آخر الأخبارأخبار محلية

السباق الرئاسي… تعادل سلبي

أذكر من بين الأشياء التي لا أزال أتذكرها من طفولتي أن ردّة فعل أي منّا عندما كانت توجه إليه المعلمة لومًا أو توبيخًا عن عمل غير لائق كان يُرتكب في الصفّ كنا نوجّه الاتهام إلى الآخرين، كل الآخرين، مع تجهيل الفاعل. وهكذا كانت المعلمة تقع في الإرباك. وغالبًا ما كانت تلجأ إلى حيلة قديمة، وهي مقاصصة الجميع من دون استثناء حتى يعترف الفاعل بفعلته، أو حتى يشي أحد بزميل له، ويتوافق الجميع على اعتباره “كبش محرقة”، فينجو الفاعل الحقيقي من فعلته، ويُلام من لا تجب ملامته، لأن الفاعل الحقيقي ذو سطوة ومن “أصحاب السوابق الصبيانية”، ولا أحد يخالفه في الرأي، ويصفقّون له، ظالمًا كان أم مظلومًا. 

ولأن هذه “العادة” لا تزال راسخة في لاوعي كل واحد منّا، وبالأخص الأشخاص الذين انتدبوا أنفسهم أو انتدبهم الناس للعمل السياسي، فلا نفعل شيئًا سوى إبعاد التهم عن أنفسنا وإلصاقها بالآخرين. وهكذا تضيع “الطاسة”، ولا تعود تُعرف هوية المقصّر، أو الفاسد، أو المحرّض، أو الفاعل.  

وقد تصحّ أغنية وديع الصافي في ما نعيشه هذه الأيام نتيجة الانقسام العمودي وحتى الأفقي بين اللبنانيين الذين هم مع خيارات قوى “الممانعة” أو أولئك الذين هم في صفوف “المعارضة”، أي القوى المسيحية ومعهم بعض “المستقلين” و”التغييريين”. تقول الأغنية:  

لا أنت راضي ولا أنا راضي أيام ع بتـــركض على الفاضي 
وبيجمدوا الكلمات ع شفافي لمن عبالي يخطر الماضي 
كان الصفا من حبنا ياخد صفا 
صرنا على ديار الصفا نركض حفا 
كل ما لقينا تنين مبسوطين 
كل ما لقينا حباب فرحانين 
منقول رزق الله على الماضي 

فكما أن لا أحد في لبنان راضٍ، فإن أعضاء اللجنة الرئاسية الخماسية غير راضين أيضًا. وسبب عدم رضى هؤلاء وأولئك أن كل فريق من الأفرقاء اللبنانيين يغني على ليلاه. فـ “الثنائي الشيعي” يتصرّف في الواقع الرئاسي من منطلق أن لديه فائضين من القوة: الفائض الأول هو فائض السلاح، الذي يضعه جانبًا، وقد يضطّر لاستعماله في الداخل عندما يشعر أن ظهر المقاومة لم يعد محميًا، أو عندما يرى أن هذه المقاومة مهدّدة مباشرة. وهذا ما حصل في أيار من العام 2008. 

أمّا الفائض الثاني فهو فائض “وحدة الكلمة الشيعية”، وهو فائض دستوري، حيث إن ميثاقية الـ 27 نائبًا شيعيًا مؤمنة وحاضرة وجاهزة للاستعمال في أي استحقاق، وبالأخصّ في الاستحقاق الرئاسي. وهذا ما يجعل الفائض الثاني أقوى من الأول، لأن في استطاعة كل من الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله استخدامه في أي وقت، وفي الأمور الكبيرة كالانتخابات الرئاسية مثلًا، وفي فرض الوزير الشيعي في وزارة المالية عند تشكيل أي حكومة، وفي تضمين البيان الوزاري ما يحفظ حق المقاومة ضمن معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، أو في الأمور الصغيرة كالتعيينات مثلًا، أو مقاطعة جلسات مجلس الوزراء لأسباب ثانوية، وبالتالي فرض نمطية معينة في إيقاع جلسات مجلس النواب. 

أمّا في المقلب الآخر من المشهدية العامة فإن قوى “المعارضة”، وإن لم تكن كلمتها موحدة كما هي الحال لدى “الثنائي الشيعي”، قادرة على التعطيل هي أيضًا، وقادرة على فرض إيقاع سياسي معين، بحيث أن وقوفها مجتمعة ضد ترشيح فرنجية لا يزال يحول دون تمكّنه من تجاوز عتبة الحاصل، الذي يؤهله نظريًا للفوز بالرئاسة، على رغم قوة الفائضين لدى “الثنائي الشيعي”، فضلًا عن تقاطع هذه القوى أمام أي استحقاق في حال بقيت “المصلحة المشتركة” جامعة لكل من تكتل “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي”، وهي مصلحة يراها الفريق الآخر ظرفية وهشّة، ولا يمكن المراهنة عليها في مواجهة “الوحدة المتينة” لدى “الثنائي الشيعي”. 

من هنا يمكن القول أن الفريقين اللذين يمسكان البلاد بطرفيها متعادلان سلبيًا، وبالتالي فإنه من المستحيل الوصول إلى تسوية معينة ما لم ينزل كل منهما عن شجرته. ولنا في هذا حديث آخر.   
  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى