آخر الأخبارأخبار محلية

البديل من الطائف يقود إلى الفوضى

ما يُمكن ملاحظته من خلال مجريات الأحداث على الساحة اللبنانية هو “تعويد” اللبنانيين على “هضم” فكرة الفراغ في رئاسة الجمهورية، وما يستتبعها من فراغات متوالدة على مستوى السلطات الأخرى، تشريعية وقضائية، وإلى حدّ ما على مستوى السلطة التنفيذية بفعل مقاطعة وزراء “التيار الوطني الحر” لجلسات الضرورة القصوى، التي تعقدها الحكومة، وبالأخص في ما يتعلق بالقضايا المصيرية كمسألة النزوح السوري، القديم منه والمتجدّد، وما يترتب عنه من مضاعفات خطيرة سبق أن حذّر من خطورتها الرئيس نجيب ميقاتي في كلمته من على منبر الأمم المتحدة، وكذلك القادة الأمنيون، الذين في حوزتهم تقارير تؤكد ما يمكن أن يتعرض له لبنان من خضّات على المستوى البنيوي لكيانه الديموغرافي والاجتماعي. 

Advertisement

وقد يكون أخطر ما في هذا الاعتياد محاولة فرض معادلة جديدة في مفهوم الحياة الوطنية والسياسية من أنماط تناقض فرضية التوازنات القائمة في البلاد، والتي أرساها اتفاق الطائف حفاظًا على الصيغة الفريدة لتنظيم العيش المشترك بين اللبنانيين. وهي صيغة ارتضاها اللبنانيون بطيبة خاطر ومن دون املاءات خارجية، على رغم ما اعترضها من خضّات موسمية طارئة لم تؤثّر على هذه النمطية في تدبير شؤون الدولة بما يؤّمن حقوق الجميع تحت سقف الدستور والقوانين المرعية الإجراء، مع اقتناع الجميع بضرورة تطوير ما يجب تطويره أو تعديله في وثيقة الوفاق الوطني بعد تطبيقه نصًّا وروحًا، ومن دون الإفساح في المجال أمام محاولات الانقلاب على هذه الوثيقة، كما يحاول البعض الإيحاء بهذا الأمر. 
فما قاله مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في ذكرى المولد النبوي الشريف مؤشر إلى أن الوعي لدى القيادات الروحية وبعض المسؤولين يعَّول عليه لتخطّي المرحلة الصعبة، تمهيدًا لاستعادة لبنان وضعه شبه الطبيعي. فالمفتي قال عن الوضع العام وعن الأزمة الرئاسية: إن “الحراك الداخلي هو الأساس في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والحراك الخارجي هو عامل مساعد وداعم، وهذا يعني أن على القوى السياسية والكتل النيابية، أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية أمام الله والوطن والناس، وينبغي على اللبنانيين التقاط الفرص التي تقدم لهم. فالفرصة لا تعوض إذا لم نحسن التعامل معها، على أساس مصلحة الوطن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، والاستحقاق الرئاسي سيحصل، مهما اشتدت العواصف، كي نضع حدا لآلام اللبنانيين، وكي يعود الدور الفاعل إلى الدولة ومؤسساتها، فإنه لا تغيير في النظام اللبناني، وسيبقى اتفاق الطائف الضامن للشراكة الإسلامية – المسيحية، والعيش المشترك، ولا مكان للطروحات التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين في وطنهم لبنان، بلد الوحدة والتنوع. 
فبمثل هذا الكلام يمكن الابتعاد عمّا يحاول البعض تمريره في غفلة من الزمن، وفي الوقت الذي يعتقد هذا البعض أن اللبنانيين غافلون عمّا يدور في الكواليس، وأن محاولات الهائهم بتأمين حاجياتهم اليومية بصعوبة سيجعلهم يغضّون الطرف عن تصرفات قد تكون غريبة عن عاداتهم وعن أصالتهم وعن تمسكّهم بما يجمع بينهم، وهو أكثر بكثير مما يفرّقهم ويباعد بين بعضهم البعض. والدليل أن ما مرّ عليهم من ظروف قاسية لم تستطع أن تغيّر ما في طباعهم شيئًا، وأن تبدّل قناعتهم بالعيش معًا تحت سماء واحدة، وعلى أسس واضحة وسليمة. 
فهذه القناعة الجماعية لدى أغلبية اللبنانيين هي التي ستقودهم حتمًا إلى اختيار رئيس لجمهوريتهم يؤمن بوحدة الشعب والمؤسسات، ويعمل على صهر هذه الوحدة في قالب دستوري جامع، كمقدمة لازمة وحتمية لإعادة بناء ما زعزعه انعدام الثقة بين اللبنانيين في مرحلة من المراحل، واستعادة ثقتهم بدولتهم الجامعة والموحَدة والموحِدة، تمهيدًا لعودة حياتهم إلى طبيعتها، ولو تدريجيًا.  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى