الوكالة الوطنية للإعلام – المُرتَضى في أمسية ثقافية بدعوة من سفير الهند: نتطلّع الى ان تبقى الهند رائدة عدم الانحياز الا في انحيازها للحق في مواجهة الاحتلال
وطنية – دعا سفير دولة الهند محمد نور رحمن شيخ الى أمسية ثقافية في فندق الهيلتون ميتروبوليتان أحيت خلالها فرق هندية ولبنانية وصلات رقص وغناء وعزف استرجعت تراث الهند الموسيقي والغنائي بحضور سفراء ونواب ولفيف من الدبلوماسيين والفاعليات الامنية والثقافية.
ولبّى وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المُرتَضى الدعوة ممثلًا بالكاتب والاعلامي روني ألفا الذي اعتبر في المناسبة أن ” هناكَ جانِبٌ مِن العلاقات اللبنانيَة الهِنديَة لَم يُكتَشَف بَعد وهوَ يوازي اكتشاف كريستوف كولومبوس للقارّة الأميركيّة. إنه الجانب الفلسفي والأدبي من العلاقة. ربندرانات طاغور على سبيل المثال درسناه في الباكالوريا اللبنانية في قسمها الثاني فرع الفلسفة آنذاك أي على أيامنا عندما كانت شاشات التلفزة بالأبيض والأسود وعندما كان حجم الراديو بحجم نصف غسالة أوتوماتيكية.
أضاف: ” طاغور لم يمرّ في وجداننا مرور الكرام. أدرجته المناهج آنذاك مع أبي العلاء المعري والإمام الغزالي ولكن مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وسواهم أيضًا من الأدباء والشعراء والفلاسفة. كان طاغور بالنسبة إلينا مُلهِمًا وثائرًا أُمَميًّا ولم نصنّفهُ رجلَ سياسَة وكِياسَة. صنّفناهُ مُلهَمًا يعانقُ المطلق وكان ذلك أولَّ مؤشرٍ في وجداننا الطَّالبي من أن الرجلَ يعكس إنسانية الإنسان وينضحُ بالأسئلة الوجوديَّة التي يطرحها الفكر الإنساني بصرف النَّظر عن دينه وجنسيته. طاغور بالنسبة الينا لم يكن هندوسيًا ولا مسيحيًا ولا مسلمًا ولا سيخيًا ولا براهمانيًّا ولا أيِّ متديّنٍ ينتمي إلى فرقة ناجية. كان طاغور إنسانًا يضجُّ بالوجدان البشري في كل زمان ومكان وما إسهاماتُ طاغور إلى جانب مئاتِ الفلاسفة والمفكرين الهنود سوى إرهاصاتٍ لسياسةِ الهند كدولة تعدديةٍ بتنوعها الثقافي تشبه الى حدٍ بعيد تعدديَّتنا الثقافيةَ في لبنان.
وأردف ألفا: ” من هذا المنظور ساد لدينا الاعتقادُ الذي بات يقينًا عندما بلغنا من العمر عتيًّا أن ما بين لبنان والهند عروةٌ وثقى في قيم الحوار والانفتاح على الآخَر.
لقد حفظنا كثيرًا من طاغور. حاولنا أن نكون مقلِّدين لأشعاره وشطحاته النرفانيَّة في قربان الأغاني وسلّة الفاكهة وكنّا نطلقُ العَنانَ لمواهبنا الغضّةِ عندما كنا نفرح أن طاغوراً أحدُ الاسئلة المطروحة في الإمتحانات الرسمية اللبنانيَّة.
وأكد أن ما بين لبنان والهند ” أعمقُ وأشملُ من العقود المُبرمةِ في حقول التكنولوجيا المتطورة والروبوتيكِ والدواء على أهميتها لأنَّ الدواء من يد صديق أكثرُ فاعليَّةٍ في الشفاءِ من العِلَّةِ من دواءٍ مَسمومٍ نتناولُهُ من أيدي الأممِ الغريبة.”
ومستعيدًا حديثه عن الشاعر الهندي طاغور تابع: ” يقولُ طاغور في سلّة الفاكهة والذي عرَّبه الأب الفيلسوف يوحنا قمير الذي قُيِّضَ لي إجراءُ مقابلة معه في بيته النسكي في تنورين منذ حوالي أربعينَ سنة : أنا لا أظفرُ بالراحة. أنا ظامئٌ الى الأشياء البعيدة المنال. إنَّ روحي تهفو توّاقةً الى لمسِ طَرفِ المدى المظلم”. في هذا الإبتهال مسيحيةٌ متراميةُ الأطراف وصلاةٌ أمميةٌ تتعدى الطقوسَ وتعبّرعن مكنونات النفس الإنسانيَّة في شوقها المشدود والمشدوهِ الى الله”.
وتوجه ألفا بإسم المُرتَضى لصاحب الدعوى بالشكر مستذكرًا مجددًا مقطعًا من قربان الأغاني: ” الأشخاصُ الأجملُ من بين الذين قابلتُهم هم أولئك الذين عرفوا الهزيمةَ والكفاحَ والعذابَ والخسارةَ ووجدوا طريقتَهم الخاصة للخروج من الأعماق السحيقة. هؤلاء الأشخاص لهم رؤيتُهم وحساسيَّتُهم وفهمُهم للحياة. يملؤهم التعاطفُ مع الآخرين والتواضعُ والبساطةُ والقلقُ المُحِبّ” ومعلقًا: ” أفلا ترَونَ معي المهاتما غاندي مجسِّدًا لكل هذا الصفات؟ أَلم يكن مهزومًا فانتصر ومكافحًا فتحرَّر ومعذَّبًا فأراح وخاسرًا فَغَلَب فخرجَ وأخرجَ أمَّتَهُ ووطنَهُ من نير الإحتلال والعنصرَّية؟ ألم يتغلّب بجسدٍ مُمدَّدٍ واحدٍ ونَحيلٍ على أعتى دبابات العالم؟ أفلا ترونَ معي أنَّ جثامينَ اطفالِ غزّةَ يتغلّبون هم أيضًا على الدبّابة الصهيونيَّة فخرِ الصناعةِ العسكريَّة الإسرائيليَّة؟
أفلا تَرَون معي أيضًا أنَّ في وادي الحُجَير مئاتٌ من المهاتما غاندي الذين حوّلوا في العام 2006 عشرات دبابات الميركافا الى خرضة يُباعُ حديدُها بالكيلو؟
أفلا تعتقدونَ أيضًا سعادة السفير أنَّ دولَتَكم معنيَّةٌ بهؤلاء الأبطال الذين يشبهون إلى حدٍّ بعيد بطولةَ الماهاتما الذي تغلّب بجسده الأعزل على الدبابة فعزَلَها وهي في ذروةِ جبروتِها؟
وختم ألفا مخاطبًا السفير ” أنتم تمثّلون سعادة السفير دولةً عظمى في جنوب أسيا وقد كانت بلادُكم سبّاقَةً إلى تأسيس مفهوم عدم الإنحياز في العالم في العام 1945 وها نحن اليوم نلوذُ بكم أن تُبقوا علىى عدم انحيازِكم باستثناء انحيازِكم للحق الفلسطيني واللبناني للتخلص من نير الإحتلال الإسرائيلي؟ سعادة السفير كان لي شرفُ زيارة بلدكم العظيم والضارب في التاريخ منذ سنوات قليلة. أدهشتني دلهي بأناقة البساطة ووداعة أهلها. يومها تغزَّلتْ ذكرياتي بحاضِري فقصدتُ إحدى المكتبات بالقرب من الفندق لأشتري كتبَ طاغور فاستَكمِلَ ما إملِكُه منها في مكتبتي الخاصَّة. دخلتُ واثقَ الخطوة وسألتُ عن كُتب طاغور وبادرني المسؤول بالسؤال أيُّ كُتبٍ تُريد. أجبتُ بأني أريدُ شراءَها كلَّها. تغيّرَت تدويرَةُ شَفَتَيّ المسؤول ورسَمَ مشروعَ بسمة ممزوجَةٍ بالتهكُّمِ والاحترام واصطَحَبَني إلى غرفة فسيحة مشيرًا إلى جدرانٍ أربعةٍ مدججةٍ بالكُتب من الأرضية الى السقف مضيفًا أن كلَّ ما تراه هنا هو كتبُ طاغور فإذا كنت تملكُ حافِلَةً كبيرة لشَحنِها كلِّها بِعتُها لَك.
وختم مؤكدًا” أن هذه هي قيمةُ الهند أي نشرُ الكلمة. يومَها استحضَرَتني آيةٌ من سورَةِ البقَرَة في القرآن الكريم تقول ” يسمعونَ كلامَ الله ثمَّ يحرّفونَه” فحاشاكُم صِدقًا سعادة السفير أن تكونوا مَعنيين بها وغفرَ الله لبعضِ أهلِ الكتاب الذين بلغَتهُم كلمةُ الحق وحرّفوها وذهبوا إلى التطبيع مع أعداءِ الله والإنسان”.
========
مصدر الخبر
للمزيد Facebook