آخر الأخبارأخبار دولية

وشوم “موكو” تحيي ثقافة شعوب “الماوري” الأصلية


نشرت في: 05/08/2022 – 14:58

بعد أن كان فن الوشم التقليدي في ثقافة “الماوري” في نيوزيلاندا والذي يطلق عليه اسم “تا موكو” مهددا بالاندثار خلال الحقبة الاستعمارية، هاهو يعود للانتشار بشكل غير مسبوق ومنذ عشرين عاما. ويوضح مراقبنا موكوني أرانغي سميث أن هذه النهضة الثقافية تم بلوغها بصعوبة بالغة مع توفر وسيلة لإعادة إحياء ثقافة الماوري والمساهمة في التخلص من الإرث الاستعماري.

في ثقافة الماوري يعتبر تلقي “تا موكو” (وشم يتم رسمه تقليديا من قبل الشعوب الأصلية في نيوزيلاندا) مرحلة مهمة للمرور من مرحلة الطفولة إلى الرشد. وبالإضافة لكونه يرمز حسب التقاليد إلى مكانة ورتبة، فإن هذه الممارسة كانت مستخدمة أيضا لجعل الشخص أكثر جاذبية في نظر الجنس الآخر. وكان الرجال يرسمون وشوم “موكو” في الوجه على العموم وأيضا على المؤخرة (رابي رابي) والفخذ (بوهورو) فيما تحمل النساء وشوم “موكو” على الشفاه (كاوي) وعلى الذقن.

“شعب الماوري يحاول استرجاع شعور الانتماء”

يقوم موكوني أرانغي سميث برسم وشوم باليد باستخدام مادة “أوهيس” وهي طريقة تقليدية لدى شعوب ماوري وبولينيزيا، وذلك في مقره بأوكلاند. ويعد سميث من بين من الفنانين النادرين الذين يساهمون في هذه العودة الكبيرة لوشم “موكو” في نيوزيلاندا، وهو فن اختفى منذ عدة عقود، خصوصا بعد تعرضه للقمع من قبل المستعمرين البريطانيين.

إنه أحد أنواع الفنون المهددة بالاختفاء. لقد تم الاستغناء عن الوشم خلال العشرية الأولى من القرن العشرين، حيث تقلص عدد حاملي الوشم بشكل كبير. وبعد جيل واحد، اختفى فنانو  هذه الوشوم تقريبا. أنا أساهم في هذا المجهود إحياء لثقافة الماوري وأحاول أن أعثر على عادات كان أجدادنا يقومون بها.

أقوم برسم الوشم منذ نحو 7 أعوام. وخلال الأعوام الأولى، كان عدد حرفائي قليلا جدا، ولكن منذ بدء جائحة فيروس كورونا وما رافقها من تعطل حركة السياحة، تفطن شعب الماوري بطريقة ما وأرادوا معرفة معلومات عن أجدادهم وعن ثقافتهم. لقد كان لديهم الوقت للقيام ببحوث بحكم فترة الحجر الصحي.

إن العمل مع المنتمين إلى الماوري حمّال لعدة معاني، إذا ومن خلال وشم “موكو”، يحاول أصيلو هذه الشعوب العثور على شعور بالانتماء إليها ويساهمون في إزالة آثار الاستعمار. إنهم يحاولون علاج هذه الجروح التي تتسبب لهم الإحساس بنوع من العار بسبب عدم معرفة الكثير من الأمور عن ثقافتهم، وعلى سبيل المثال، عدم معرفتهم بلغتهم.

“مجرد أن يحمل الناس وشوم “موكو” في الفضاء العام يعزز شعور الإحساس بالتطبيع معها”

عند تزايد وصول المحتلين البريطانيين إلى نيوزيلاند أواخر القرن الثامن عشر، تناقص وجود وشوم “تا موكو”. حيث تعرض أفراد شعوب “الماوري” الذين كان يحملون وشوم “موكو” على أجسادهم إلى الإهانة من طرف البريطانيين وخلال فترة تاريخية ما، لم يعد لمن يرسمون وشوم “تا موكو” مجرد الحق في ممارسة مهنتهم.

وحسب موكوني أرانغي سميث، فإن الأعيان واصلوا لوقت طويل رسم الوشوم، لكنهم كانوا يخفونها تحت ملابسهم حتى لا يتعرضون لحملات تنمر، على عكس ما نراه في الوقت الحاضر داخل المجتمع النيوزيلاندي، حيث يتزايد عدد الشخصيات العامة التي تحمل وشوم “موكو” في أماكن ظاهرة من جسدهم.

وفي سنة 2016، قامت السياسية النيوزيلاندية نانيا ماهوتا برسم وشم “موكو” في وجهها. وفي سنة 2021، أصبحت الصحافية أصيلة شعوب الماوري أوريني كيبارا أول شخص يحمل وشوم تقليدية في الوجه يقوم بتنشيط برنامج إخباري في أوقات الذروة على التلفزيون الوطني في نيو زيلاندا.

عدد متزايد من السياسيين وشخصيات معروفة يحملون اليوم وشوم “تا ماكو” وهو ما عزز الشعور بالتطبيع الذي كنا نحاول ترسيخه منذ نحو 40 عاما. ونأمل الآن في الحصول على الإنصاف وأن يتم معاملتنا بطريقة عادية، حيث يتم تقديمنا بطريقة تشبهنا بالفعل. في البداية، كان المسؤولون السياسيون يرسمون وشوم “تا موكو” في أماكن من جسدهم تغطيها الملابس حيث كانوا يحملونها لكنهم  لم يكونوا يريدون إظهارها أمام الجميع.

أعتقد أنه من المهم بمكان أن يحمل هؤلاء المسؤولون السياسيون وشوم “تا موكو” ويحرصون على إظهار فخرهم بها، في البرلمان وفي التلفزيون وفي كل مواقع المسؤولية، وذلك بهدف التطبيع مع ثقافتنا وعاداتنا. وذلك سيساهم أيضا في إعلام الناس بأنه هناك طرقا مختلفة لعيش ثقافتهم ومعايير مختلفة لتحديد الجمال. إنه أمر مهم جدا في عالم يصبح يوما بعد يوم أكثر عولمة ونمطية ثقافية.

“نلاحظ احتراما متزايدا لرموز ثقافتنا المقدسة”

ولا يقتصر الاهتمام بوشوم “موكو” في نيوزيلاندا على شعوب الماوري لوحدهم، بل يشمل أيضا المنتمين لغير الشعوب الأصلية. وللاستجابة للطلب على وشوم شعب الماوري التي تحظى باحترام ثقافي، يستخدم موكوني أرانغي سميث وشوما بـ”روح الماوري” التي يمكن أي شخص رسمها في أي مكان من الجسم ولأي سبب كان، وذلك عكس وشوم “موكو” التي تحمل معاني مقدسة لدى الماوري.

نواجه اليوم تغيرات مستمرة، باعتبار أن المشهد السياسي يتغير في كل الأوقات. في سنوات 1700 و1800، كانت نيوزيلاندا مسكونة في معظمهما من شعوب الماوري، وكان الزعماء القبليون يملكون السيادة على الأرض وعلى الناس. في ذلك الوقت، لم يكن رسم الوشوم لدى الأجانب يثير أي مشكل باعتبار أنها كانت طريقة مثيرا لإدخال الأجانب في روحنا وعالمنا.

المناخ مختلف كثيرا اليوم. فمنذ تلك الفترة، وضعت القوى الأجنبية يدها على البلاد وسيطرت على مناحي الحياة هنا وأطلقت على هذه الأرض اسم “نيوزيلاندا”. نلاحظ اليوم تزايد الاحترام لرموز ثقافتنا المقدسة.

هذا الاحترام  يجعلني أبذل كل ما في وسعي للتأقلم مع هذا الوضع وتفادي رسم أشكال وشوم تحظى بقداسة خاصة بالنسبة لنا. أنا أعطي (لغير المنتمين لشعوب الماوري) وشوما بروح الماوري تكون حمالة لأقل قدر من المعاني التي لن يكونوا قادرين بالضرورة على فهمها.

 

“الأجيال الشابة ستواصل العمل على التخلص من القيود”

وتعتبر عودة وشوم “تا موكو” إلى الواجهة متزامنة مع العودة الكبيرة للغة وثقافة شعوب الماوري والتي يطلق عليها أيضا “نهضة الماوري”.

أنا أنتمي إلى جيل أول كبُر وقطف ثمار احتجاجات وعمل شاق من طرف آباءنا حتى نتمكن من التعبير بكل حرية عن ثقافتنا. فنحن الآن نسترجع ثقافتنا التي فقدناها مدة طويلة جدا. وبالنسبة إلى بعض الأشخاص، فإن ذلك يمر بالضرورة عبر إحياء اللغة وبالنسبة إلى آخرين، فإن ذلك يمر عبر القصص والروايات والفنون الاستعراضية. أما بالنسبة لي، فإن استرجاع ثقافتنا يمر عبر وشوم “تا موكو”.

تتغير ثقافة نيوزيلاندا بشكل كبير حقا، حيث بلغنا منعرجا تمثل في تسارع إدماج عالم الماوري في نيوزيلاندا التي تعيش بها غالبية بيضاء. إنه أمر مذهل بالفعل. لقد استفاقت مؤسسات التلفزيون والإذاعة بشأن المسألة وأدرجت لغة الماوي في برامجها على سبيل المثال. هذه الوسائل الصغيرة لإدماج ثقافتنا في المشهد المهيمن جعلت كل الناس يتطلعون إلى المستقبل.

من البديهي أن الأمر مازال مؤقتا ويبقى أمامنا الكثير من العمل يتوجب القيام به، ولكن الأجيال الشابة ستواصل العمل للتخلص من القيود.

في يونيو/ حزيران 2021، تم إحصاء 875300 شخصا في نيوزيلاندا من شعوب الماوري أي ما يعادل 17 بالمئة من مجمل السكان، حسب الإحصاءات التي قدمتها الحكومة. وتمثل شعوب الماوري ثاني أكبر مجموعة إثنية في نيوزيلاندا بعد النيوزيلانديين من أصول أوروبية.

وفي الوقت الذي يتزايد فيه انتشار وشوم “موكو” شيئا فشيئا، مازال الأشخاص الحاملين لهذه الوشوم يتعرضون للتمييز ويتم استهدافهم بتجاوزات عنصرية. وخلال العام الماضي، تم إطلاق عريضة لمنع التمييز بحق الأشخاص الذين يحملون وشوم “موكو”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى