آخر الأخبارأخبار دولية

“ابنة الدونباس”… جندية أمريكية سابقة باتت سيدة الدعاية المؤيدة لبوتين


نشرت في: 19/04/2023 – 18:05

يعد حساب “دونباس ديفوشكا”، (ابنة الدونباس) بالروسية، واحدا من أهم الحسابات المؤيدة لبوتين على شبكات التواصل الاجتماعي وأكثرها مشاركة وفعالية وحماسة في نشر “تسريبات البنتاغون” الأخيرة. وراء “ابنة الدونباس” هذه التي تتظاهر بأنها فتاة وطنية روسية، تقبع في الواقع جندية أمريكية سابقة تشارك بفاعلية في بث دعاية الكرملين.

تتحدث بلكنة روسية طفيفة، وتدعي أنها متحدرة من لوغانسك، بمنطقة دونباس الأوكرانية، الواقعة في قلب الحرب مع روسيا. تعرب بلا مواربة عن إعجابها الشديد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام مئات الآلاف من المشتركين في حساباتها المختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي. لكن دونباس ديفوشكا، التي تعني حرفيا “ابنة الدونباس” باللغة الروسية، ليس لها في الواقع أية علاقة بروسيا وتتحدث الإنكليزية بشكل مثالي.

فهذه الفتاة البالغة من العمر ثلاثين عاما و“الأمريكية مئة بالمئة”، التي تعيش في منطقة واشنطن بالولايات المتحدة، أكدت أن اسمها سارة بيلز وذلك في مقابلة أجرتها مع صحيفة “وول ستريت جورنال” يوم الأحد 16 أبريل/نيسان الجاري. قدمتها الصحيفة اليومية الشهيرة كأحد العناصر الأساسية في نشر “تسريبات البنتاغون” – الوثائق السرية الشهيرة لأجهزة المخابرات الأمريكية (أسرة التحرير) – على شبكات التواصل الاجتماعي الروسية.

مقابلات مع كبار المدونين الموالين لروسيا

وتقول الصحيفة الأمريكية إنه في وقت مبكر من الخامس من أبريل/نيسان الجاري، بدأ بعض هذه الوثائق في الانتشار على قناة دونباس ديفوشكا على تطبيق تليغرام حيث “تم رصدها سريعا من قبل العديد من الحسابات الناطقة باللغة الروسية”.

وتؤكد سارة بيلز أن مديرا آخر لقناتها على تليغرام هو من قام بنشر هذه المعلومات، لأن “ابنة الدونباس” هذه ليست الوحيدة المشاركة في لعبة الدعاية الموالية لروسيا على شبكات التواصل الاجتماعي. فمنذ العام 2021، قامت هذه الجندية الأمريكية السابقة ببناء “إمبراطورية صغيرة من المعلومات المضللة الموالية لروسيا”، بمشاركة نحو خمسة عشر شخصا وذلك من محل إقامتها في ضواحي واشنطن، وذلك بحسب “نافو” (Nafo)، مجموعة من النشطاء المؤيدين لأوكرانيا، التي كانت أول من اكتشف هوية دونباس ديفوشكا الحقيقية.

ومنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ضاعفت سارة بيلز فتح الحسابات على منصة تويتر للترويج لرسائل تنعت الحكومة الأوكرانية بمجموعة من النازيين أو لنشر “تحليلات” مؤيدة لموسكو تقلل من حجم وأهمية انتكاسات الجيش الروسي في أوكرانيا. لكن هذه الحسابات أغلق الواحد تلو الآخر، ولم يتبق منها سوى الحساب الأول، @PeImeniPusha الذي أنشأته سارة على تويتر عام 2012 والذي يضم ما يزيد قليلا عن 60 ألف مشترك.

وهو الحساب الذي يتفوق على قناتها على منصة يوتيوب والتي لا تضم سوى ثلاثة آلاف مشترك تقريبا. وتواصل عليه بانتظام نشر مقابلات مطولة مع جميع كبار المدونين والصحافيين المستقلين المؤيدين لروسيا من العالم الناطق باللغة الإنكليزية. مدونون مثل جاكسون هينكل أو إيفا بارتليت، من بين أفضل عشرة “مؤثرين” غير روس يدعمون موسكو، حيث يناقشون موضوعات مثل “التدهور الحتمي للغرب” أو كيف تستغل الولايات المتحدة أوكرانيا لمهاجمة روسيا. وذلك وفقا لمعهد الحوار الاستراتيجي.

أما على تليغرام، لا تتورع سارة بيلز عن مشاركة محتوى عنفيا مع مجتمعها من المشتركين، الذي يبلغ قوامه 65 ألف شخص. تحتفي تلك الرسائل والمشاركات بقتل الجنود الأوكرانيين وتدافع عن الأساليب المفرطة في العنف التي تستخدمها مجموعةمرتزقة فاغنر.

“هذه الشبكة التضليلية الموالية لروسيا والناطقة باللغة الإنكليزية تستلهم جميع محتواها من اللغة التي تستخدمها موسكو. كما نجد أيضا الاتهامات بالنازية الموجهة للحكومة الأوكرانية، فضلا عن التأكيد على أن روسيا محاصرة من قبل غرب في حالة من التدهور”، يقول ملخصا يفغيني غولوفتشينكو، المتخصص في أساليب التضليل الروسي وآليات الدعاية في جامعة كوبنهاغن.

من بيع طعام الأسماك إلى بيع بضائع مؤيدة لبوتين

ويبدو أن سارة بيلز قد توجت بالفعل سيدة الدعاية المؤيدة لموسكو. ومع ذلك، فإن مسارها المهني لا يكشف أي شيء سابق عن هكذا تخصص. وعلى الرغم من ادعاءاتها المتكررة، فإن تلك الشخصية التي تتظاهر بأنها “ابنة الدونباس” لم تطأ قدمها أراضي روسيا يوما، ناهيك عن إقليم الدونباس.

وتشير المعلومات التي جمعها نشطاء “نافو” إلى أن سارة بيلز انضمت إلىالجيش الأمريكي عام 2009 من أجل الالتحاق بالقوات البحرية. لكنها تركت الخدمة العسكرية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، بسبب “الاضطرابات اللاحقة للصدمات”، كما صرحت بنفسها لصحيفة “وول ستريت جورنال”. بيد أن الجيش الأمريكي، الذي اتصلت به الصحيفة، لم يؤكد بحال رواية الأحداث التي طرحتها الشابة.

منذ ذلك الحين، أطلقت سارة شركة صغيرة لبيع طعام السمك. كما أنها شاركت في عديد البودكاست حول هذا الموضوع، غير ذي الصلة بالروس.

وفقط مع بداية الغزو الكاسح في فبراير/شباط 2022، بدأت سارة بيلز في التحول إلى نصيرة للقضية الروسية. يقول بيكا كاليونيمي، الباحث في جامعة تامبيري الفنلندية وعضو في “نافو” إن سارة “أنشأت واحدة من أكبر المجتمعات الموالية لبوتين والناطقة باللغة الإنكليزية التي اكتسبت شعبية بسرعة كبيرة”. 

لكن من الصعب شرح هذا التحول المهني المفاجئ في مسيرتها. فهي ليست الوحيدة التي اختارت أن تصبح مؤثرة وتعمل على خدمة أجندة موسكو. يؤكد جيف هاون، المتخصص في الشؤون الروسية ومستشار خارجي “لمعهد خطوط جديدة” الأمريكي لبحوث الجغرافيا السياسية، أن “الغالبية العظمى من أنصار روسيا الناطقين باللغة الإنكليزية تأتي من الولايات المتحدة أو أوروبا“.

انتهازية

ومع ذلك، فإن هذا لا يعد مؤشرا على تزايد شعبية فلاديمير بوتين في العالم الغربي، كما يقول هذا الاختصاصي الذي يقول مواصلا “في الولايات المتحدة، يؤيد معظم هؤلاء موسكو لأن ذلك يعزز الفرضية القائلة بأن روسيا تجسد نقيض أمريكا التي لم يعودوا يتحملونها”.

وربما ثمة حصة من الانتهازية في هذا التأييد. “فهي قضية يمكن أن يستفيدوا منها بصورة كبيرة”، كما يلاحظ جيف هاون. فسارة بيلز على سبيل المثال أنشأت متجرا إلكترونيا – معطل منذ نهاية هذا الأسبوع – لبيع متعلقات مختلفة تدعم المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا. فهي تبيع قمصانا أو أكوابا تمجد فلاديمير بوتين أو الزعيمالشيشاني رمضان قديروف أو حتى يفغيني بريغوجين رئيس مجموعة فاغنر.

بينما يلفت يفغيني غولوفتشينكو النظر إلى أنه “لا يجب علينا أن نرى بالضرورة وراء تلك الشبكات الناطقة باللغة الإنكليزية مثل دونباس ديفوشكا أية محاولة من أجهزة الاستخبارات الروسية لتجنيد مؤيدين يصدرون دعايتها”. ويقول مؤكدا إنه مهما كانت دوافع هؤلاء “المؤثرين” المناصرين لبوتين، فإن أفعالهم “مفيدة جدا للكرملين”. فبالنسبة له تبدو “نقطة الضعف الرئيسة في الدعاية الروسية في أنها دائما نابعة من مؤسسات الدولة ومرتبطة بقوة بالسلطات الروسية”.

ومع هذا الانتشار الدعائي في العالم الناطق بالإنكليزية، سيكون بوسع موسكو التباهي بوجود مؤيدين شعبيين لها بتلك البلاد. فماذا يمكن أن يكون أكثر بعدا، بصورة بديهية، عن أروقة الكرملين من جندية سابقة تحولت إلى بيع منتجات الأسماك في بلدة أمريكية صغيرة.

 

النص الفرنسي: سيباستيان سايبت | النص العربي: حسين عمارة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى