مزارع شبعا لبنانية بلا جدال.. هل تحسم سوريا الجديدة القضية التاريخية؟
عملية التحرك هذه التي توصّفها مصادر بـ”الاحتلال الجديد الموسّع” تعيد إلى الواجهة قضية مزارع شبعا المحتلة، التي لا تزال تخضع للقبضة الإسرائيلية، إلا أنّ ما يحاول المتابعون لهذا الملف اليوم فعله هو إعادة إحياء هذه القضية، ونزع اعتراف سوريّ جديدٍ بلبنانية مزارع شبعا، أو أقله الحصول على الوثائق التي طال انتظارها على الرغم من أنّ الوثائق التي يمتلكها لبنان واضحة وضوح الشمس وتؤكّد أن مزارع شبعا لبنانية 100%، مع العلم أنّه منذ أن احتلت هذه الأراضي، صدرت تصريحات عدة من قبل مسؤولين ومختصين لبنانيين، سوريين، وإسرائيليين، أكّدت أنّ هذه المزارع لبنانية، إلا أن البعد من الناحية الجيو-ستراتيجية لهذه المنطقة، والتي يرى من خلالها الإسرائيليون أنها من حقهم سواء على الصعيد الديني أو الثقافي أو العسكري، دفعت قوة الإحتلال إلى إحكام السيطرة، لا بل توسيعها اليوم عقب سقوط نظام بشار الاسد، ذلك بالاضافة إلى الموارد الطبيعية الحيوية التي تعطي دفعة أكبر لإسرائيل لإحكام السيطرة عليها، خاصة بعد التوسع الأخير في جبل الشيخ.
من هنا، تؤكّد الباحثة في علم السياسة رانيا حتي إن الحدود نظراً لأنواعها ومراحلها المتعددة يمكن اعتبارها مسألة معقدّة، تبدأ بتعيين الحدود “determination” تليها تحديد الحدود “delimitation” إلى أن تنتهي بترسيم الحدود “demarcation”. فالتحديد هي عملية توقيع سابقة من مجرد نص في الإتفاقية أو المعاهدة إلى حين وضعها وتثبيتها على الخرائط، فيما ترسيم أو تعيين الحدود هي عملية لاحقة تأتي بعد تثبيت الحدود وتوضع موضع التنفيذ، بوضع أسلاك شائكة أو حواجز إسمنتية أو أعمدة وأسوار.. وبهذا، تنتهي العمليتان بإدارة تلك الحدود السياسية والمحافظة عليها وصيانتها بشكل دائم.
وترى حتي خلال اتصال عبر “لبنان24” أن حدود منطقة مزارع شبعا تعرّضت للتغيير مرات عديدة، حيث مرّ هذا الموقع بمراحل عدة عبر التاريخ، و شهد صراعات، إلا أنّها تؤكّد أنّه “منذ سنة 1920، خضع أبناء مزارع شبعا للقوانين اللبنانية من خلال دفع الضرائب والمقاضاة أمام المحاكم اللبنانية التمييزية والإستئنافية، التي كانت موثّقة بالطوابع الأميرية اللبنانية، وتبيّن حينها بأن حدود لبنان مع سوريا في منطقة العرقوب التابعة لمزارع شبعا، تبدأ من شمال عين التنور (شمال شرقي) عبر وادي المغر، إلى أن تصل الى جبل السماق فجبل الروس، ثم تتخذ الحدود بعد ذلك مقالب المياه حتى قمة قصر شبيب، أعلى قمم جبل الشيخ، بعد ذلك، تتجه تلك الحدود بإتجاه الشمال نحو جبل الخرشونة، من ثم قرنة السفحة وحرمون الشرقي.
وتلفت حتي إلى أنّه ” بنهاية الإتفاق بين الفرنسيين والبريطانيين، تكرّست إتفاقية نيو كامب – بوليه بعد الأخذ والرد في 3 شباط 1922، ووقع العضوان (نيو كامب بوليه) على نحو ميداني وثيقة ترسيم الحدود. حملت تلك الوثيقة عنوان التقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة، وفلسطين من جهة أخرى ومن البحر المتوسط حتى بلدة الحمة. إن أهميّة إتفاقية نيو كامب – بوليه، تكمن في أنها معاهدة رسميّة موقّعة بين طرفي وكلاء الإنتداب، برعاية عصبة الأمم الدولية. لذا تُعتبر قانونية شرعية باعتبارها أُقرّت من أعلى هيئة أممية وأصبح ذات طابع دولي”، وعليه، تؤكّد حتي هنا أنّ “مزارع شبعا تشكّل، مع بلدتها الشبعاوية، وحدة جغرافية متماسكة في قلب جبل الشيخ بعد قرار اللجنة السورية – اللبنانية، باستثناء قسم من مزرعة المغر التي أصبحت تعرف “بمغر الشباعنة” السورية والقسم الآخر من أملاكها في فلسطين في محيط نبع اللدّان وسهل الحولة، لكن ملكية أصحابها بقيت لبنانية”.
إعادة ترسيم الحدود واتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل
أعيد ترسيم الحدود اللبنانية – الفلسطينية رسميًا عام 1946، ووثّقت في الأمم المتحدة. ورغم قيام إسرائيل عام 1948، لم يُحتل أي جزء من الأراضي اللبنانية حسب خط “بوليه نيو كومب”. خلال حرب 1948، توغلت القوات الإسرائيلية في القرى اللبنانية، وبعد انتهاء القتال، وُقّعت اتفاقية الهدنة في 23 آذار 1949 برأس الناقورة. الاتفاقية، التي تضمنت مقدمة وثمانية مواد، أكدت أن خط الهدنة يتبع الحدود الدولية. إلا أن إسرائيل حاولت إعادة تفسير الخرائط الحدودية وناقشت مسألة استغلال مياه الليطاني لصالحها، مما أثار اعتراض لبنان. وفي حرب 1967، احتلت إسرائيل قرى ومزارع لبنانية مثل النخيلة ومرتفعات كفرشوبا، وهجّرت سكانها، مما جعل المعيشة فيها مستحيلة. استمر التوتر مع مطالبة إسرائيل بإلغاء اتفاقية الهدنة، متذرعة بانتهاكات لبنانية، بينما تمسك لبنان بتطبيق الاتفاقية وطالب بتدخل الأمم المتحدة التي أكدت وجوب الالتزام بها.
الإعتراف الإسرائيلي الدولي
واستكمالا في تأكيد لبنانية مزارع شبعا، تسلّط الباحثة السياسية رانيا حتي الضوء على قرار الأمم المتحدة ذات الرقم 242، والذي تطرق في أحد بنوده الى “الحدود الآمنة”، الذي اعترف بها كقاعدة أساسية لحلّ أزمة الصراع العربي – الإسرائيلي والإنسحاب من جميع الأراضي التي إحتلتها إسرائيل، بما فيها مزارع شبعا اللبنانية والجولان السوري، إلا أن إسرائيل لم تنفّذ هذا القرار نظراً لمخططاتها التوسعية .
وتبرز حتي اعترافا إسرائيليا، إذ تشير إلى إنّ “الإدعاء الإسرائيلي بأن مزارع شبعا سورية يعاكسه موقف “البروفسور الإسرائيلي موشيه برافر” الذي أشار بأنه في الخمسينات، طُلب من الرئيس كميل شمعون السماح بإقامة مخافر تفتيش أمنية لوقف التهريب، لمنع عمليات التسلل وتهريب البضائع عبر حدود مزارع شبعا اللبنانية مع الدولة السورية، فوافق كميل شمعون آنذاك في إطار التعاون المشترك بين الدولتين السورية واللبنانية”.
وعليه، فيما تعتبر إسرائيل بأن مزارع شبعا جزء من الأراضي السورية، أتى بالمقابل موقف كبار القادة السوريين منسجماً مع الموقف اللبناني لناحيةالتأكيد أن المزارع لبنانية من خلال إبراز الحقائق والوثائق التاريخية، والإعترافات الرسمية. من هنا، تقول حتي أنّ “إسرائيل تسعى إلى استغلال الخلاف بين لبنان وسوريا بشأن ترسيم الحدود، متهمة سوريا بالرفض، بهدف إبقاء هوية مزارع شبعا مجهولة. هذا التكتيك يهدف إلى منع إثبات لبنانية المزارع، ما قد يلزم إسرائيل بالانسحاب وفق القرارات الدولية، وهو ما يتعارض مع مصالحها. استراتيجية إسرائيل تندرج ضمن سياسة “فرّق تسد”، لضمان استمرار سيطرتها على المنطقة”.
الإعتراف السوري لم يقتصر فقط على موقف واحد، إذ تشير حتي إلى أنّ المندوب السوري لدى الامم المتحدة ميخائيل وهبة قدّم الى مجلس الأمن مذكّرة تؤكّد بأن مزارع شبعا غير مشمولة بالقرار 242 بل فقط بالقرار 425، بما معناه بأنها أرض لبنانية، ولم تكتفِ السلطات الرسمية السورية بذلك، بل أبدت إستعدادها لإبلاغ نيويورك خطياً بأنّ مزارع شبعا لبنانية. وتضيف حتي أنّه في عام 2000، أعدّ الأمين العام للامم المتحدة مبادرة تقضي بتأليف فريق من الخبراء الدوليين التابعين للشؤون الجغرافية، بحثوا بأكثر من 80 خريطة، فيما استطاع أحد الخبراء تكوين إنطباع من خلال المعاينة البصرية عن الجغرافيا الطبيعية للمنطقة، توافقت مع نتائج تحليل البيانات التي قدمتها الحكومة اللبنانية ما أدى الى إيجابية في الموقف الدولي تجاه الحقوق اللبنانية.
إثبات لبنانية مزارع شبعا بالوثائق الرسمية
واصل الجانب اللبناني جهوده لإثبات لبنانية مزارع شبعا عبر تقديم وثائق رسمية وأدلة تاريخية. من أبرزها وثيقة نشرها المحامي نور الدين نور الدين، تؤكد أن مزارع شبعا كانت مرتبطة إدارياً وقضائياً بلبنان منذ إعلان دولة لبنان الكبير. الوثائق تشمل سجلات الأحوال الشخصية، الأملاك العقارية، والقرارات الضريبية والانتخابية، التي كانت ولا تزال تحت الإدارة اللبنانية.
كما كشف إبراهيم دياب، من كفرشوبا، عن وثيقة تعود لعام 1946، صادرة عن مجلس قضاء حاصبيا، تؤكد الحدود العقارية بين شبعا وكفرشوبا. هذه الوثيقة تحمل توقيع القاضيين العقاريين اللبناني رفيق الغزاوي والسوري عدنان الخطيب، وتثبت أن الحدود بين القريتين قد تم ترسيمها نهائياً. والمختصان بالمسح العقاري في مزارع شبعا اللذان أصدرا قراراً مشتركاً في 27 شباط 1946، أكدا فيه أنّ الحدود الفاصلة بين قريتي المغر وشبعا أصبحت نهائية. وفي نفس الإطار، في 11 حزيران 2000، أرسل الرئيس إميل لحود مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يعترض فيها على خط الانسحاب الإسرائيلي، مؤكدًا تمسك لبنان بالحدود الدولية التي نص عليها القرار 425. وخلال حرب 2006، وبعد فشل إسرائيل في القضاء على حزب الله، صدر القرار 1701 عن مجلس الأمن، داعيًا لوقف العمليات العسكرية، وسحب القوات الإسرائيلية، ونشر الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” جنوب الليطاني. القرار 1701 شدد على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، وسيادة لبنان ضمن الحدود الدولية كما نصت اتفاقية الهدنة.
حتى الآن، ثبتت 214 نقطة حدودية، وتم الاتفاق على 35 نقطة فقط بالتعاون مع “اليونيفيل”، ومن هنا ترى حتي أنّ “مسألة ترسيم الحدود القديمة الجديدة أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل وخاضعة لمبدأ التفاوض الذي يواجه عراقيل وتجاذبات بين مختلف اللاعبين، وتشير إلى أن ما يجعل من مسألة ترسيم حدود مزارع شبعا معقدّة، أسباب عدة أبرزها:
1- إعلان الولايات المتحدة الأميركية إعترافها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتلّ، الذي يشمل وفق التعريف الدولي والإسرائيلي مزارع شبعا.
2- إخضاع مزارع شبعا التي ينتشر فيها عناصر من الأمم المتحدة لمراقبة فض الإشتباك “أوندوف” للقرار الدولي ( رقم 497 ).
وعليه، يرى المختصون أنّه سواء تغيّرت السلطة في سوريا أم لا فإن أساس الإشكال ليس هنا، إذ إنّ النقطة الفاصلة تكمن داخل إسرائيل، والتي تتمثل في التراجع عن فكرة الإحتلال، إذ لا داعي أصلا لإثبات ما هو مثبت مسبقا بالوثائق والأدلة والحقائق، فمزارع شبعا لبنانية والتاريخ لا يُمكن أن يزوّر.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook