آخر الأخبارأخبار دولية

“هذا اليوم ترك فينا جرحا لن يندمل”

نشرت في:

منذ ساعات الصباح الأولى ليوم السبت 11 سبتمبر، وقبل بروز شمس مدينة نيويورك بدأ عشرات الأشخاص يتوافدون على هذه المنطقة الواقعة بحي الأعمال الراقي في مانهاتن. فالمكان كان يأوي قبل عشرين عاما، برجي مركز التجارة العالمي اللذين ارتجت أركانهما قبل أن ينهارا في بعض عشرات دقائق، بعد أن اصطدمت بهما طائرتان أمريكيتان مدنيتان استخدمتا في عملية إرهابية غيرت مجرى التاريخ. فيما يلي شهادات أمريكيين من موقع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر من مدينة مانهاتن في نيويورك. 

هؤلاء الأشخاص الذين ملؤوا هذه المنطقة وسط مانهاتن، أرادوا في اليوم الذي يصادف الذكرى العشرين لاعتداءات سبتمبر 2001، الاقتراب قدر الإمكان من موقع الاعتداءات التي استهدفت مركز التجارة العالمي سابقا والذي بات اليوم يسمى “غراوند زيرو” أي ” المستوى صفر” لإحياء هذه الذكرى الأليمة والترحم على أرواح من قتلوا فيها.


موقع غراوند زيرو © ©دافيد غوررميزانو

منذ أيام قليلة، بدأنا نلاحظ ارتفاع نسق زيارات الأشخاص إلى هذا الموقع في نيويورك، سواء من السياح من شتى أصقاع العالم، لأنه وللمفارقة أصبح الموقع، معلما سياحيا في هذه المدينة الأمريكية الفريدة… ولكن أيضا من أمريكيين فقدوا أفرادا من عائلاتهم خلال هذه الاعتداءات الإرهابية.

لين : “كل عام، آتي إلى هذا المكان الذي شهد آخر لحظات حياة …رفيق دربي  

لين أمريكية أتت رفقة قريبتها من مدينة بوسطن إلى “غراوند زيرو” كما دأبت على القيام به كل حادي عشر من سبتمبر منذ عشرين عاما. 

فقدت لين خلال الهجمات خسوس سانشيز، رفيق دربها ووالد ابنها مارك الذي كان عمره يومها 6 سنوات.

لين غرين زوجة خسوس سانشيس ترينا صورة لزوجها الراحل الذي توفي في اعتداءات سبتمبر
لين غرين زوجة خسوس سانشيس ترينا صورة لزوجها الراحل الذي توفي في اعتداءات سبتمبر © عماد بنسعيّد

 خسوس، كان من بين ركاب طائرة شركة يونايتد في رحلتها 175 والتي استخدمها منفذو الهجمات لاستهداف البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي على الساعة 9 وثلاث دقائق. 17 دقيقة فقط بعد ارتطام الطائرة الأولى ببرج التجارة العالمي الشمالي على الساعة الثامنة و46 دقيقة. 

 تقول لين لفرانس 24: ” أتيت إلى هذا المكان الذي شهد آخر لحظات حياة خسوس. وكذلك لإظهار القدر الكبير من الاحترام الذي يكنه الشعب الأمريكي لرجال الإطفاء والشرطة الذين حاولوا إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأشخاص في ذلك اليوم الذي ضربت فيه أمريكا”.

لين حضرت المراسم الرسمية التي نظمتها السلطات. وابنها كان من بين الأشخاص الذين اختيروا لإلقاء كلمة خلال مراسم تأبين ضحايا الاعتداءات.

جيم وجو: “منذ تركنا نيويورك لم نعد إلى هذا المكان إلا اليوم في الذكرى 20 للهجمات وأردت تكريم رجل الإطفاء سيتفن سيلر”

جيم هوني وجو شارشسنسكي شرطيان سابقان كانا يعيشان في نيويورك، وكان أحدهما يعمل في مركز التجارة العالمي. قررا الحضور إلى مانهاتن  للمشاركة في الذكرى العشرين لهذه الاعتداءات.  

الشرطيان الأمريكيان السابقان جيم على اليمين ووجو على الشمال
الشرطيان الأمريكيان السابقان جيم على اليمين ووجو على الشمال © عماد بنسعيّد Imed Bensaied

يقول جيم هوني 57 عاما: “في كل ذكرى لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر كنا نشاهد الاحتفالات كعدد كبير من الأمريكيين على التلفزيون، لكن هذا العام كان يتوجب علينا أن نحيي الذكرى العشرين لها وهي ذكرى خاصة من موقعها. لذلك أتينا إلى نيويورك التي لم نعد نقطن فيها منذ غادرنا جهاز الشرطة قبل سنوات لنشارك مع ملايين الأمريكيين هذه الذكريات الصعبة” . 

ويضيف جيم : “أتينا أيضا لتكريم كل رجال الشرطة والإطفاء و خصوصا رجل الإطفاء الشاب سيتفن سيلر الذي فقد حياته ذلك اليوم، رغم أنه كان خارج الخدمة حينها وفي طريقه إلى قضاء إجازته إلا أنه عاد للمشاركة في عمليات الإنقاذ حين علم بالهجمات”.  

جو: “أردت أن يحفز حضوري الآخرين حتى لا ننسى هذا الحدث”

جو 49 عاما يقول ” كنت على بعد دقائق من هنا في ذلك اليوم الكئيب ومنذ ذلك اليوم لم أعد إلى هذا المكان إلا اليوم، في الذكرى العشرين لهذه الاعتداءات، أتيت حتى يكون حضوري مع الآلاف من الأمريكيين مناسبة  لتذكير الأجيال القادمة بأهمية هذا الحدث الذي لن ننساه أبدا”.

ذيكارتي: “كنت صبيا حين وقعت هذه الهجمات، ولا أعلم كيف كان العالم قبلها “

يقول ذيكارتي وهو شاب أمريكي في أواخر العشرين من العمر، يعمل في قطاع المال في نيويورك، يقول: “أتيت اليوم الذي يوافق الذكرى العشرين للاعتداءات لتكريم هؤلاء الذين قضوا فيها. كانوا من مختلف أطياف المجتمع الأمريكي ولكن ارتبط مصيرهم للأبد من خلال هذه المأساة”.

ذيكارتي ، 29 عاما
ذيكارتي ، 29 عاما © عماد بنسعيّد Imed Bensaied

ويضيف ذيكارتي: “كنت صبيا في ذلك اليوم لكن أتذكره تماما، وكعدد كبير من الناس لا أعلم كيف كان العالم قبل الحادي عشر من سبتمبر، لذلك أعتقد أن هذا  الحدث غير بالفعل الكثير في الولايات المتحدة وفي العالم بأسره. أتيت هنا في السابق لكن هذه أول مرة آتي فيها خصيصا للاحتفال بذكرى الاعتداءات لأن عشرين عاما أعتبرها مناسبة خاصة”. 

رجال الإطفاء: شعبية واحترام داخل الولايات المتحدة وخارجها 

يحظى رجال الإطفاء الأمريكيين في نيويورك بشكل خاص بشعبية واسعة، ارتفعت خصوصا بعد ذلك اليوم الرهيب. وتلقوا على جدار أحد أبرز ثكنات الإطفاء فى “غراوند زيرو”، العشرات من باقات الزهور ورسائل الشكر والعرفان من المارة والمجهولين وحتى السياح الذين يعتبرونهم من أبرز أبطال هذا اليوم الذي عهدت إليهم فيه مهمة إنقاذ من يمكن إنقاذه، وفقد العشرات منهم حياتهم خلال عمليات الإسعاف هذه.  

" جدار الذكرى " المحاذي لثكنة رجال الإطفاء في غراوند زيرو
” جدار الذكرى ” المحاذي لثكنة رجال الإطفاء في غراوند زيرو © عماد بنسعيّد Imed Bensaied

ثكنة الإطفاء هذه التي انطلقت منها فرق الإنقاذ الأولى، إثر بداية الهجمات توجد على بعد مئات الأمتار من مركز التجارة العالمي، أقيمت على جدارها الرئيسي الذي أصبح معلما تذكاريا، مراسم رسمية شاركت فيها مجموعة من فرق شرطة نيويورك وفرق الحماية المدنية والإسعاف، 

دخلنا إلى ثكنة رجال الإطفاء المحاذية لغراوند زيرو
دخلنا إلى ثكنة رجال الإطفاء المحاذية لغراوند زيرو © عماد بنسعيّد Imed Bensaied

وتشكيلات رسمية مختلفة، فضلا عن عدد من عائلات ضحايا الهجمات، تقدمتهم فرقة من العازفين من عناصرالشرطة والحماية المدنية عزفوا ألحانا إيرلندية حزينة أثرت بوضوح على عدد من الحاضرين حيث لم يتمالك البعض من حبس دموعه …

شخصيات وعناصر من الشرطة وفرق الإطفاء يتقدمهم عازفون من شرطة نيويورك


شخصيات وعناصر من الشرطة وفرق الإطفاء يتقدمهم عازفون من شرطة نيويورك


رجال الإطفاء لم يأتوا فقط من ولايات أمريكية أخرى بل هناك من عبر المحيط الأطلسي ليشارك في إحياء هذه الذكرى العشرين لاعتداءات سبتمبر، حيث التقينا بمجموعة من رجال الإطفاء من بلجيكا أبوا إلا الحضور في مبادرة شخصية منهم  لمشاركة زملائهم النيويوركيين في هذه الذكرى الأليمة  “لنخبرهم بأننا لن ننسى تضحياتهم وتضحيات من فقد حياته حينها” على حد تعبير طوماس دونيس (45 عاما) وهو رجل إطفاء من مدينة لياج البلجيكية. 

تحية رسمية لضحايا الاعتداءات من شرطة ورجتال إطفاء
تحية رسمية لضحايا الاعتداءات من شرطة ورجتال إطفاء © عماد بنسعيّد Imed Bensaied

زميله جون بيار ليزان، وهو أيضا رجل إطفاء بلجيكي قال لنا بأنه مع تكرار الزيارات أصبحت هناك علاقة وطيدة بين رجال الإطفاء البلجيكيين ونظرائهم في مدن أمريكية أخرى وحتى من جورجيا، التقوهم منذ خمس سنوات والتقوا بهم مجددا هذا العام. نحن في ثكنة الإطفاء في بلجيكا نحمل منذ بداية  شهر سبتمبر هذا العام، قميصا يحمل جملة حول ذكرى العشرين لاعتداءات 11سبتمبر.  

رجال إطفاء بلجيكيون أتوا للاحتفال بالذكرى العشرين لاعتداءات سبتمبر
رجال إطفاء بلجيكيون أتوا للاحتفال بالذكرى العشرين لاعتداءات سبتمبر © عماد بنسعيّد Imed Bensaied

تأثر وحزن كبيران لاحظناهما على وجوه الحاضرين على مقربة من مركز التجارة العالمي السابق الذي أصبح اليوم يسمى “غراوند زيرو” والذي أقيمت حوله مراسم تأبين ضحايا الاعتداءات وأولئك الذين ينتمون لأجهزة الشرطة والإطفاء قضوا كلهم في هذه المدينة في الحادي عشر من سبتمبر. ورغم مرور عقدين من الزمن، إلا أن هذا الحدث سيلازم ذاكرة سكان نيويورك إلى الأبد وكما قال لنا البعض: “لقد حفر فينا هذا اليوم جرحا لن يندمل”.  

 عماد بنسعيّد




مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى