الانتخابات الرئاسية الفرنسية أمام تحدي مواجهة التلاعب بالرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي

نشرت في: 28/03/2022 – 16:25
غالبا ما يتعرض الرأي العام خلال العمليات الانتخابية وما يسبقها من حملات شرسة بين المنافسين إلى التلاعب، لاسيما على مواقع التواصل الاجتماعي. لا شك أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية، قبل الدورة الأولى منها المقررة في 10 أبريل/نيسان المقبل، لن تفلت من هذه الظاهرة التي تهدد الديمقراطية في بعض الأحيان. فما هي أبرز التقنيات المستخدمة في محاولات التلاعب؟ وهل بإمكان قوى كبرى مثل روسيا أن تقود “هجمات” للتأثير في نتائج الاقتراع؟
باتت مواقع التواصل الاجتماعي في قلب الحياة اليومية للمجتمع الدولي بصورة عامة، ومن (شبه) المستحيل أن تستغني أي حملة أو عملية انتخابية عن هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة المؤثرة. فهي تلعب دورا أساسيا في مجالي الإعلام والاتصال، كما أنها أصبحت فضاء بدون قيود أو قواعد لمختلف التوجهات والصراعات السياسية والأيديولوجية.
وفيما يقترب موعد الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، المقرر إجراؤها في 10 أبريل/نيسان المقبل، يحاول بعض المرشحين وتسعى بعض الأوساط المرتبطة عن قريب أو بعيد بالعملية الانتخابية، محليا أو خارجيا، للتلاعب بالرأي العام من خلال ممارسات بعضها شرعية وبعضها الأخرى خارجة على القانون.
محاولات تدخل من الخارج في انتخابات 2017
لأجل دراسة وفهم أبرز وأكثر التقنيات المستخدمة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال العمليات الانتخابية، اتصلنا بالخبير دافيد شفالارياس وهو رئيس معهد الأنظمة المعقدة في باريس وصاحب كتاب “توكسيك داتا” (ما يمكن ترجمته للعربية “المعطيات المسممة” أو “المعطيات المضللة”)، وسألناه ما هي المخاطر التي تواجه الانتخابات الرئاسية الفرنسية بهذا المجال؟
للمزيد- حقيقة أم فبركة: رصد الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي
وطور شفالارياس بالتعاون مع فريق من الباحثين وسيلة تكنولوجية مبتكرة، “بوليتوسكوب”، لأجل دراسة مئات الملايين من المعطيات نشرها على موقع “تويتر” تحت مسمى “مجتمعات سياسية” فضلا عن وسائل الإعلام، وذلك منذ عام 2017. وخلصت الدراسة إلى ثبوت “وجود عدة عمليات” سعى أصحابها للتسلل والتأثير في عمليات التصويت، أي في خيارات الناخبين، في الانتخابات الرئاسية السابقة التي فاز فيها إيمانويل ماكرون الساعي لولاية ثانية.
واستهدفت المساعي الرامية لزعزعة الاستقرار في أول وهلة ماكرون وزعيم أقصى اليسار جان لوك ميلنشون، وذلك من خلال تضخيم حجم الخطابات أو الرسائل المناهضة للمرشحين لأجل استخدامها لفائدة اليمين المتطرف. وحسب الدراسة، تم تنفيذ أغلب هذه الأعمال التخريبية من الخارج لاسيما على يد مناصري الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وثائق “ماكرون ليكس”
شهدت الفترة ما بين الدورتين الأولى والثانية من الاقتراع عام 2017 حدثا بارزا كاد يلعب دورا حاسما في مستقبل فرنسا، إذ تمت قرصنة آلاف الوثائق من حزب ماكرون (“إلى الأمام”) معظمها رسائل إلكترونية نشرت على الإنترنت. وكان الهدف من عملية سميت آنذاك “ماكرون ليكس”، والتي وقعت قبل أقل من 48 ساعة من الدورة الثانية، كسر ثقة الناخبين في المرشح الحر (كما كان يقدم ماكرون نفسه) وبالتالي التصويت لمنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان.
للمزيد- مشروع إريك زيمور يثير سخرية المغردين ويحدث صدعا في معسكره
فهل يمكن أن يتكرر هذا السيناريو في انتخابات 2022، خاصة في ظل الوضع الحالي المتأزم مع الحرب الروسية على أوكرانيا؟ يرى الأستاذ والخبير الفرنسي في الأمن الإلكتروني والتصدي للقرصنة نيكولا أرباجيان، صاحب كتاب “الأمن الإلكتروني”، أنه “في وقت النزاعات بين بلدين كما هو الحال بين روسيا وأوكرانيا، يتحول ميدان الإعلام إلى مسرح للصراع يستدعي مراقبة شديدة” في كل لحظة.
من جانبه، يؤكد دافيد شفالارياس أن حالة العالم المضطربة تحمل بعض المخاطر، مذكرا بأن روسيا سعت في 2017 إلى التأثير في الانتخابات الفرنسية عبر وثائق “ماكرون ليكس”.
ما السبيل “للوقاية” من التدخلات الأجنبية
يقر نيكولا أرباجيان بصعوبة رصد هذه العمليات المدبرة من الخارج، فيقول لفرانس24: “ترتكز (العمليات) على إنشاء هويات مزيفة في مواقع التواصل الاجتماعي وتنشط على المدى الطويل، إذ تبدأ بنشر مواقف وآراء حول شتى المجالات في خطوة لإعطائها نوعا من المصداقية ثم تتفاعل بينها لتنتشر أكثر فأكثر على عدة منصات، ما يضاعف من رؤيتها وثقلها” لدى المستخدمين.
ويقر الخبير الفرنسي أيضا بأن روسيا لديها خبرة متميزة في مجال التلاعب بالمعلومات وتتقدم على غيرها في هذا الميدان، علما بأن هذه العمليات تعتمد على تكنولوجيات رفيعة المستوى وفي تطور مستمر.
أمام خطر التلاعب بالمعلومات وبمواقع التواصل، أنشأت فرنسا في يوليو/تموز 2021 نظاما إلكترونيا بهدف التصدي للتدخلات الرقمية الخارجية. والغرض من هذا النظام بالتحديد حسب نيكولا أرباجيان هو “دراسة النشاطات والتحركات الإعلامية” لأجل “رصد العمليات المغرضة والمنسقة التي تقف ورائها جهات خارجية”. وستتعزز الطاقة الإنسانية المسخرة لهذه الخدمة في نهاية 2022 لتشمل ما مجموعه خمسون محللا وخبيرا.
زمور وتقنية وحملات مغالطة الرأي العام
لكن لا تقتصر التدخلات الرقمية الخبيثة على الخارج فحسب، بل إن جهات فرنسية أيضا تستغل الثغرات لأجل خدمة وتضخيم مصالحها. ومن بين التقنيات الأكثر رواجا ما تسمى تقنية “أسترو تورفينغ”، وهي تقضي بالادعاء بوجود محاكاة زخم عفوي حول موضوع ما إلا أن الأمر في الواقع يتعلق بحركة منسقة موجهة لتغليط الرأي العام.
في نهاية 2021، قام فريق الخبراء حول دافيد شفالارياس بمتابعة مدققة لبعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي دافعت كلها وفي وقت واحد عن خطاب مشترك، واستخلص بأنها في الحقيقة حركة منسقة لأطراف تشترك في المصالح وتسعى لإعطاء زخم كبير لأفكار أصحابها. واستخلص الفريق أيضا بأن “المجتمع [بمعنى مجموعات من رواد الإنترنت] الملتف حول مرشح اليمين المتطرف إيريك زمور استخدم هذه التقنية بشكل كبير ومتكرر.
أوريليا عبد البسط/ علاوة مزياني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook