هل تكون العودة الآمنة والطوعية للنازحين السوريين أولى ثمار رفع العقوبات؟

ويرى كثيرون أن من شأن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بعد سقوط نظام حزب البعث إحياء الأمل في إمكانية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، خصوصًا أن لبنان الغارق في أزماته الاقتصادية والساعي بجدّية إلى الخروج من مستنقع هذه الأزمات لم يعد قادرًا على تحمّل أعباء هذا الوجود، وهو الذي دفع من “لحمه الحيّ” ما لم يدفعه غيره.
وهذه العودة بتعقيداتها السياسية والاقتصادية تتطلب جهودًا مضاعفة من قِبل الدولة اللبنانية أولًا، ومن قِبل النظام الجديد في سوريا ثانيًا، ومن قِبل المجتمع الدولي، وبالأخص الأوروبي ثالثًا. وهذه الجهود لن تثمر إن لم يكن هناك حلّ جذري لهذه العودة، التي أُعطيت في السابق أكثر من عنوان كـ “الطوعية” و”الآمنة”، وهما عنوانان لا يزالان يحتاجان إلى الكثير من التروي في مقاربة مفاعيلهما المباشرة وغير المباشرة، وهما يحتاجان أيضًا إلى مناخ مؤاتٍ لكي تكون هذه العودة “آمنة” أكثر منها “طوعية”. ولكي يتأمن هذا المناخ على المجتمع الدولي أن يأخذ في الاعتبار أمورًا عدة قبل الاقدام على أي خطوة قد تكون ناقصة، وقد يكون لها مفاعيل عكسية على الوضع اللبناني الداخلي. ومن بين هذه الوقائع الموضعية يمكن تعداد الكثير منها، وقد يأتي في طليعتها التأثيرات المحتملة على الوضع السوري الداخلي إذا تم رفع العقوبات جزئيًا أو كليًا. فالوضع الاقتصادي داخل سوريا، بحسب ما هو متوقع، قد يتحسن تدريجيًا، وهذا من شأنه أن يقلّل من دوافع الهجرة، إضافة إلى أن إعادة الإعمار تعني خلق وظائف جديدة، وهذا ما يحفّز على عودة النازحين، خصوصًا إذا ترافق ذلك مع ضمانات أمنية لم تكن متوافرة لكثيرين من هؤلاء النازحين قبل سقوط نظام الأسد.
أمّا بالنسبة إلى لبنان الذي يعاني، كما هو معروف من ضغط كبير بسبب هذا الوجود الكثيف والضاغط والفوضوي، من أزمة اقتصادية خانقة، فإن التأثيرات المحتملة لهذه العودة المحتملة والمتوقعة، وعلى فترات، تشمل:
أولًا، انخفاض الضغط الديموغرافي والاقتصادي. فإذا عاد جزء من النازحين إلى سوريا، قد يتنفس لبنان قليلًا من حيث الضغط على البنية التحتية وسوق العمل، إضافة إلى تراجع حدة التوترات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بهذا الملف، وكذلك ستؤدّي هذه العودة، إذا ما سارت الأمور وفق ما هو متوقع، إلى تحسن التعاون الاقتصادي بين البلدين الجارين. وقد يُعاد فتح الحدود الشمالية والشرقية بينهما بحيوية أكبر، وتقفل المعابر غير الشرعية كليًا. وهذا الأمر من شأنه أن يُحسن التبادل التجاري ويدعم المزارعين والمصدرين اللبنانيين، إضافة إلى فتح المجال أمام لبنان لاستخدام الأراضي السورية من جديد لحركة الترانزيت كممر بري طبيعي للتجارة مع العراق ودول الخليج.
ومما لا شك فيه فإن عودة هؤلاء النازحين، سواء أكانت جزئية أو كلّية، قد تؤدي حتمًا إلى تقلّص المساعدات الدولية لهؤلاء النازحين. وهذا الأمر سيؤثّر بطبيعة الحال على بعض القطاعات اللبنانية التي تعتمد على هذه التمويلات لكي تقوم بأدوارها الإنسانية تجاه فئات لبنانية كثيرة قد أصبحت تحت خطّ الفقر. وهذا ما يعزّز دور الجمعيات المدنية، التي تهدف إلى تقديم العون ومساعدة الدولة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية لتوفير المستلزمات الغذائية والصحية لهذه الفئات المهمّشة في المجتمع اللبناني، شرط إعادة تنظيم هذه الجمعيات وفق معايير محض إنسانية وغير ربحية كما هو حاصل اليوم بالنسبة إلى عدد من هذه الجمعيات التي تستفيد من حال الفوضى، التي كانت سائدة خلال الفترة السابقة.
ولكن، لا بدّ من الأخذ في الاعتبار المعوقات والصعوبات اللوجستية، التي يمكن أن تطرأ في اللحظات الأخيرة، والتي من شأنها أن تعيق عملية العودة وفق ما هو متوقع؛ وهذا سيكون مجال بحث لاحق.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook