رفع الغطاء الأميركي.. السيناريو الأخطر للبنان

وفي خضم هذه الأجواء، جاءت الحملة على قائد الجيش العماد رودولف هيكل لتضيف بعداً إضافياً إلى المشهد. فالهجوم الذي تعرّض له بسبب مواقفه الوطنية يعكس توجهاً أميركياً أكثر حدة، يسعى إلى إعادة تعريف دور المؤسسة العسكرية في ملفات تعتبرها واشنطن حساسة، وعلى رأسها العلاقة مع إسرائيل. وتشير مصادر سياسية لبنانية إلى أن بعض الدوائر الأميركية تريد من الجيش أن يكون أداة ضغط لإعادة ترتيب موازين القوى في الداخل، وتبني موقفاً أكثر تشدداً تجاه الحزب، في ظل التوتر المتصاعد على الحدود الجنوبية.
وبالتوازي، تواصل إسرائيل إطلاق تهديداتها للبنان بحجة أن حزب الله لم يتخل عن سلاحه ويعمل على إعادة بناء قدراته العسكرية. وقد لفت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى أن “إسرائيل لم تعد معنية بالاكتفاء بهجمات محدودة، بل تتجه نحو موجات من الهجمات تستهدف مواقع متعددة، بهدف التأثير على الحزب والحد من قدراته”. إلا أن هذه التهديدات، وفق مراقبين، تتجاوز الرسائل الردعية التقليدية، وتلامس نيات أشد خطورة ترتبط بسعي تل أبيب إلى فرض معادلة جديدة على لبنان. فإسرائيل، التي أبدت رغبتها في التفاوض، لا تريد تكرار تجربة المفاوضات التقنية كما في ملف ترسيم الحدود البحرية، بل تفاوضاً سياسياً يفضي إلى اعتراف لبناني رسمي بها ويمهد لمسار تطبيع مستقبلي.
ومع عودة واشنطن إلى نهج أكثر اندفاعاً لحماية المصالح الإسرائيلية، تبدو إسرائيل وكأنها تتحرك تحت مظلّة دعم أميركي متجدد. وتشير معلومات متداولة في الأوساط الدبلوماسية إلى أن احتمال اندلاع مواجهة جديدة لم يعد مستبعداً، بل يطرح كخيار قابل للتنفيذ. ولا يستبعد، في حال قررت واشنطن رفع الغطاء عن لبنان، أن تقدم إسرائيل على ضرب منشآت حيوية أو بنى تحتية في إطار محاولة لفرض وقائع جديدة.
ويستعيد اللبنانيون هنا تجربة حرب 2024، حين لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في منع إسرائيل من استهداف مطار بيروت ومنشآت الدولة. إلا أن القناعة السائدة اليوم تفيد بأن الموقف الأميركي لم يعد كما كان، وأن إسرائيل قد تحصل على هامش أوسع للتحرك العسكري، ما يرفع منسوب القلق في الداخل اللبناني في ظل هشاشة الوضع السياسي والانقسامات الحادة.
ومن خارج هذا السياق، تكشف المواقف الدولية الأخيرة أنّ ملف الجنوب دخل مرحلة أكثر حساسية، وأن المجتمع الدولي بات يرى أنّ الوضع الراهن لم يعد قابلاً للاستمرار. ورغم الخطاب الدبلوماسي الذي يشدد على ضرورة الالتزام بوقف الأعمال العدائية وتطبيق القرارات الدولية، إلا أن الرسائل المُضمرة تشير بوضوح إلى رغبة في دفع الأطراف المعنية نحو تغيير سلوكها وتحمل مسؤولياتها بعيداً عن سياسة المماطلة.
وتتمثل الرسالة الأولى في أن الوقت لم يعد يسمح بالمراوحة، وأن معالجة الملفات العالقة باتت ضرورة ملحة، وفي مقدمها بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. كما برز الربط بين التقدم الأمني والتقدم الإصلاحي، في إشارة إلى أنّ المجتمع الدولي لم يعد يفصل بين الاستقرار الداخلي وبين قدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات حقيقية تعيد بناء الثقة والدعم.
أما الرسالة الثانية فتتعلق تحديداً بالجنوب، حيث تشير التقارير عن آلاف الخروقات الإسرائيلية والكشف عن مخابئ أسلحة مهجورة إلى بيئة أمنية هشة تعيش على هدنة قابلة للانهيار في أي لحظة. ورغم مساهمة الانتشار المشترك للجيش واليونيفيل في منع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، يبقى الواقع الميداني محكوماً بمعادلات لا تتحكم بها هذه القوى، بل تحددها إسرائيل التي ما زالت تخرق وقف الأعمال العدائية بصورة متواصلة.
وتؤكد الأجواء الدبلوماسية أنّ المجتمع الدولي لم يعد يكتفي بدور المراقب، بل يسعى لدفع الأطراف نحو مسار تفاوضي يعيد الاعتبار لفكرة الأمن المتبادل ويضع حداً للتوتر. فالتحذير من أن التأخير قد يفتح الباب أمام انفلات أكبر يعكس إدراكاً بأن التصعيد الميداني أو فائض القوة لا يمكن أن يقدما حلولاً، بل يعيدان المنطقة إلى دائرة المواجهة المفتوحة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook




