آخر الأخبارأخبار محلية

جاذبية الجرائم الحقيقية.. لماذا يستهوي الناس هذا النوع من المحتوى؟

في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة لافتة على منصات التواصل الاجتماعي، تمثلت في انتشار مقاطع الفيديو التي تسرد قصص الجرائم الحقيقية، من عمليات قتل غامضة إلى اختفاءات مفاجئة وتحقيقات معقدة. الغريب في هذه الظاهرة أنّها لا تثير الخوف أو النفور لدى الجمهور، بل تحصد ملايين المشاهدات والإعجابات والتعليقات، ما يجعل السؤال المحوري: ما الذي يدفع الناس لمتابعة محتوى يحمل كل هذا القدر من العنف والغموض؟

 

يرى علماء النفس أن السبب الأول يكمن في الفضول الإنساني الفطري تجاه المجهول والخطر. فالإنسان بطبيعته يميل إلى استكشاف ما يثير خوفه طالما يشعر بالأمان من بعيد، وهو ما توفره هذه الفيديوهات التي تمنح المشاهد تجربة افتراضية للتعامل مع الخطر دون التعرض لأي تهديد حقيقي، وكأنّه يقترب من النار دون أن يحترق.

أما السبب الثاني، فيتعلق بما يسمّيه الخبراء حب الفهم والسيطرة؛ فمشاهدة تفاصيل الجرائم وتحليل دوافع المجرمين يمنح الناس شعورًا بالقدرة على فهم السلوك الإنساني والتنبؤ بما قد يحدث في العالم من حولهم. بعض الدراسات تشير أيضًا إلى أن متابعة هذا المحتوى تمنح إحساسًا بالأمان، إذ يظن المشاهد أنه يتعلم كيف يحمي نفسه من الوقوع في مواقف مشابهة.

 

من ناحية أخرى، يلعب الجانب الدرامي والإخراجي دورًا كبيرًا في جذب الجمهور؛ فالموسيقى المشوّقة والمؤثرات الصوتية وطريقة السرد تجعل القصة أشبه بفيلم بوليسي، لكن ما يزيد من تأثيرها هو أنها مبنية على أحداث حقيقية، ما يضاعف من فضول المشاهد وتأثره بالمحتوى. وفق دراسة نُشرت عام 2022، تساهم البرامج التلفزيونية التي تسرد الجرائم في توعية الجمهور بمخاطر الجريمة وتعزيز الوعي الأمني، لكنها في الوقت نفسه تشكل مصدرًا للإثارة المستمرة، ما يجعل المشاهد يعود لمتابعة المزيد.

كما أظهرت دراسة مصطفى أحمد عبد العزيز (2025) أن هذه البرامج تزيد من وعي الجمهور حول الانحلال الاجتماعي والانتهاكات القانونية، وتساعد على تعزيز القيم الإيجابية، إلا أنها قد تُشعل الفضول المفرط تجاه العنف والجريمة.

 

من الناحية النفسية، تُنشّط متابعة الجرائم جزءًا من الدماغ مرتبط بالفضول وحل المشكلات، كما يزداد إفراز الأدرينالين عند مشاهدة مشاهد العنف، ما يخلق شعورًا بالإثارة والتشويق. فضلًا عن أن الحملات الإعلامية عبر التلفزيون يمكن أن تنمي وعي المشاهدين بطرق الحد من الجريمة وتكوين اتجاهات إيجابية للعمل على مكافحتها، ما يعني أن هذه الفيديوهات ليست مجرد ترفيه، بل يمكن أن تكون أداة تعليمية وتوعوية إذا قُدمت بمسؤولية.

 

ورغم كل ما تقدم من ايجابيات، يحذّر الأخصائيون من الإفراط في متابعة هذا النوع من المحتوى، إذ قد يؤدي التعرض المستمر لمشاهد العنف والقتل إلى آثار نفسية سلبية على المدى الطويل، مثل التبلّد العاطفي أو القلق واضطرابات النوم. فالناس لا يحبون الجريمة بحد ذاتها، بل يسعون لفهمها، وربما يجدون فيها طريقة للتأمل في مفاهيم الخير والشر، والضعف والقوة، والعدالة والانتقام.

 

 

ختامًا، تظل مقاطع الجرائم الحقيقية من أكثر أنواع المحتوى إثارة للجدل، إذ تجمع بين الخوف والمعرفة، بين الإثارة والتفكير التحليلي. إنها تعكس رغبة طبيعية في فهم النفس البشرية وغموضها، وتذكّر بأن الفضول الإنساني، رغم تطوره، لا يزال يبحث عن فهم الظلام الذي يسكنه، من خلف شاشة مضيئة.

 

 

 


المصدر:
“لبنان 24″


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى