آخر الأخبارأخبار محلية

دين مفاجىء: الـ16 مليار دولار يشعل الجدل ..ما علاقته بأموال المودعين؟

يشكّل مبلغ الـ 16 مليار دولار المستحقّ على الدولة اللبنانية لصالح مصرف لبنان محور جدل مالي واقتصادي. ظهر المبلغ في شباط 2023 إثر تعديل سعر الصرف الرسمي من 1500 إلى 15 ألف ليرة، في حينه أدرجت الميزانية العموميّة لمصرف لبنان الصادرة عن قسم المحاسبة هذا الرقم، ضمن موجودات المصرف المركزي كدين عام جديد على الدولة.









الحكومة ترفض والمركزي يصر
تبرر الإشكالية القائمة أنّ هذا الدين لم يكن موجودًا في ميزانية المصرف الصادرة في 31 كانون الثاني 2023 ، أي قبل تعديل سعر الصرف الرسمي. وقد أدرجه المركزي بشكل محاسبي تحت خانة “قروض للقطاع العام” من دون أن يكون قد مرّ في إطار قانوني عبر مجلس النواب أو في حسابات وزارة المالية، وعمد إلى تسجيله كدين على الحكومة، وقد رفضت الأخيرة الاعتراف به. بالمقابل، اعتبر مصرف لبنان بإدارة الحاكم السابق رياض سلامة، أنّ هذا الرقم يعكس حجم الأموال الذي أنفقها المركزي على دعم الاستيراد وخدمة الدين العام ودعم السلع والكهرباء، بطلب من السلطات السياسية.
لماذا ظهر هذا الدين فجأة؟ وكيف سيؤثر على عملية توزيع الخسائر ضمن الفجوة المالية؟ وما علاقته بأموال المودعين؟

تسجيل محاسبي بلا غطاء قانوني

يشير الخبير الاقتصادي عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدكتور أنيس أبو دياب إلى خلل قانوني في طريقة تسجيل الدين، لجهة وجوب أن يمرّ أيّ قرض عبر السلطة التشريعية بطلب من السلطة التنفيذية، فضلًا عن المواد التي تحكم كيفية تمويل المصرف المركزي للدين العام، وفق قانون النقد والتسليف (المواد من 91 ولغاية 93) التي تسمح بتمويل الإنفاق العام بشروط محددة.

أضاف أبو دياب في حديث لـ “لبنان 24” أنّ خللًا كبيرًا يعتري هذه الإجراءات، واللغط الحاصل حول كيفية تسجيل هذا الإنفاق محاسبيًّا، ولماذا أُعلن عنه رسميًّا فقط في شباط 2023 وبعد تعديل سعر الصرف من 1500 إلى 15 ألف ليرة.

أرقام الدعم تكشف حجم النزف المالي بين 2020 و2023
الجدل القانوني  حول كيفية تسجيل المبلغ لا يلغي حقيقة الإنفاق الذي حصل من قبل مصرف لبنان، يلفت أبو دياب”الجميع كان يعلم منذ سنوات أنّ المصرف المركزي يموّل عجز الموازنة، وأنّ سعر الصرف الثابت لم يكن مستدامًا.لكن الاستمرار في الإنفاق من دون إصلاحات أو قروض خارجية أو خطة واضحة أوصل البلد إلى ما نحن فيه. فخلال الفترة الممتدة بين عامَي 2020 و2023، أنفق المصرف المركزي بين 12 و21 مليار دولار على دعم السلع، وذلك بطلب رسمي من الرؤساء الثلاثة، رغم أن حاكم المركزي لم يكن موافقًا على سياسة الدعم لكنه أُلزم بتنفيذها”.
ويرى أبو دياب أنّ الحلّ يكمن في تسوية بين مصرف لبنان ووزارة المالية، مدعومة بتحقيق جنائي شفاف، خصوصًا أن تقرير “لازارد” أظهر إنفاقًا يُقدّر بـ40 مليار دولار على وزارات الدولة، بما فيها مؤسسة كهرباء لبنان.
صندوق النقد يدخل على الخط
في اللقاء الأخير بين وفد لبنان المفاوض الدولي ووفد صندوق النقد الدولي، تمّ التطرق إلى الإشكالية القائمة بين وزارة المال والمركزي حول هذا الدين. يعتبر الصندوق أنّ تسجيل الـ 16 مليار دولار كدين على الدولة سيؤدي إلى رفع الدين العام من 41 مليار إلى نحو 57 مليار دولار، أي ما يعادل 150% من الناتج المحلي، ما يجعل لبنان غير مؤهل للحصول على قرض جديد من الصندوق وفق المعايير الدولية. لذلك يفضّل الصندوق إبقاء المبلغ مسجَّلًا على المصرف المركزي لا على الدولة، بهدف الحفاظ على استدامة الدين العام، وفق أبو دياب.

الودائع في مهب الأزمة وحلول مطروحة لتقليص الدين
تسجيل المبلغ في موازنة مصرف لبنان كالتزامات على الدولة لصالحه، من شأنه أنّ يقلص الفجوة المالية المترتبة على المركزي “إذا حُمّلت الدولة هذا الدين، تنخفض خسائر المودعين نسبيًا، أما إذا تُرك على عاتق المصرف المركزي، فستقع الأعباء مباشرة على المصارف والمودعين، علمًا أن المودع يبقى الحلقة الأضعف”. ويكشف أبو دياب عن حلول يجري التدوال بها لتقليص الدين، منها استخدام جزء من الأموال الموجودة في حساب الدولة لدى المصرف المركزي، والتي تقدَّر بحوالي 8 مليارات دولار، منها 2.7 مليار مودَعة كاحتياطات، ما قد يخفض حجم الدين من 16 إلى 9 مليارات دولار تقريبًا.
الأزمة متشابكة بين المال والسياسة
المعضلة أبعد من ذلك بكثير، بحيث تتجاوز الأرقام لتصل إلى ضرورة تطبيق إصلاحات عميقة تشمل استقلالية المصرف المركزي، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستعادة الثقة من خلال قانون إعادة الانتظام المالي. من ناحية ثانية يلفت أبو دياب إلى أنّ الأزمة ليست محصورة بالإطار النقدي المالي الصرف، بل تخفي خلفها أسبابًا سياسية محليّة وخارجيّة ” في المعطى المحلي تُعطل الحلول التقنية العلمية لأسباب لها علاقة بمحاصصة وتعيينات كما حصل في موضوع حاكمية مصرف لبنان، أمّا خارجيًا فالملف المالي يُربط بحصريّة السلاح”.  
بالمحصلة أزمة الـ16 مليار دولار ليست مجرد خلاف محاسبي بين الدولة ومصرف لبنان، بل هي مرآة لأزمة ماليّة وسياسية عميقة تضرب البنية الاقتصادية، وتبرز الحاجة الملحّة إلى إصلاحات جذرية تعيد الانتظام إلى المالية العامة وتحمي المودعين.

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى