آخر الأخبارأخبار محلية

زلزال من نوع آخر في طرابلس: الجلاّد يحاضر بالضحية!!

شكّلت الندوة التي نظمتها منظمة “أكوا فوندايشن” في مدينة طرابلس بالتعاون مع منصة “جسور” الإعلامية، بشأن مخاطر الهجرة غير الشرعية، “هزّة” نفسية للحضور أدمعت الأعيُن، حيث جرى عرض لوثائقي تضمّن توثيقاً لحادثة غرق المركب وسقوط الضحايا، وقد شارك في الندوة عدد من الوزراء والنواب وممثلون عن المرجعيات الدينية بالاضافة الى فاعليات إقتصادية وثقافية واجتماعية وإعلامية، وجرى تسليط الضوء على مخاطر الهجرة غير الشرعية في حوار بين مجموعة من المتخصصين وبعض أهالي الضحايا والناجين من “الهروب القاتل”!

 

 

 
في المضمون، تناول الوثائقي، المُعَدّ بحرفية كتابةً وإخراجاً، مختلف جوانب عمليّة الهجرة غير الشرعيّة والخلفيّات التي دفعت بشريحة من أبناء الفيحاء إلى هذه المخاطرة المروّعة بأرواحهم، إذ ضمّن الصحافي أسعد بشارة الوثائقي مشاهد تُعرَض للمرّة الأولى، عطفاً على ترابط منظّم في عرض الأحداث والملابسات.

 

في المقابل، تميّز المؤتمر بتنظيمٍ عالٍ أظهرت فيه “Acua” قدراتها النموذجيّة في الحوار التفاعلي، وذلك في مشهدٍ إعلامي قلّ نظيره في السنوات الأربع الأخيرة، أيّ منذ بداية الأزمة، فأتت المؤسّسة لتفتح متنفّساً شارك في صناعته إعلاميون من الوسائل الإعلامية كافّةً.

 

مما لا شكّ فيه أن تسليط الضوء على هذه المأساة التي جرى تمييعها، ربما، بفعل تراكم الازمات وتوالي الاحداث في لبنان، بدا خطوة مهمة جداً، سيما وأن جرح أهالي الضحايا لم يندمل بعد، في ظلّ ما اعتبروه “تقاعساً من قبل السلطات المختصة” التي لم تعمل بشكل جدي على ملاحقة “تجار البشر” ومقاضاتهم، بحجة تواريهم عن الانظار، ولم تسعَ لردعهم عن امتهان “الموت” عبر المراكب غير الشرعية وسيلةً لعيش فاخر، غير أن مشاركة بعض النواب في الوثائقي ظهر وكأنه صكّ براءة لهم من بؤس هؤلاء وحرمانهم الأعمى الذي دفع بهم نحو الهلاك على مبدأ “نحن اموات على قيد الحياة”!

 

منذ الفاجعة الاخيرة، في العام المنصرم، والتي سُميّت آنذاك “ليلة الشمال الحزينة”، لم نسمع سوى استنكارات المسؤولين وتعازيهم الحارة لذوي “ضحايا الظلم والجوع”! ولكن من يا ترى يقف خلف كل هذا الظلم؟ وأي قوة أوصلت الضعفاء الى هذه المرحلة المتقدمة من الفقر والعوز والجوع؟ أنا؟ أنتم القراء؟ نحن المواطنون؟ أم القوى السياسية المعنية بمعاناة المواطنين والمنشغلة بالمناكفات السياسية وعرقلة خطة التعافي لحساباتها الشخصية، والتي لم تدعم كل الاقتراحات الجدية للحدّ من الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الحاصل والذي أفقد المؤمن إيمانه والعاقل صبره بعدما سلبه كرامته وعيشه الكريم؟

 

وكيف يُكرَّم هؤلاء المسؤولون في وثائقي يجسّد الوجع واقعاً؟ وكيف يتحدّثون مرتاحي الضمير ويتراشقون التُّهم ويحمّلون الحكومة اللبنانية الحالية التي تسلّمت مبادرة الحُكم في أقسى الظروف وأشدّها حساسية وخطورة، ما اعتبر آنذاك “انتحاراً” في سبيل عبور الوطن الى برّ الأمان، تبعات كل الأزمات والمخاطر التي تواجه اللبنانيين في كل لحظة من أيامهم؟! لطالما شكّلت الندوة بجهود “منظمة أكوا” صرخة ضمير بوجه المتخاذلين الذين انساقوا طوال سنوات طويلة خلف سياسات خاطئة “هزّت” أركان التوازن الاقتصادي والاجتماعي حتى انهارت قواعده وهُدّت على رؤوس اللبنانيين. فأي هزة أرضية بعد كل ما جرى في هذا الوطن وأي زلزال؟!

ولعلّ الندوة بكاملها لم تترك أي مجال للانتقاد، ولم تُخفق في مكان يجعلك “ترفع القلم” لتصويب الاتجاه، ولكن يؤخذ عليها ثغرة تُحسب من وجهة نظري مقارنة بالواقع الشعبي الراهن وحجم المصاب الأليم، حيث أنه بمجرّد دخولك الى قاعة المسرح في مركز الصفدي الثقافي- طرابلس، ومع إدراكي لقواعد “البروتوكول” واللياقة الاجتماعية، حتى تجد المقاعد الامامية حُجزت “للجلاد”! هنا مقعد الوزير فلان، وهناك مقعد النائب “علّان” ورؤساء البلديات وكل الشخصيات المعنية بهول الكوارث الحاصلة في لبنان، أما المواطنون، “الضحية”، الذين يصرخون قهراً وظلماً وموتاً فيجلسون في المقاعد الخلفية ينصتون الى خطابات التنظير وبعض النصائح والارشادات والوعود الرنانة التي لا تسمن ولا تغني! “ياخي ألا تخجلون”؟

لا كلمة لكم أمام أوجاعنا وحرقتنا وحسرتنا على مستقبل ضاع أمام أعيننا، على أولادنا الذين اختاروا الغربة مرغمين ليبدأوا حياتهم من الصفر، تلك الحياة التي بذلنا في سبيلها تضحيات كثيرة، وأضعنا من سنواتنا أكثر وشقينا وتهاونّا وتعرضنا للاهانة حتى نؤمّن لهم أماناً يضمن لهم غدر الايام، ثم فارقونا! لا كلمة لكم أمام حرماننا من فلذات أكبادنا سواء بالهجرة او الموت، ومنعنا من أبسط حقوقنا في وطن لم يحنّ فيه أحد علينا لا أهل ولا أشقاء ولا حتى غرباء! ولماذا هُمّشنا الى هذا الحد؟ ولماذا أُبعدنا عن خارطة الحياة؟ ولمَ هذه الحياة لا توهب لمن يستحق؟!

انتم في الخلف ونحن في الأمام، نحن الحق وانتم الباطل، نحن الصدق وانتم الكذب بكل أشكاله وألوانه، نحن الأمان وانتم الخوف والرعب والهلع، نحن الايمان وانتم الكفر، نحن الانسان وانتم كل معاني الجشع! فتوقّفوا امراً وليس لطفاً عن مواساتنا، توقّفوا عن إرشادنا، توقّفوا عن خداعنا… بالله عليكم توقّفوا وأخرسوا النفاق فيكم ولو حتى ساعة!!

شكرا منظمة “أكوا” على إيلاء أهمية لهؤلاء المعنّفين من ظلم الطغاة، نعم طغاة، فأنتم عثتُم في لبنان فسادا وعبثتم بكل ما نملك…. وآخر ما نملك كانت أرواحنا!
وأخيرا، وليس آخراً، رخيصون نحن، نعيش على هامش الحياة مجرّد أرقام، نموت شهداء المحاصصات، شهداء الصفقات، شهداء التسويات، شهداء التفجيرات، شهداء الفقر والجوع والحاجة، شهداء التقصير والإهمال. وهذا الدم برقبة كل الحُكّام… كل الحُكّام!!


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى