آخر الأخبارأخبار محلية

هل بدأ شبح الحرب الشاملة على لبنان ينحسر؟

“لو بدّا تشتّي غيّمت”. هو مثل لبناني آخر، ولكنه جبلي بامتياز هذه المرّة. وهذا المثل بما فيه من واقعية مستمدّة من الطبيعة وما فيها من توازنات بين فصل وآخر، ينطبق اليوم على الواقع الذي يعيشه أهالي الجنوب الصامدون في قراهم، والرافضون تركها حتى ولو انهالت على رؤوسهم الآف القذائف، لأنهم أولًا لن يعيدوا كرّة التهجير القسري في حرب تموز، حيث وجدوا في كل بيت من بيوت اللبنانيين، الذين كانوا في منأى نسبيًا عن الاستهدافات الإسرائيلية، بيوتًا تُفتح لهم أبوابها، ولكن ما كان في تلك البيوت قبل سبعة عشر عامًا من خيرات لم يعد يكفي اليوم لأهل البيت الواحد، ولأنهم ثانيًا يعتقدون أن “حزب الله” لا يريد في المعادلات الإقليمية القائمة إدخال لبنان في حرب مدّمرة. ويستدّلون من هذا أن ظروف أي معركة في ميزان الربح والخسارة لم تعد متوافرة كما لو أن الحزب دخل هذه المعركة الكبرى بالتزامن مع ما حققته عملية “طوفان الأقصى” من مفاجآت ميدانية، والتي أوقعت الداخل الإسرائيلي، السياسي والعسكري، في حال غير مسبوقة من الارباك الشامل وعلى كل المستويات، خصوصًا على جبهته الشمالية. وكان في امكان “حزب الله” أن يحقق في ذلك النهار في الجليل الأعلى أضعاف ما حققته كتائب “القسام” في غلاف غزة.

فالحفاظ على نطاق جبهة الاشتباك الراهنة بين الحزب والعدو الإسرائيلي ضمن ما يُعرف بـ “قواعد الاشتباك”، والممتدة مفاعيلها على طول الجبهة من الناقورة حتى كفرشوبا، يعني أن “حزب الله”، وعلى رغم سقوط عشرات الشهداء من بين صفوف مقاتليه، لا يزال قادرًا على إمساك العصى من وسطها، وهو لا يزال أيضًا مسيطرًا على أعصابه، لأن الخطأ في التقدير في هذه الظروف الصعبة ممنوع، مع العلم أن ما تضمّنه لقاء الأمين العام السيد حسن نصرالله مع مسؤولين من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” من رسائل تشير إلى أن مشاركة الحزب في جانب من صمود أهل غزة، ولو في شكل محدود، هو بمثابة الاعتراف الضمني بالأمر الواقع اللبناني الشديد التعقيد، في ظل الخارطة السياسية الداخلية والخارجية التي تجعله يحسب ألف حساب لعملية انخراطه في الحرب، وفي مقدمها أن الدولة اللبنانية تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وقد لا تكون قادرة على تحمل أي دمار يطال بنيتها التحتية أو مرافقها الخدماتية، بالإضافة إلى أن العديد من التيارات السياسية اللبنانية لا تنفك تُحذر من خطورة الانخراط في حرب غير لبنانية في الأساس، خاصة وأن لبنان وإسرائيل حققتا انجازاً مؤخراً في توقيع وثيقة اتفاق ترسيم الحدود البحرية، ما يُتيح لبيروت التنقيب عن النفط والغاز في حقل قانا البحري في مراحل لاحقة، وذلك بعيدًا عن مشاعر التضامن الكلامي، وهي مشاعر في أغلبيتها صادقة.
أما العامل الخارجي الأبرز المؤثّر على أي قرار قد يتخذه “حزب الله” فيتمثّل بالمؤشرات الآتية من إيران حول نيتها الفعلية بالحفاظ على مستوى منخفض من التصعيد، خاصة وأن “رموزها” العسكرية لا تزال غير ظاهرة في المشهد، وفي مقدمهم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، وإن كان تصريحه بالأمس لم يخلُ من بعض التهديدات الكلامية، فيما تقتصر التصريحات الرسمية على تلك التي يطلقها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، والتي هي في معظمها مضامين أيديولوجية اعتاد العالم عليها منذ العام 1979، وليس فيها أي معطىً جديد. وهي تُعدّ نوعًا من الرسائل الديبلوماسية إلى دول العالم والمنطقة، ومفادها أن طهران تتبنى نهجاً ديبلوماسياً هادئًا عبر الدفع بوزير الخارجية إلى الواجهة. وبذلك تلجأ إيران وحلفاؤها إلى ممارسة سياسة “الجزرة والعصى” مع الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها إسرائيل ودول الجوار، والتي يندرج من ضمنها التصعيد الخطابي والتظاهرات والاعتصامات كما في اعتصام المئات من مناصري الحشد الشعبي عند الحدود العراقية الأردنية والمطالبة بإنهاء الحرب وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
استنادا إلى كل هذه المعطيات، مع ما يجريه لبنان من اتصالات خارجية، فإن شبح الحرب الشاملة والمدّمرة على لبنان بدأ ينحسر تدريجيًا، مع استمرار المناوشات في “المناطق المفتوحة” في الجنوب.  

المصدر:
لبنان 24


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى