آخر الأخبارأخبار محلية

هل يتحّول شعار إنّا على العهد إلى شعار إنّا مع العهد؟

الأهمّ من “يوم الحشد الجماهيري الضخم” في وداع أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي طبع بشخصيته الاستثنائية المسار الحزبي على مدى سنوات، وأمين عام لم تسمح له يد الغدر الإسرائيلية بأن يترك بصماته المباشرة على هذا المسار وإن كانت له لمسات غير خفيّة أثناء تولّي ابن خالته المسؤولية المباشرة، هو أن هذا اليوم انتهى بما أفسح في المجال أمام المراقبين بأن تكون لهم قراءة متعدّدة الأوجه لمشهدية هذا اليوم، الذي يمكن اعتباره غير عادي على كافة الصعد، سواء بالنسبة إلى “حزب الله” بالذات، الذي أراد أن يكون هذا اليوم “يومًا تاريخيًا” في المسيرتين الحسينية والعاملية، أو بالنسبة إلى الدولة اللبنانية، التي لم تغب رسميًا عن المشاركة في “مهرجان التشييع”، وكانت حاضرة في الوقت ذاته من خلال تولّي الأجهزة الأمنية، وفي مقدمهم الجيش أمن مدينة كميل شمعون الرياضية ومحيطها، بالتنسيق التام مع اللجنة التنظيمية التابعة لـ “حزب الله”، أو بالنسبة إلى المشاركة السياسية من قبل أحزاب “الفريق الممانع”، أو بالنسبة إلى مقاطعة بعض الأحزاب المعارضة لسياسة “الحزب” وإصرارها على الوقوف في وجه سلاحه، الذي تعتبره غير شرعي ومتناقض مع السيادة اللبنانية.

أولًا، كان هذا اليوم بالنسبة إلى “حزب الله” يومًا استفتائيًا بامتياز من قِبل بيئته الحاضنة، التي أعلنت في هذا “اليوم الكربلائي” الصرف، أنها باقية “على العهد”، وأنها أرادت من خلال احتضانها لخيارات “الحزب” الداخلية والإقليمية أن تثبت للعالم أجمع، وبالأخص للداخل اللبناني، بأن ما قام به العدو الإسرائيلي من اعتداءات واسعة سقطت في خلالها كوكبة من شبابها المنخرط في العمل العسكري الحزبي، ودُمرّت بلدات وقرى جنوبية وأمحّت عن خارطة الجنوب، لن يكسر عزيمة هذه البيئة المصرّة على الإعلان أن هذه الاعتداءات لم تنل من قوة “حزب الله”، ولم تؤّثر على معنوياته، التي لا تزال مرتفعة جدًا. وهذا ما أراد أن يقوله منظمو هذا “الحشد غير المسبوق”، وهو مؤّشر إلى أنه لا يزال عصيًّا على كل من سيقف في وجهه، وأن يوم الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية لناظره قريب، وهي كفيلة بأن شعبيته لا تزال هي هي على رغم حجم الخسائر الضخمة، التي مُني بها، عسكريًا. وقد تكون أهم هذه الخسائر سقوط السيدين نصرالله وصفي الدين وكثيرين من القيادة العسكرية من الصفّين الأول والثاني.

وفي رأي هؤلاء المراقبين أن ما قام به “حزب الله” من خلال مهرجان المبايعة الشعبية، تنظيمًا وتحشيدًا، قد أعطاه مادة دسمة لمواجهة الذين أرادوا أن يثبتوا أنه قد خرج من حرب استجلبها على نفسه من خلال انخراطه في حرب “المساندة” لقطاع غزة وأهله. وهذا أهمّ ما في مشهدية يوم 23 شباط، الذي سينضم حتمًا إلى سلسلة الأيام، التي لا تزال بيئته تفاخر بها، وهي 6 شباط، وإن لم يكن “الحزب” مشاركًا بها بقوة، و7 أيار .

ثانيًا، جاء هذا اليوم اختبارًا جدّيًا لعهد الرئيس جوزاف عون، الذي يحاول في بداياته السير بين الألغام السياسية من دون أن ينفجر أي لغم منها في وجه ما تضمّنه خطاب قسمه. فقد نجحت القوى الأمنية من خلال غرفة العمليات المشتركة في الحفاظ على أمن الحشود، والحؤول دون حدوث ما يعكّر صفو هذا اليوم، خصوصًا أن الجميع كانوا يضعون أيديهم على قلوبهم، وذلك تخوفًا من حصول أي أعمال شغب شبيهة بما جرى على طريق المطار، وأن تخرج حماسة واندفاعة الحشود عن حدود السيطرة.

ولا يخفي هؤلاء المراقبون ما تناهى إليهم من رغبة أكيدة لدى كل من الرئيس عون ورئيس حكومة “الإصلاح والإنقاذ”، التي ستمثل غدًا لنيل ثقة مجلس النواب، في أن يتحّول شعار “مهرجان التشييع” من “إنّا على العهد” إلى “إنّا مع العهد”، كمقدمة لا بدّ منها لانتظام العمل السياسي بما يعنيه من ألا يكون على الساحة اللبنانية أي سلاح سوى السلاح الشرعي، وهو الضامن الوحيد للسلم الأهلي والوحدة الداخلية، ولمنع أي اعتداء من خارج الحدود على السيادة الوطنية.

ثالثًا، بالنسبة إلى المشاركة السياسية لأحزاب “محور الممانعة، أو بالنسبة إلى مقاطعة الأحزاب المناهضة لسلاح “حزب الله”، فإن الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية المقبلة هي الفاصل الوحيد بين ما يعتبره البعض باطلًا، وبين ما يراه آخرون حقًّا، وأن الغد لناظره لقريب.

ويختم هؤلاء المراقبون قراءتهم لمشهدية هذا اليوم المهيب بالتمني بألا تشهد الساحات بعد اليوم سوى حشود للفرح والحياة والمهرجانات، التي ينتظرها صيف لبنان، وأن تكون حشود الحزن والتهجير والنزوح قد ولّت إلى غير رجعة مع غد جديد مشرق، وأن يُترجم كلام الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم بتحويل شعار “إنّا على العهد” إلى شعار “إنّا مع العهد”، خصوصًا عندما ختم كلمته التأبينية بالتأكيد  على “أننا سنشارك في بناء الدولة القويّة وسنشارك بنهضتها تحت سقف الطائف، وحريصون على بناء الدولة وعلى الوحدة الوطنيّة، وأن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ونحن منهم”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى