آخر الأخبارأخبار دولية

متطوعون يجمعون ويدفنون الجثث مجهولة الهوية المتكدسة في شوارع الخرطوم


نشرت في: 18/05/2023 – 11:28

بعد شهر من بداية المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، لا تزال عدة مدن سودانية مسرحا لمعارك شوارع وغارات جوية. في العاصمة الخرطوم، تتكدس جثث مجهولة الهوية في شوارع المدينة وتركت هناك بسبب الوضع الأمني المضطرب. فيما أطلق متطوعون سودانيون مبادرة لتوفير الدفن اللائق لضحايا الحرب من المدنيين والعثور على المفقودين سواء كانوا أحياء أو أمواتا.

في أهم المناطق السكنية في العاصمة السودانية الخرطوم، حيث تتواصل المعارك في الشوارع، وجد المدنيون أنفسهم غير قادرين على الحصول على المواد الغذائية الأساسية أو الخدمات الطبية الطارئة. إذ ما تزال 28 بالمئة فقط من المؤسسات الصحية تعمل في البلاد في الوقت الحاضر، وتنزل النسبة إلى 16 بالمئة فقط في العاصمة الخرطوم، وفق نقابة أطباء السودان المركزية.

في منتصف نيسان/أبريل الماضي، عندما اندلعت المعارك بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، تلقى فريق تحرير مراقبون فرانس24 عددا من الصور تظهر شوارع العاصمة السودانية الخرطوم مليئة بجثث المدنيين والجنود، فيما منع إطلاق النار والقصف الجوي المستمر دون تمكن أقاربهم أو الفرق الطبية من انتشال الجثث ودفنها.

تقرؤون أيضا على موقع مراقبون>> جثث مبعثرة في شوارع الخرطوم: “المعارك تمنع السكان من دفن موتاهم”

منذ الأسبوع الثاني من المعارك، بادرت مجموعة من المتطوعين، الذين ينشطون تحت مراقبة منظمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في السودان، بالنزول إلى شوارع الخرطوم لجمع الجثث ودفنها بطريقة لائقة. وينشر هؤلاء المتطوعون على تويتر وإنستغرام وفيس بوك أرقام تواصل على ذمة سكان الخرطوم وأم درمان وبحري، التي تمثل مناطق “الخرطوم الكبرى”، لكل مواطن تعترضه جثة ويمكنه الإعلام بها عبر وسائل الاتصال بهذه الفرق التي تأتي فيما بعد لانتشالها.


نشر هؤلاء المتطوعون هذا النص على فيسبوك وإنستغرام وتويتر “#شير يا جماعة نحن شغالين في إدارة الجثث و دفن الميتة لو في اي زول شاف جثة في اي مكان يتصل بنا ويخبرنا ما عليه أي مسؤولية بكون عمل عمل خير فقط”.

“جمعت رؤوس مفصولة عن أجسادها، إنه أمر مروع”

محمد موسى هو أحد المتطوعين في منطقة الخرطوم ويروي قائلا:

المتطوعون ليسوا بالعدد الكبير ولا نملك سوى عربتين، الأولى لنقل أعضاء المبادرة والثاني تم تحويلها إلى عربة نقل موتى. ليس ذلك بالكافي لتغطية كامل منطقة الخرطوم، وهو ما يجعلنا نقوم بجولة في محلية ما ومن ثم ننتقل إلى محلية أخرى، ونتقدم بهذه الطريقة.

يشرف الهلال الأحمر على هذا المبادرة لكنه ليس قادرا على المشاركة فيها. وذلك أنه عندما تكون الفرق الإنسانية على الأرض، يجب أيضا توفير الحماية لها [فريق التحرير: وهو أمر شديد التعقيد في خضم انتهاكات وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع]. في المقابل، يقدم لنا الهلال الأحمر أزياء وقائية وتجهيزات لجمع وحفظ الجثث بسلامة.


في هذا المقطع المصور الذي نشره فريق تحرير مراقبون في 19 نيسان/أبريل الماضي، نرى جثثا متوفية في شوارع العاصمة الخرطوم.

 إنه أمر صعب جدا لأن بعضا من هذه الجثث بقيت في العراء طيلة أيام ويجب علينا نقل جثث بدأت في التحلل إلى درجة كبيرة في بعض الأحيان أو حتى نهشتها الحيوانات. قمع بجمع رؤوس مقطوعة عن الجسد، إنه أمر مروع.

ومنذ بداية عمليتنا التطوعية، واجهنا صعوبات على المستوى الإداري، لأنه لم يعد هناك أي ممثل للإدارة المحلية في الخرطوم ليمكننا من التراخيص اللازمة للدفن لهذا العدد الكبير من الجثث.

“غرف حفظ الموتى في المستشفيات التي تواصل عملها في الخرطوم مملوءة عن آخرها”

اضطررنا إلى الذهاب إلى جبل عليا [فريق التحرير: على بعد 39 كيلومترا] جنوب المدينة للحصول على هذا الترخيص بالدفن، وأخذت الإجراءات أيضا وقتا طويلا في ظل الوضع الأمني الهش.

عندما نتعرف على جثة بفضل الوثائق الموجودة عليها، وإذا ما تطابقت مع الأوصاف التي قدمتها عائلة الضحية، فإن الخطوة التالية هي عملية الدفن. بالنسبة إلى باقي الجثث، نقوم نظريا بتخزينها في غرف حفظ الموتى، ولكن هذه الغرف المبردة في بعض المستشفيات التي ما زالت تعمل في الخرطوم ملآنة عن آخرها. في إحدى المرات، اضطررنا لترك جثث قتلى في العربة طيلة ليلة كاملة في انتظار حفر القبور وذلك بسبب عدم توفر مكان “للتخزين” في غرفة حفظ الموتى بمستشفى جبل عليا.


نشرت مستخدمة الإنترنت هذه إعلان بحث عن شاب مفقود منذ 14 أيار/مايو الجاري بعد أن تم توقيفه في نقطة مراقبة لقوات الدعم السريع.

بدرجة أقل، نقدم مساعدة للتعرف والعثور على أشخاص تم الإعلان عن فقدانهم من قبل أقاربهم على وسائل التواصل الاجتماعي. إذا ما تطابقت جثة ما مع الأوصاف المقدمة أو حملت علامة يمكن التعرف بها على هوية صاحبها، تقوم الفرق المتطوعة بإعلام العائلة. نعمل كثيرا بالتواصل الشفهي، لأن بعض المناطق أصبحت مقطوعة تماما عن شبكة الإنترنت والاتصالات. في بعض الأحيان، يتم اعتبار شخص ما مفقودا لمجرد أنه عالق في مكان ما دون هاتف بسبب تواصل المعارك. في هذه الحالة، نقوم بالاعتماد على شبكة المتطوعين من مدينة إلى أخرى الذين سينقلون معلومات إلى أقارب المفقودين و طمأنتهم بأنهم ما يزالون على قيد الحياة.

 تقرؤون أيضا على موقع مراقبون>> السودان: مبادرات للتعاون المدني لمجابهة نقص الإغاثة الإنسانية بسبب المعارك

ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها العاصمة السودانية تكدس جثث مجهولة الهوية. ففي سنة 2022، تم العثور على آلاف الجثث لضحايا القمع البوليسي للمظاهرات المطالبة بالديمقراطية في مرحلة متقدمة من التحلل في غرف الموتى بمستشفيات الخرطوم وأم درمان، والتي كانت تعاني أصلا من وجود عدد كبير من الجثث مجهولة الهوية مقارنة بطاقة استيعاب كل مستشفى.

هيثم إبراهيم هو المنسق الإعلامي لمنظمة الهلال الأحمر السوداني ويروي قائلا:

قمنا في الوقت الحاضر بتكليف فريقين من المتطوعين: الأول في وسط الخرطوم والثاني في منطقة بحري [فريق التحرير: يطلق عليها “الخرطوم بحري” وتقع المدينة شرق العاصمة السودانية]. وبعد عملية جبل عليا حيث تم دفن سبعة أشخاص، توجهنا إلى منطقة عفراء في شمال العاصمة الخرطوم حيث تمكنا من دفن 11 شخصا آخر. نحاول التواصل والتنسيق مع طرفى النزاع حتى نوفر الحماية لفرقنا المتطوعة. في الأخير، تمكنا من العثور على مكان لعدد أكبر من الضحايا في منطقة الشقيلة.


متطوعين أثناء دفن شخص في حديقة خاصة بسبب غياب الأمن في الطرقات.

لم نكن قادرين على التقدم أكثر من ذلك في منطقة بحري ووسط الخرطوم، لأن حدة المعارك اشتدت وتم بالتالي تعليق العمل بالإجراءات. ولكن، عندما يكون وقف إطلاق النار محترما بالفعل ونحصل على الضوء الأخضر للتنقل في أمان إلى المناطق الأكثر تضررا من المعارك، تمكن لنا تغطية المنطقة بتعبئة أوسع نطاقا.

منذ اندلاع المعارك في السودان، قتل ما لا يقل عن 600 شخص بينهم مدنيون فيما أصيب أكثر من 5100 شخص بجروح بليغة إلى حدود 16 أيار/ مايو الجاري حسب أرقام منظمة الصحة العالمية.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى