تكنولوجيامنوعات

أسرار خطيرة تختبئ خلف الرمز السري لهواتف الأولاد في لبنان

بلغون عامهم الثامن فيطفئون شموع ميلادهم بأمنيةٍ ورجاء: “بابا بدي تلفون او آيباد”. لا يعلم عددٌ لا يستهان به من الأهل أن استخدام أولادهم التكنولوجيا الرقميّة في هذا العمر الحسّاس قد يساهم في القضاء على مستقبلهم الاجتماعي والنفسي، خصوصاً في حال نمت تلك العلاقة الوطيدة بين الجهاز والولد على حساب التواصل بين أفراد العائلة، وصولاً الى سن المراهقة التي تنذر بمفاجآتٍ سلوكيّةٍ خطيرة تحت ذريعة التغنّي بالغرب. فكيف تتحوّل الأزرار الرقميّة عنواناً لحكايةٍ مأساوية تتبلور معالمها يوم يصير الولد مراهقاً؟ وماذا في الحلول الكامنة وراء الاستفادة الايجابيّة من اقتناء الأولاد للهواتف الخاصّة بدون الوقوع في فخّ تراجيديّ؟

87% يتراسلون إلكترونياً
في دراسةٍ أجراها مركز pew الأميركي للأبحاث حول نسب الأولاد الذين يرسلون الرسائل النصيّة بشكلٍ مستمرّ، تبيّن أن ظاهرة امتلاك صغار السنّ للهواتف تبلورت عام 2008، في حين أنّها شهدت ارتفاعاً كبيراً بدءاً من أيلول 2009 مع تنامي ثورة مواقع التواصل الاجتماعي حيث وصلت نسبة المراهقين الذين يستخدمون المراسلات الالكترونية يومياً في السنوات الأخيرة الى 54%. وقد أظهرت الدراسة أن من بين 75% من الأولاد الذين يملكون هاتفاً، 87% يتبادلون المراسلات موسميّاً. وفي تفصيلٍ أكثر دقّة، أشارت الدراسة الى أن نصف المراهقين يرسلون حوالي 50 رسالة نصيّة يومياً ما يعادل الـ 1500 شهرياً، في حين أن واحد من كل ثلالثة أولاد يرسل حوالي 100 نصّ يومياً، ما يقارب الـ3000 نص شهريًّا. وظهر أن 15% منهم يرسلون 300 نصّ يومياً ما يعني 6000 رسالة شهريّاً. اللافت في النتائج التي أظهرتها الدراسة أن معدّل الرسائل النصيّة الخاصة بالفتيان بلغت 30 يومياً في حين ارتفعت لدى الفتيات الى 80. وتبيّن أن البنات الأكبر سنًّا اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 والـ 17 عاماً، هن الأكثر نشاطاً، حيث يرسلن أكثر من 100 نصّ في اليوم الواحد أي ما يقارب الـ 3000 في الشهر. وفيما يخصّ الأولاد الأقل تعطّشاً للمبادلات الالكترونيّة، تبيّن أن واحدًا من كلّ خمسة أولاد أي ما يعادل الـ 22% لا غير، يرسلون ما يقارب الـ 10 نصوص في اليوم.

جهلٌ وظروفٌ معيشيّة سيّئة
سلوكيّات خاطئة تدخل في عمليّة موافقة الأهل على شراء هاتف خاص لولدهم. فتشير الدكتورة في علم النفس التربوي مي مارون الى ان “المشكلة لا تكمن في اقتنائهم هاتفاً محمولاً، بل في عدم قدرة الأهل على التحكّم في أنماط استخدامه بأيدي الأولاد لتعذّر إمكانيّة متابعتهم دائماً واحتمال جهلهم الكامل للأخطار التي تهدّد أبناءهم في هذا السياق، في حال لم يتمتّعوا بمستوى ثقافي جيّد”. وتعتبر أن “العامل الأسوء يكمن في تخلّي الأب والأم عن دورهما التربوي لانعدام امكانياتهم الماديّة، ما يدفعهما الى تنمية روح الاعتماد على النفس لدى اولادهم في عمر المراهقة”.

تحبيذ امتلاك الأسرار
في مقاربة لتعامل الولد مع جهازه الذكي تعتبر مارون ان “اوجه استخدام الهاتف المحمول لدى الأولاد يرتبط أيضاً بمبدأ الخصوصية والذي يعتبره الولد في بداية مراحل المراهقة أولويّة محقّة له كما يفعل سواه. لذلك يلجأ الى وضع كلمة سرّ تساهم في خلق علاقة خاصة بينه وبين جهازه ويحبّذ بالتالي الاحتفاظ بأسرار خاصّة به بدءاً من سن الـ12 تحديداً”.
وعن سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي المباحة بحريّة تامة تلفت الى ان “المشكلة تتمثّل في حال وجدت سريّة في الأحاديث قد تؤدي الى تنمية مشاعر محرّضة عاطفياً أو جنسياً، خصوصاً أن وسائل التواصل مباحة، ما يفتح النقاش حول امكانية تعرّض الطفل لتحرّشات واستفزازات قد لا يرى فيها خطأً، فلا يبادر الى اخبار أهله لأن ذلك يتعارض بالنسبة اليه مع مبدأ الخصوصيّة”.

الجنس الافتراضي
تتعدّى الأخطار الناتجة من طرق استخدام الأولاد للهاتف المحمول حدود المنطق، لتدخل في مفترقات ماكرة، قد تكون ضريبتها مميتة. فتلفت المعالجة النسقيّة التحليليّة، الدكتورة لينا قاعي الى ان “أخطر ما يمكن ان ينتجه امتلاك الأولاد للهواتف المحمولة يتمثّل اليوم بما يسمى بالجنس الافتراضي، إذ يلجأ الصبيان والفتيات الى التّعرف على خصائصهم الجسديّة والجنسيّة من طريق التقاط صور وفيديوهات إباحيّة لهم وتبادلها بين بعضهم البعض، ما يفتح مجالاً واسعاً لانعكاسات على مستقبل هؤلاء النفسي والصحي وارتباطهم بممارسات خاطئة تنتجها عمليّات تهديد ووعيد بفضح الصور، ينفّذونها للحصول على خدمات جنسيّة مستمرّة بعد الانتقال من الجنس الافتراضي الى مواعيد ولقاءات حقيقيّة”.
وعن الدوافع الكامنة وراء اللجوء الى هذه الممارسات المقلقة، تؤكّد ان “هذا الواقع أنتجه التبني الخاطئ للأنماط المعيشيّة الغربيّة، إذ إن بعض المراهقين يحبّذون هذه التصرفات ويتبنونها، فلا تشكّل أي حرج لديهم. هؤلاء لا يتمتّعون باتزان نفسي. أما البعض الآخر، فهو ضحيّة لخدع ماكرة”. وتضيف: “للأسف أعداد الذين يأتون الى العيادات النفسيّة للشكوى من هذه الأمور كبير جداً، وهذا الواقع المزري الى ازدياد”.

shutterstock_34572367_859707_largeطرق الحماية
تعتبر قاعي أن “خطوات عديدة على الأهل تداركها في حال حبّذوا اقتناء اولادهم للهواتف المحمولة بعمرٍ صغير، أهمّها:
• الأجدر بالأهل الحفاظ على علاقات وديّة بأطفالهم مبنيّة على الثقة والحوار منذ الصغر ما يسهّل على الأولاد عمليّة تقبّل مشاركة تفاصيل حياتهم الخاصّة في سن المراهقة.
• عدم اللجوء الى حلول في أوقاتٍ متأخّرة، أي بعد مرور 5 سنوات على معاناة يشكوها الأولاد ارادياً كانت ام لا ارادياً نتاجها ممارسات خاطئة تترافق مع عدم استقرار نفسي ومشاكل صحيّة.
• اقناع المراهقين عن طريق الحوار بالاستغناء عن كلمة السرّ من اليوم الأول الذي يحصل فيه على هاتف خاص ما يحثّه على التخلّي عن مظاهر العصيان لصالح إخبار الأبوين بجميع تفاصيل حياته.
• لجوء الأهل الى مصادقة أولادهم في مرحلة المراهقة مع وجود رواسب ماضية سيئة تعتري العلاقة بين الطرفين في مرحلة الطفولة لن تأتي بنتيجة ايجابيّة.
• تعزيز امكانيّة الإفادة من إيجابيات الهاتف الذكي وحضّ الأولاد على استخدامه بوجهةٍ صحيحة تتمثّل بتنمية قدراتهم عن طريق الألعاب والمعلومات الثقافية المهمة، حيث يتمكنون من حلّ مشاريعهم المدرسيّة بسهولة.
• استخدام الهاتف باعتدال تفادياً لمشاكل صحيّة عديدة كالاضطراب في حركة الأصابع ومشاكل في العامود الفقري.

ولأن الحل يجب أن يكون قبل فوات الأوان، على الأهل ألا يتحمّسوا كثيراً لإتقان أولادهم “الشخبطة” على شاشةٍ زجاجيّة. على الأقل، يتوجّب عدم الربط بين ذكاء الولد وحسن استخدامه لذلك الجهاز. والأمثل متابعة دقيقة لجوانب الولد الحياتيّة، تفادياً لمآزق مأسوية تشير اليها ارتفاع نسب الأمراض النفسيّة في لبنان… ولئلا تتحوّل هديّة العام الثامن مسدّساً يطفئ الشمعة الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى