ما بين 26 كانون الثاني و١٨ شباط…هذا هو الفرق

وفي الوقت الذي كان الجميع يتوقعون عدم إقدام جيش الاحتلال على الانسحاب كان “حزب الله” يعدّ العدّة لعودته إلى العمق الجنوبي عبر ناسه، ولو بلباس مدني. وهذا أمر طبيعي باعتبار أن مقاتلي “الحزب” هم من أبناء القرى الحدودية، ومن حقّهم أن يعودوا إليها بلباس مدني بعدما تركوها بلباسهم العسكري. وبهذه الطريقة استطاع “حزب الله” أن يعود إلى جنوب الليطاني ولو من دون سلاح. وفي اعتقاد أكثر من مسؤول حزبي أن هذا الدخول للأهالي وبهذه الطريقة الجريئة والشجاعة قد أعاد خلط الأوراق الإقليمية والداخلية على حدّ سواء، خصوصًا أن هذا الدخول ترافق مع موجة جديدة من التصريحات والمقالات، التي تحدّثت عن “عرس الانتصار” على رغم الدماء البريئة التي أريقت على أرض الجنوب، وعلى رغم اعتقال جيش العدو عدد من الأهالي واقتيادهم إلى الداخل الإسرائيلي للتحقيق معهم.
إلاّ أن ما حصل أمس الأول لا يمكن إلا إدراجه في خانة البطولات الشعبية بغض النظر عمّا كان “حزب الله” يخطّط له. ويقول الذين يدورون في فلك محور “الممانعة” أن “الحزب” نجح في استثمار التحرّك الشعبي المنظّم والعفوي في آن، خصوصًا أنه أراد أن يثبت لجميع المعنيين في الداخل والخارج، ومن بينهم بالطبع إسرائيل وراعيا اتفاق وقف النار، أي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، أنه لا يزال موجودًا في كل الساحات، العسكري منها والمدني ، وبالأخصّ السياسي، وذلك من خلال فرضه معادلة تكريس حقيبة وزارة المالية لـ “الثنائي الشيعي” حتى ولو تمّ تشكيل الحكومة من غير الحزبيين، وليس على طريقة إسنادها إلى أي شيعي خارج “الثنائي”، فضلًا عن التلميح بعدم السماح للحكومة بأن تبصر النور إن لم يحصل “الثنائي” على وعد بأن يتضمّن البيان الوزاري ما يشبه “المعادلة الثلاثية”. ولكن آخر المعطيات تشير إلى أن هذه العقدة قد تمّ حلها بما يؤمن للحكومة غطاء سياسيًا أكيدًا.
لم يسمع أحد كلامًا لسياسيي محور “المعارضة” عمّا حصل في الجنوب غير الكلام المدروس والمتقدّم في رؤيته للأمور، باعتبار أن ما قام به الأهالي، وإن كان “حزب الله” كان وراء هذه المشهدية، يدخل في إطار البطولات الشعبية. إلاّ أن ما ترافق مع “عرس الانتصار” من حركات استفزازية في أحياء مغدوشة وعين الرمانة والجميزة أعاد الحديث إلى مربعه الأول، مع ما حملته هذه الاستفزازات من أجواء غير صحية تعكس حالة من عدم الاطمئنان إلى الغد، الذي لا يزال فيه “شبح السلاح” مسيطرًا على الساحة الداخلية.
الفرق بين 26 كانون الثاني و18 شباط هو أن التاريخ الأول لم يخلُ من الدمّ، الذي أهرق منه الكثير على مدى سنة وأربعة أشهر على أيدي جيش العدو، فيما التاريخ الثاني قد يحمل في طياته ما يؤشرّ إلى انسحاب كامل لآخر جندي إسرائيلي من آخر شبر محتل في العمق الجنوبي، واكتمال عقد انتشار الجيش في كل الجنوب تطبيقًا لاتفاق وقف النار وللقرار 1701.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook





