فرنجية لن يكون رئيساً…
لم يعد المشهد السياسي محكوماً بالاستقرار في ظلّ إطالة أزمة الشغور في الرئاسة الأولى، إلى جانب امتلاك فريقي الصراع سلاح تعطيل النصاب لتحقيق التوازن السلبيّ بوجه بعضهما البعض، في وقتٍ ينتظر الجميع اللحظة المواتية لانتخاب رئيس للجمهورية أو لإعادة النظر في تركيبة هذه الجمهورية.
قد يكون كلام رئيس المجلس حمّال أوجه، باعتباره زلّةً غير مقصودة أو بدايةَ مشوار المواجهة السياسية المتوقّع أن تحتدم. لكن المرجّح – بحسب ما يدور في الكواليس السياسية البرلمانية – أنّ فريق الرئيس نبيه برّي، بالتكافل والتضامن مع “حزب الله”، ليس في أفضل أحواله:
أوّلاً: لقدرة المعارضة – للمرة الأولى – على لجم فائض القوة، الذي يمتلكه هذا الفريق، ويريد تحقيق مكتسبات بالسياسة عبره
ثانياً: لقدرة المعارضة حتى الساعة على إقفال الطريق أمام مرشّح بري – نصرالله أي سليمان فرنجية.
ثالثاً: استطاع الفريق المعارِض للمرة الأولى أن يكون مايسترو إقفال البرلمان أمام التشريع وليس الرئيس برّي.
رابعاً: أفشل الفريق المعارِض بدعة الرئيس بري، وخلفه “الحزب”، وهي “الحوار”، الذي يريدون جعله غطاءً للعبتهما الرئاسية.
خامساً: تقزيم المشكلة الرئاسية، واعتبارها مارونية – مارونية، رسالة من عين التينة إلى العرب والغرب بأن التعطيل لا يتحمّل السيد نصرالله والرئيس بري مسؤوليَّتَه، ولا طهران خلفهما، إنّما هي المشكلة المزمنة. إنها مشكلة اتفاق الموارنة فيما الأزمة وطنية بين فريقين لبنانيين؛ فريق يضمّ مسيحيين ومسلمين يُريد دولة ودستوراً وسلاحاً واحداً، وفريق يضمّ مسلمين ومسيحيين يُريد دويلة وفوضى وسلاحاً غير شرعيّ.
سادساً: يحاول برّي التغطية على استنسابيّة تطبيق الدستور، فيمتنع عن إبقاء الجلسات الرئاسية مفتوحة، فيما يُسرّ في مجالسه أنّه متى استطاع مرشّحٌ تأمين 65 صوتاً فسيُبقي عندها الجلسات مفتوحة، في تبرير مسبق لفتح الجلسات إذا تأمّن وصول سليمان فرنجية.
سابعاً والأهمّ: محاولة التفافيّة من بري لإسقاط الفيتو الخليجي المرفوع بوجه سليمان فرنجية عبر الإيحاء بأن المانع لوصوله هو صراع البيت الماروني، وليس البيت اللبناني عامة؛ علماً بأن بري تبلّغ ووليد جنبلاط، عبر وائل أبو فاعور وكلّ المعنيين بالملف الرئاسي اللبناني في الداخل والخارج، أنّ فرنجية خارج السباق الرئاسي. وهذا ما تضمنه الجزء الأهم من محضر لقاء باريس الخماسي.
من هنا، من المبكر الحديث عن رهانات نتيجة أيّ لقاء سعودي – إيراني، أو سعودي – سوري. فحتى الساعة لم تطأ قدما وزير خارجية المملكة أرض دمشق، لأن الأمر مرهون بموافقة رئيس النظام السوري بشار الأسد على الشروط التي وضعتها المملكة، كفكّ الارتباط بإيران، والانفتاح على المعارضة وغير ذلك؛ وهي أمور لا قدرة لدى الأسد على الالتزام بها.
ففي المشهد العام، الأميركيون والأوروبيون يُريدون استقراراً في لبنان؛ وهذا الاستقرار لا يتأمّن إلا من خلال المال الخليجيّ؛ وهذا الدعم المالي لن يكون متاحاً بوجود رئيس من 8 آذار. لذلك، فإن الأمور باتت محسومة، والقرار مبرم، فلا رئيس من 8 آذار، والمملكة العربية السعودية لن تسير بمرشّح يتأثر بـ”حزب الله”. لذلك، يتموضع الأميركيون والفرنسيون خلف السعودية، مع محاولات خجولة من بعض السفراء لطرح فرنجية، لجسّ النبض أوّلاً، ولمحاولة إحداث خرق في جدار الشغور ثانياً. لكن الرياح الخليجية تؤكّد إقفال المملكة الباب خارجياً على رئيس من “حزب الله”، فيما باتت اللعبة منوطة بأطراف الداخل للوقوف بوجه عواصف ثنائيّ الضاحية – عين التينة.
حيثيّة فرنجية وممانعة الداخل
يحاول فريق 8 آذار قدر الإمكان إبقاء سليمان فرنجية مطروحاً في الإعلام فقط، والترويج لأخبار أن حظوظه مرتفعة والعمل مستمر لتأمين الـ65 صوتاً له، مع وجود حنين لدى هذا الفريق بإمكانية عودة الابن الضالّ جبران باسيل إلى التزام قرار الضاحية، والموافقة على فرنجية، مقابل مكاسب يحققها “التيار الوطني الحر” في العهد المقبل. لكن، حتى تجيء تلك الساعة، فلا قوة لـ”حزب الله” و”حركة #أمل” على فرض مرشّحهما بالقوة، لأن لا تأييد داخلياً له من معظم الأطراف من المسيحيّين وحتى المسلمين.
بالتالي، يفتقد فرنجية إلى الحيثية المسيحية والوطنية والبرلمانية؛ وأيّ عمل برلماني بات شبه مؤكّد أنّه لن يبصر النور، ولو تأمّن لفرنجية النصف زائداً واحداً، بعدما أكّدت “القوات اللبنانية” أنّها غير راغبة في السير وفق رغبات الفريق الممانع واستنسابية تطبيقه للدستور، حين أعلنت موقفاً حاسماً أن “لا نصاب لرئيس من 8 آذار”. وأعقب موقف الدكتور سمير جعجع هذا موقفاً مماثلاً للّواء أشرف ريفي، علماً بأنّ مصدراً نيابياً يعتبر أنه على الرغم من بيان التقدمي الاشتراكي في السجال بين برّي وميشال معوض، والذي ظهر مؤيّداً لبرّي أكثر منه لمعوض، فإنّ جنبلاط لن يؤيّد مرشّح صديقه، ولن يتّخذ مواقف مناوئة للمملكة.
معادلة فرنجية – سلام ساقطة
“تقريش” هذا الواقع الصعب في المعادلة الوطنية قطع المجال أمام أيّ اتفاق شيعي – سنّي على الرئيس الماروني من دون المسيحيين، والمملكة المساهم الأكبر في ذلك. فلم تعط للشيعة أيّ امتياز من هذا النوع.
كذلك أزال كلّ أمل في إعادة إحياء المعادلات القديمة، “الرئاسة مقابل الحكومة”، بعدما أيقن الخليجيون أن رئاسة الجمهورية هي ضمانة ثابتة لمدة 6 سنوات بينما الحكومة خاضعة لموازين القوّة في داخلها، وإسقاط سعد الحريري في 2011 دليل دامغ في روزنامة السياسة اللبنانية. وهذا ما يؤكّد – بحسب مطلعين – أن ما يُحكى عن معادلة سليمان فرنجية – نواف سلام غير مطروحة وساقطة.
تأمين دعم خارجي
بالرغم من سرد بعض الوقائع والتحاليل عن وجود ضعف في قدرة الفريق الممانع، لكن معطيات اليوم لا تحسم استحقاقات الغد. لذلك، أليس المطلوب اليوم وبإلحاح تأمين دعم خليجيّ عربيّ وغربيّ سياسيّ للفريق المعارِض السيادي، وتبنّي مشروعه في وجه مشروع الممانعة المدعوم من إيران؟ أليس من الضرورة تعبئة الشرعيّتين العربية والدولية لدعم مَن يحمل مشروع الدولة في لبنان؟
أبعد من اللامركزية
يقول مصدر نيابيّ مطّلع، في مردّ تعليقه على مهاجمة الرئيس برّي لمرشح المعارضة بوصفه بالتجربة الأنبوبيّة، إن “رئيس المجلس فقد أعصابه”. واعتبر أنّ “الحزب” الذي يتغنّى بسلاحه، بات بوجهه سلاح نوعيّ ودقيق تحمله “القوات” المعارِضة، التي تواجهه بسلاحه، أي التعطيل، ريثما “يصير الوقت” لانتخاب رئيس سياديّ إصلاحيّ، أو للانتقال من أولويّة الرئاسة إلى أولوية البحث بوضعيّة التركيبة اللبنانية. وكلام “القوات” على هذا الموضوع جدّي، وهي تملك تصوّراً كاملاً لكلّ هذه الوضعية، لكن لكلّ ظرف وقته.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook