آخر الأخبارأخبار محلية

حزب الله على قاب قوسين أو أدنى من تسليمه بفرضية التخّلي عن سلاحه

لا مساعدات للبنان من دون إصلاحات. ولا إعادة إعمار إن لم يبق سلاح إلا في أيدي القوى العسكرية الشرعية. بهاتين “اللأتين” اختصرت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان اورتاغوس فحوى لقاءاتها الرسمية وغير الرسمية في زيارتها الثانية للبنان. وقد أمهلت اللبنانيين لفترة من الزمن غير طويلة لكي يقوموا أولًا بالإصلاحات المطلوبة، وثانيًا بالعمل على تعزيز دور الجيش في بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وليس فقط في جنوب نهر الليطاني، على أن ينزع سلاح كل الميليشيات المسلحة، لبنانية كانت أو غير لبنانية، ومن ضمنهم كأولوية سلاح “حزب الله”، التي وصفته بـ “الورم السرطاني”، و”الذي يجب استئصاله لكي يتعافى الجسم اللبناني، وهي تقصد بالطبع، كما فُهم منها، الجناح العسكري، وليس جناحه السياسي، خصوصًا أنها سمعت كلامًا من رئيسي الجمهورية والحكومة العماد جوزاف عون ونواف سلام، ومن الرئيس نبيه بري كتحصيل حاصل، يؤكدون فيه أن “حزب الله” مكّون أساسي من النسيج الوطني، وهو يمثّل شريحة واسعة من الطائفة الشيعية، وله مؤيدوه من الأحزاب السياسية المتماهية مع أيديولوجياته كما له خصوم آخرون في الضفة المقابلة من الوطن، والذين يعتبرون أن قوة “الحزب” يستمدّها من قوة سلاحه ووفرة ما يأتيه من مساعدات مالية من إيران، فضلًا عن تزويده بترسانة صاروخية كان يُحسب لها ألف حساب قبل أن يواجه إسرائيل، التي أظهرت مدى تفوقها تكنولوجيًا وفي الجو بما تملكه من اسطول متكامل من الطائرات الحربية.

فما قالته السيدة اورتاغوس بعد زيارتها الثانية لبيروت أخطر بكثير مما قالته أثناءها. فتوصيفها “حزب الله” بأنه “ورم سرطاني” قد أثار حفيظة الكثيرين، الذين لا يزالون يعتبرون أن سلاح “الحزب” هو الضمانة الأكيدة لحماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية. وهم يرفضون مقولة أن هذا السلاح لم يجلب على لبنان سوى الخراب، بل يؤكدون أنه لولا هذا السلاح لكانت إسرائيل تتمختر في شوارع بيروت تمامًا مثلما فعلت في اجتياحها للبنان سنة 1982.
في المقابل فإن الذين يعارضون أن يكون لغير سلاح الجيش أي دور في المنظومة الدفاعية ضد أي خطر محتمل يرون أن “حزب الله”، الذي كان يهدّد بزوال إسرائيل واصفًا إياها بأنها أوهى من خيوط العنكبوت، لم يعد قادرًا اليوم على التعامل بالمثل مع الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة وبوتيرة تصاعدية. ويعتبر هؤلاء أن مقولة الذين يبرّرون عدم ردّ “الحزب” على تمادي إسرائيل في اعتداءاتها بأنه لا يريد توريط لبنان بحرب واسعة جديدة، أو أنه يضبط نفسه على عدم خرق اتفاق وقف النار لكي لا يعطي العدو أي حجة إضافية لتنفيذ مخططاته “التلمودية”، هي مقولة لا تستند إلى المنطق السليم بشيء من الواقعية.

ويضيف هؤلاء أنه إذا سلّم المرء جدلًا بأن “حزب الله” لا يريد توريط لبنان بحرب غير متكافئة، وهو الذي يتعرّض لاعتداءات ممنهجة، وقد تفوق بخطورتها حرب ما قبل الاتفاق الهشّ لهدنة لن تدوم طويلًا، فلماذا لم يأخذ هذه الاعتبارات في الحسبان يوم قرّر منفردًا فتح جبهة الجنوب كجبهة مساندة لفلسطينيي قطاع غزة؟

هي جدلية قائمة بين اللبنانيين ولن تنتهي مفاعيلها إن لم يقتنع “حزب الله” وغيره من الميليشيات بأن لا سلاح يعلو على سلاح الجيش المنوطة به مهمة حماية حدود الوطن، كما على الأفرقاء الآخرين الاقتناع بأن ما يسعى إليه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، لجهة إقرار استراتيجية دفاعية يشارك في صياغتها جميع القوى السياسية، بمن فيها “القوات اللبنانية”، وهي الجهة الأكثر تشدّدًا من غيرها في موضوع سلاح “حزب الله”، والذي تعتبر أن الشعار، الذي رفعه “الحزب” في حملته الانتخابية الأخيرة “نحمي ونبني”، قد أثبتت الحرب الأخيرة عكسه تمامًا. فهذا السلاح، برأي “معراب”، لم يحمِّ ولم يبنِ. بل زاد من هواجس اللبنانيين، وبالأخصّ أهل الجنوب، الذين يتعرّضون يوميًا للتهديدات الإسرائيلية، وهم الذين دُمّرت بيوتهم، وأُحرقت محاصيلهم الزراعية، واقتلعت أشجارهم المثمرة.

وفي رأي كثيرين فإن الانتخابات البلدية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية ستكون فرصة لـ “حزب الله” لكي يثبت للملأ أنه لا يزال يتمتع بشعبية جماهيرية واسعة. وهذا الاثبات إن لم تصحبه قناعة راسخة بانتهاء الدور الذي كان عليه سلاحه قبل حربه مع إسرائيل، وبالتالي تسليمه جدلًا بأن الجيش هو الذي يحمي الجميع من أي اعتداء خارجي أو داخلي وأن مؤسسات الدولة هي التي تبني، يبقى صدى في وادٍ.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى