مناورات إسرائيلية على الحدود مع لبنان.. رسائل تتجاوز الميدان؟!

ووفق ما جاء في بيان المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي، فإن التمرين الذي تشارك فيه قوات جوية وبرية وبحرية، وباستخدام المسيّرات ووسائل محاكاة متقدّمة، “يهدف إلى التعامل مع سيناريوهات مختلفة، من بينها حماية المنطقة والاستجابة للتهديدات الميدانية الفورية”، في مشهد يعبّر بوضوح عن رغبة إسرائيلية في إعادة تظهير الجبهة الشمالية كجبهة نشطة، حتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
يأتي ذلك فيما تتواصل الخروقات الإسرائيلية اليومية في الجنوب اللبناني، مع تسجيل عمليات توغّل وتمشيط في بلدات حدودية عدّة، في رسالة ميدانية واضحة مفادها أن الحرب لم تتوقف فعليًا، وأن ما جرى في تشرين الثاني الماضي كان مجرد هدنة هشة لا أكثر، فكيف تُقرَأ الرسائل الإسرائيلية خلف التصعيد، وكذلك المناورات التي تبدو مريبة في توقيتها، وهل تتجاوز هذه الرسائل الميدان إلى السياسة لتعطي ردًا ضمنيًا على المبادرة الرئاسية؟
رسائل المناورة الإسرائيلية
مفاجئة في الشكل والمضمون، بدت المناورة الإسرائيلية الموسّعة التي تمّ الإعلان عنها مساء الأحد من قبل الجيش الإسرائيلي، ولا سيما أنّها تتزامن مع مرحلة سياسية دقيقة في الإقليم، ومع حالة لبنانية داخلية تتسم بالتردد والانتظار. لكن الرسائل التي تبعثها تل أبيب من خلالها تبدو أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، وعلى رأسها أنّ الحرب مع لبنان لم تنتهِ بعد، وأنّ احتمالات التصعيد ما زالت قائمة، بحسب ما يقول العديد من الخبراء العسكريين.
ويشرح هؤلاء أنّ هذه المناورة ليست مجرد تمرين روتيني ضمن خطة الجيش السنوية، خصوصًا أنّها لم تكن مجدولة منذ وقت طويل، أو معلنة مسبقًا، وبالتالي يصبح من الممكن إدراجها في خانة الضغوط التي تمارسها إسرائيل منذ أشهر، في محاولة للتأكيد أن “وقف النار لا يعني نهاية الحرب”، بل تجميدها موقتًا في انتظار تسويات أوسع تشمل سلاح “حزب الله” ودور الدولة اللبنانية جنوب الليطاني.
من هذه الزاوية، لا يمكن فصل المناورات الجارية عن محاولات إسرائيل تثبيت واقع ميداني جديد على طول الحدود، وهي تسعى، من خلال هذا التصعيد الميداني، إلى توجيه رسالة مزدوجة: الأولى داخلية إلى جمهورها بأنها لا تزال قادرة على المبادرة والتحكم بالحدود الشمالية، والثانية إلى لبنان والمجتمع الدولي، مفادها أن اتفاق غزة لن ينسحب على الجنوب اللبناني، وأنها لن تقبل بترتيبات تُكرّس معادلة “حزب الله” كقوة أمر واقع.
لبنان: التهدئة والحوار
وبذلك، تستمر تل أبيب في مقاربتها القائمة على التصعيد السياسي والعسكري المتدرّج لفرض شروطها على أي مفاوضات مستقبلية حول الحدود أو الأمن، حتى لو أدى ذلك إلى تأزيم الوضع الإقليمي مجددًا. في المقابل، يظهر لبنان الرسمي في موقع مغاير تمامًا، ويبرز هذا التناقض من خلال تزامن المناورة العسكرية الإسرائيلية مع المبادرة السياسية التي أطلقها الرئيس اللبناني، داعيًا فيها إلى مفاوضات مع إسرائيل، كمحاولة لالتقاط اللحظة السياسية بعد اتفاق غزة.
وإذا كانت المبادرة الرئاسية اللبنانية حظيت بتأييد واضح من مختلف القوى السياسية، لما تنطوي عليه من رغبة في كسر الجمود الذي يخيّم على مفاوضات الناقورة التي ترعاها الأمم المتحدة وواشنطن منذ أشهر من دون أي تقدّم، نتيجة رفض إسرائيل الالتزام بوقف الأعمال العدائية، فإنّ المقرّبين من الرئيس يقرأون مبادرته على أنها محاولة لإشراك لبنان في أي تسويات إقليمية مرتقبة، وللقول إنّه يجب أن يكون جزءا من مناخ الاستقرار الذي بدأ في غزة.
ولعلّ أبرز ما يلفت في هذه المشهدية المتناقضة بين لبنان وإسرائيل، هو موقف”حزب الله” الذي لا يزال منضبطًا بسقف الدولة اللبنانية، إذ لم يُرصَد أيّ اعتراض أو تحفّظ له على المبادرة الرئاسية، على الأقلّ في العلن، وقد اكتفى المحسوبون عليه بالحديث عن ضرورة أن تكون أيّ مفاوضات مع إسرائيل “غير مباشرة”، علمًا أنّ الحزب الذي لوّح مرارًا بأنّ لصبره حدودًا، لا يزال أيضًا متمسّكًا بعدم الرد على الخروقات الإسرائيلية الواسعة.
هكذا، تأتي المناورة العسكرية الإسرائيلية لتستكمل التصعيد الذي تمارسه إسرائيل على خط الجبهة الجنوبية، تحت عنوان ما يسمّيه قادتها “حرية الحركة”، ولكن ثمّة من يسأل عمّا إذا كانت تشكّل أيضًا ردًا “ضمنيًا” على المبادرة الحوارية التي أطلقها الرئيس اللبناني، وكأنّ إسرائيل تقول بشكل أو بآخر، إنّها غير معنيّة بكلّ ما يُحكى هنا وهناك، وأنّ لغة القوة هي الوحيدة التي ستسود في مرحلة ما بعد الحرب على غزة؟!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook