدخل روسي وشيك نهاية 2021، أي قبل بضعة أشهر من بداية الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط 2022.
للمزيد- إصرار الغرب على تزيد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة.. هل هو انخراط مباشر بالحرب؟
وارتبط اسم بودانوف أيضا بعمليات تخريب قام بها الجيش الأوكراني داخل التراب الروسي، إلا أن تعيينه في منصب وزير الدفاع يتعارض مع القانون الأوكراني والذي يقضي بموافقة البرلمان من أجل تسمية عسكري بهذا المنصب. ورأى ريهور نيزنيكاو أن الرئيس زيلينسكي بإمكانه تعيين بودانوف وزيرا موقتا أو إنهاء مهامه العسكرية، كما أنه من الممكن أن يطلب موافقة البرلمان و”سيحصل عليها بالتأكيد” نظرا لشعبيته الكبيرة.
هل تقبل الدول الغربية خيار “الحرب الشاملة” ضد روسيا؟
من جهته، اعتبر جيف هاون أن الخيارات المتاحة للرئيس الأوكراني تتضمن بعض المخاطر، خاصة إذا ربطناها بمجرى الحرب الروسية على البلاد. فتعيين بودانوف على حد قول الخبير الأمريكي “يمكن قراءته بأنه يعكس نية كييف خوض حرب تحريرية شاملة” ضد موسكو، في حين بقاء ريزنيكوف بمنصبه يمثل الاختيار الدبلوماسي، فهو “قادر على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار” مع الطرف الروسي.
وكان بودانوف أعلن لصحيفة “واشنطن بوست” نهاية يناير/كانون الثاني: “علينا استعادة [شبه جزيرة] القرم من روسيا قبل صيف 2023 وبالتالي تحرير كل منطقة الدونباس”. فهل الدول الغربية مستعدة للسير نحو هذا الاتجاه؟
النص الفرنسي: سيباستيان سايبت | النص العربي: علاوة مزياني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook