آخر الأخبارأخبار محلية

الخلوة المسيحية في حاريصا.. لقاء روحي وجداني بأبعاد سياسية؟!

تحت عنوان “يوم اختلاء روحيّ قوامه صوم وصلاة وسماع لكلام الله وتوبة استعدادًا لعيد الفصح المجيد”، دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي النواب المسيحيّين من مختلف الكنائس، إلى خلوةٍ تعقد يوم الأربعاء في الخامس من نيسان المقبل في حريصا، “في جو من الصلاة والتأمّل والسجود أمام القربان المقدّس”، وفق ما جاء في نصّ الدعوة، الذي لم يحمل في المضمون أيّ إشارة إلى الاستحقاقات السياسية، من قريب أو من بعيد.

وفي حين أرجئ أمر “جدول أعمال” الخلوة المسيحية المرتقبة إلى موعد لاحق، بانتظار ربما جلاء صورة المشاركين، والمقاطعين إن وُجِدوا، اكتفى نصّ الدعوة بالإشارة إلى أنّها ستبدأ عند الساعة التاسعة صباحًا “بتأمّل روحي”، وتنتهي بعد الغداء في دار بيت عنيا، محدّدًا في الوقت نفسه هدف “اليوم الروحي”، كما وصفه بـ”الصلاة من أجل لبنان”، في رسالة ضمنية بأنّ الصلاة قد تكون أكثر ما يحتاجه اللبنانيون لمواجهة الأزمات التي يتخبّط البلد فيها.

لكنّ الدعوة إلى لقاء روحي وجداني، بعد ما أثير في الآونة الأخيرة عن “مبادرة” تقوم بها بكركي على خط الاستحقاق الرئاسي، بطلب من بعض الأفرقاء المسيحيّين، وبعد مشاورات تمّت مع العديد من القوى المسيحيّة للدفع نحو حوار سياسيّ، أثارت العديد من علامات الاستفهام، فهل يكون “اليوم الروحي” بمثابة “بدل عن ضائع”، بعد فشل محاولات “جمع” القادة المسيحيين؟ وهل ستكون السياسة “غائبة” فعلاً عن هذه الخلوة، أم ستفرض نفسها بقوة الأمر الواقع؟!

“أفق مسدود”

بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ دعوة البطريرك الراعي النواب المسيحيّين، لا الموارنة فحسب، إلى لقاء “روحي”، لا “سياسي”، لا يؤشّر سوى إلى أنّ “الأفق مسدود” أمام الجهود التي كان قد بذلها في الآونة الأخيرة، من أجل جمع المسيحيين على “كلمة سواء” في الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا بعدما اصطدمت محاولاته بـ”فيتو” العديد من القوى، التي اعتبرت أنّ المطلوب اليوم انتخاب رئيس للجمهورية وفقًا للدستور، وليس إبرام “تفاهمات جانبية” بشأنه.

ويقول العارفون إنّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل كان “المحرّض الأول” على الحوار المسيحي، بعدما سُدّت أبواب الحوار “الثنائي” في وجهه، خصوصًا من جانب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، كما كان يرغب، رغم “تقاطعهما” على رفض ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، إلا أنّ الرفض “القواتي” المطلق، استنادًا إلى تجربة “تفاهم معراب” غير المشجّعة، أطاح بالفكرة عن بكرة أبيها.

من هنا، قد لا يكون مُبالَغًا به وفق ما يقول المتابعون، توصيف اللقاء الروحي بأنّه “بدل عن ضائع”، إذ يمكن اعتباره محاولة “شكلية” لجمع النواب المسيحيين، ولو على “الصلاة” هذه المرّة، علمًا أنّ بكركي التي ترفض محاولات جرّها إلى “لعبة الأسماء” في الاستحقاق الرئاسي، تريد وضع النواب أمام ضمائرهم، لعلّهم يلتفتون إلى المسؤوليات الملقاة على عاتقهم لانتخاب رئيس، وهو ما يواظب البطريرك الراعي أصلاً على الدعوة إليه بوتيرة أسبوعية.

بين الرهانات والتوقعات

لكن، إذا كان صحيحًا أنّ اللقاء “الروحي” يمكن أن ينجح حيث فشل الحوار “السياسي”، بدليل مشاركة قوى سياسية كانت ترفع لواء “المقاطعة” سابقًا، على غرار “القوات اللبنانية” التي أعلن رئيسها سمير جعجع مشاركة تكتل “الجمهورية القوية” في الخلوة، فإنّ علامات استفهام تُطرَح بالجملة عمّا يمكن أن يفضي إليه اللقاء المُنتظَر، فهل يمكن الرهان عليه لإحداث أيّ “خرق” في الملف الرئاسي؟ وما هو المتوقع والمنتظر من “يوم الصلاة” أصلاً؟

يقول العارفون إنّه من المبكر الحكم على نتائج الخلوة، أو حتى توقّع ما يمكن أن تفرزه، خصوصًا أنّ موعدها محدّد في الخامس من نيسان المقبل، ومن الآن وحتى ذلك التاريخ، “يخلق الله ما لا تعلمون”، وفق ما يردّد البعض، خصوصًا في ضوء المتغيّرات المتسارعة على مستوى المنطقة، ولا سيما بعد الاتفاق السعودي الإيراني في بكين، ودعوة الرياض الرئيس الإيراني لزيارة المملكة، وغيرها من الأمور التي يُعتقَد أنّها قد تجد صداها لبنانيًا في الأسابيع القليلة المقبلة.

وفي حين يجزم هؤلاء أنّ السياسة، ولو غابت عن مضمون الدعوة، ستكون أكثر من “حاضرة” في متنها، بدءًا من كواليس التحضيرات التي انطلقت لها، وصولاً إلى حجم المشاركة فيها، فضلاً عن النقاشات التي ستتضمّنها، إلا أنّ “الرهان” عليها قد لا يكون كبيرًا، باعتبار أنّ الجميع مقتنعون أنّ دور بكركي سيكون محصورًا بـ”حثّ” النواب على وجوب إتمام واجباتهم الدستورية، لكنّ “كلمة السرّ” لكثير من هؤلاء تبقى في مكان آخر تمامًا.  

في ظلّ الاستعصاء الذي يشهده الاستحقاق الرئاسي، مع مرور أشهر على الفراغ في قصر بعبدا، من دون أن تبرز في الأفق أيّ محاولات “جدية” لملئه، في ضوء مساعٍ للتطبيع معه على العكس، وبالتوازي مع تلويح معسكري الصراع بـ”التعطيل”، قد تكون “الصلاة” هي فعلاً الخيار الوحيد المُتاح لإحداث “الخرق”، لكنّها “صلاة” تبقى غير كافية إذا لم تقترن بالإرادة الفعليّة للمضيّ إلى الأمام، وهي إرادة لا تتوافر عناصرها حتى الآن!


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى