آخر الأخبارأخبار محلية

السلاح في لبنان: بين خطاب عون من بكركي وتحديات الواقع

في ظل تعقيدات الداخل اللبناني وتشابك المحاور الإقليمية، أطلّ رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون في كلمة ألقاها من بكركي بمناسبة عيد الفصح ليُدلي بموقف وطني تناول فيه موضوعاً لطالما شكّل صلب الجدل السياسي في البلاد: حصرية السلاح بيد الدولة.

في خطابه، شدد الرئيس على أن موضوع حصرية السلاح هو مسألة دقيقة لا تُناقش عبر الإعلام أو وسائل التواصل، بل تحتاج إلى ظروفها الملائمة، ومقاربة تحفظ السلم الأهلي وتجنّب البلاد الانزلاق إلى الخراب. ولعلّ هذا الطرح يعكس إدراكاً للتوازنات الداخلية، ويشير إلى محاولة لفتح الباب أمام نقاش وطني جامع بعيداً عن الانزلاق الى المواجهة.

ووفق مصادر سياسية مطّلعة فإنّ الكثير من الناس يخلط بين مفهومي نزع السلاح وحصرية السلاح، إلا أن الفارق بينهما جوهري. إذ توضّح المصادر بأن “نزع السلاح غالباً ما يُفهم كإجراء قسري يستهدف المقاومة، ويُعتبر خطوة صدامية في السياق اللبناني. أمّا حصرية السلاح، فهي رؤية تدريجية قائمة على حوار وطني داخلي، تسعى من خلاله الدولة إلى أن تكون، عبر مؤسساتها الأمنية، الجهة الوحيدة المخوّلة باستخدام السلاح في الداخل والخارج، وذلك عبر تفاهمات سياسية لا عبر الصدام. وعليه فإنّ الرئيس عون، في خطابه الأخير، بدا واضحاً في تبنّيه هذه المقاربة، وهو بذلك يُراهن على التهدئة السياسية وحماية النسيج الداخلي، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى خطوات متّزنة تعزّز السيادة من دون إثارة الانقسام، لأنه يدرك أنّ أي معالجة غير واقعية قد تفتح أبواب الفتنة الداخلية، وتطيح بما تبقى من الاستقرار اللبناني”. 

الجدل حول السلاح خرج إلى واجهة الواقع السياسي من جديد مع اندلاع المواجهة في الجنوب اللبناني ضمن سياق معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، حيث ظهرت “جبهة الإسناد” التي انخرط فيها “حزب الله” بصفته قوة مقاومة، وأعاد تفعيل سلاحه ضد العدوان الإسرائيلي دعماً لغزة ودفاعاً عن الجنوب اللبناني.

هذا الظهور العسكري أعاد فتح الجدل داخلياً حول دور المقاومة، وعدم أحقيّتها في اتخاذ “قرار الحرب والسلم” بمعزل عن مؤسسات الدولة. الأمر الذي أثار انقساماً عمودياً بين الأحزاب وداخل المجتمع اللبناني، بين من اعتبر أن سلاح المقاومة لا يزال ضرورة وطنية، ومن رأى فيه تعدياً على القرار السيادي وتهديداً للأمن الداخلي.

ومع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية وتجاوزها الصارخ لقواعد الاشتباك، بدأت أصوات داخلية وخارجية تتحدث بوضوح عن ضرورة نزع سلاح المقاومة بغطاء دولي، خصوصاً بعد الاعتقاد بأن “الحزب” قد هُزِم عسكرياً بفعل الضربات القاسية التي تلقّاها خلال المواجهات. الأمر الذي شجّع بعض الجهات على التمادي لطرح فكرة “نزع السلاح بالقوة”، وهي مقاربة خطرة تنذر بانفجار داخلي كبير. من هنا، جاء خطاب الرئيس عون ليطرح بديلاً واقعياً عن التصعيد، من خلال معادلة “حصرية السلاح” كحلّ سياسي شامل يتمّ عبر نقاش مباشر بينه وبين “حزب الله”، بعيدًا عن أي تدخلات داخلية أو ضغوط خارجية.

في المقابل، جاءت مواقف “حزب الله”، خلال اليومين الفائتين، واضحة في رفض منطق نزع السلاح، مع التأكيد على أن هذا السلاح مخصص لمواجهة إسرائيل وليس للاستخدام في الداخل اللبناني. إلا أن هذا الموقف لا يُغلق الباب أمام نقاش جدّي ضمن استراتيجية دفاعية وطنية، وهو ما طرحه عون مع إصرار على أولوية أن تبقى الدولة وحدها مسؤولة عن قرار السلم والحرب.

يُجمع المجتمع الدولي، لا سيّما في قرارات مجلس الأمن، على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، كما أن دعمه للبنان، سواء اقتصادياً أو أمنياً، غالباً ما يُربط بإحراز تقدّم في هذا الملف الحساس. إلا أن تجارب المرحلة السابقة أثبتت أن هذه القرارات تحتاج إلى غطاء داخلي جامع لتتحول إلى واقع، وإلا فإن فرضها بالقوة قد يكون أكثر كارثية من تأجيلها. من هنا، تلفت المصادر إلى أنّ “طرح عون قد يُشكّل أرضية حوار جديدة، إن صدقت النوايا وتوفّرت الإرادة السياسية الجامعة”.

لبنان اليوم عالق بين ضغوط خارجية تطالبه باستعادة سيادته كاملة، وحسابات داخلية دقيقة تحكمها توازنات طائفية وسياسية معقدة. وفي ظلّ هذا المشهد، يبرز خطاب رئيس الجمهورية كمحاولة عقلانية لإعادة فتح النقاش من داخل المؤسسات، لا من خارجها، ومن منطق الوحدة الوطنية لا الغلبة. وما بين طرحي “نزع السلاح” الصدامي، و”حصرية السلاح”  التوافقي، يبدو أن رئيس الجمهورية اختار الطريق الأصعب، لكن الأكثر أماناً؛ طريق الحوار لا الكسر وطريق الدولة لا الفوضى.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى