في الذكرى الـ 48 لـ 13 نيسان… لا نزال نعيش حروبًا من نوع آخر
فما أشبه اليوم بالأمس، مع أن الجميع يطلقون شعار “تنذكر وما تنعاد”، حيث إن الخطوط التي رسمها بعض الدول كانت تستخدم اللبنانيين وقودًا لحروبها البديلة، تنفيذًا لأجندات خاصة بها، مع تبدّل الظروف وبعض الأسماء، فيما إسرائيل هي هي اليوم والأمس، وهي لا تزال تهدّد لبنان يوميًا، وتخرق سيادته، جوًّا وبحرًا وحتى برًّا، وهي مستمرة في مخططاتها العدوانية. وما حصل قبل بضعة أيام في الجنوب لخير دليل على نواياها العدوانية.مع كل 13 نيسان، ومنذ 48 سنة نقول “تنذكر ولا تنعاد”، مع ما يعنيه ذلك بأنه علينا أن نتذكّر، ولكن علينا أيضًا أن نعمل لكي لا تنعاد.
لا شك في أن الحرب اندلعت عند تقاطع عوامل إقليمية ودولية باتت معروفة، وإن لم تُكتب كل التفاصيل في كتاب تاريخ واحد، وهي التي أشعلت فتيل الانفجار وأمدته بالوقود للاستمرار، ولكن وبعد مرور 48 سنة على “حادثة البوسطة” يبقى السؤال جائزًا ومطروحًا بقوة: هل كانت الحرب لتندلع لو لم يكن اللبنانيون مهيأين لها.
فعلى رغم أن الحرب الأهلية قد انتهت وأصبحت وراءنا، إلاّ أنه لا بدّ من طرح أكثر من سؤال ورسم أكثر من علامة استفهام ووضعها في خانة جميع الذين يتحمّلون بقاء البلاد من دون رئيس للجمهورية، ومن بين هذه الأسئلة: – هل انتهت عقلية الحرب الأهلية مع ما يصحبها من ممارسات تبدو غير بعيدة في المنطق عن ممارسات الحرب؟
– قياسًا إلى ما يشهده اللبنانيون على مدار الساعة فإن التساؤل عن الحرب الباردة كبديل عن ضائع يبقى مشروعًا وجائزًا.
– هل انتهى منطق تخوين بعضنا البعض وتبادل الاتهامات حول مسؤولية ما آلت إليه أوضاعنا من تدهور اقتصادي ومالي واجتماعي؟
– هل انتهى الاصطفاف الطائفي والمذهبي، وحلّت مكانهما المواطنة أو بوادر الدولة المدنية؟
– هل انتهى الشعور لدى البعض بالغلبة والاستقواء بالخارج، أيًّا كان هذا الخارج؟
– هل تحققت المشاركة الفعلية والتوازن الحقيقي بين جميع المكونات السياسية؟- هل توافقنا على تحديد المفاهيم المشتركة حول علاقات لبنان الخارجية؟- هل بلغنا مرحلة من النضوج السياسي، الذي يسمح لنا بالتسامح والتضامن وقبول الآخر والاعتراف به؟
– هل تحققت المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة؟
– هل وصل المواطن العادي إلى حقه بالعيش في بلد مستقر وآمن؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير تحضر في هذه الذكرى، التي يجب أن تبقى مجرد ذكرى وعبرة لمن يعتبر، فلا تذهب دماء اللبنانيين، في أي موقع كانوا، سدى وهباء، ولكي نعود بالحاضر إلى الوراء 48 سنة.
فعندما نردّد مقولة “تنذكر وما تنعاد”، ربما يقصد بعضنا العكس، وهي “تنذكر وعم تنعاد”، وقد لا تكون بالضرورة هذه الإعادة أمنية وعسكرية. إلاّ أن هذا لا يعني أننا لا نزال نعيش حروباً من نوع آخر، وهو ما يجعلنا نقول “تنذكر وعم تنعاد”. هي تعاد في السياسة، وبالتحديد عندما نرى استحالة داخلية في التفاهم على إخراج الرئاسة الأولى من أسر ربطها بأزمات الخارج، و”التمترس” وراء أكياس، ليست من رمل هذه المرّة، ولكنها نتيجة تعنت البعض واستمراره في حجز حرية الكرسي الرئاسي وعدم استعداده للإفراج عنها.
هذه الحرب تعاد، ولو بشكل آخر، في مسلسل الفضائح، وفي كل أنواع الفساد المعشعش في كل زاوية من زوايا إدارات الدولة.
48 سنة مرت على “بوسطة” عين الرمانة، ولا نزال نرى ركاب “بوسطة” من نوع آخر، ركاب “بوسطة” الطائفية والمحسوبية والزبائنية والتبعية والمصالح الضيقة، وركاب سياسة “المختار والناطور”، من دون الحديث بالطبع عن “البوسطات” الانتخابية، ونحن على مقربة من انتخابات بلدية غير معروف مصيرها، وقد يأتي يوم يعمّ فيه الفراغ الشامل… وعندها نكون كمن يعيد شبح الحرب الأهلية، ولو بأشكال متعدّدة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook