الوكالة الوطنية للإعلام – عوده أمل انتخاب رئيس يملك رؤية ويسعى للانقاذ: لعدم إعاقة عمل المحقق الأصيل في انفجار المرفأ إظهارا للحقيقة وإرساء للعدالة

وطنية – ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “ما سمعناه اليوم هو جزء من موعظة المسيح على الجبل، كما دونها الإنجيلي لوقا، وهي تختصر تعليم المسيح. المسيح الخالق يعرف قدراتنا جيدا، لذا عندما أعطانا الوصايا المذكورة في إنجيل اليوم، لم يطلب ما لا علاقة لطبيعتنا به. تعليمه يوافق طبيعتنا، لأنه جبلنا وفقا لهذا التعليم الذي سوف يعطينا إياه. إذا، وصايا المسيح مغروسة في الإنسان بالفطرة. هذا ما يقوله لنا القديس يعقوب أخو الرب بوضوح عندما يوصينا قائلا: «إقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص نفوسكم» (1: 21). الكلمة مغروسة، لكن ينبغي أن نقبلها عن طريق التعليم، لأننا نجهل طبيعتنا. الحاجة إلى وجود تعليم شفهي أو كتابي ليست سوى دليل على تغربنا وتشتتنا الداخلي. لقد وضع الله المعرفة العملية في طبيعتنا، وكتب شرائعه في أذهاننا. فمشيئته هي التي أتت بنا إلى الوجود، وهي التي تحفظنا فيه. لكننا نجهل كيف يريدنا الله أن نعيش الحياة التي أعطانا”.
أضاف: “إذا، كلمة المسيح مغروسة في طبيعة الإنسان، لكن يبدو أن إدراك معناها يفوق الطاقة البشرية، والاقتداء بها يأتي بعد محاولات عديدة. زمن حياتنا هو الفرصة المعطاة لنا لنبدأ محاولات الإقتداء بوصايا الله. إنها مسيرة شاقة وسهلة معا. هي الطريق الضيقة المحزنة، لكنها حمل خفيف أيضا. إنجيل اليوم يصف سهولة الوصايا إذ نقرأ قول الرب: «كما تريدون أن يفعل الناس بكم كذلك إفعلوا أنتم بهم». في هذه القاعدة خلاصة تعليم المسيح عن علاقتنا بالآخرين. وصاياه ليست مغروسة فينا وحسب، بل هي عادلة وسهلة، نافعة ومفهومة من الناس أجمعين. إنها عادلة لأنها تفترض المقاييس نفسها في أفعالنا وفي أفعال الآخرين، وسهلة لأننا نفهم جيدا حقوقنا ونعرف ما نطلبه من الآخرين بدقة، وهي نافعة لأن الأرض تصبح بها فردوسا. الأمر الوحيد الذي تطلبه منا الوصايا هو أن نعطي الآخرين ما نريده ونطلبه لنفوسنا بوفرة. لا شك أن المنطق يظهر سهولة تطبيق الوصايا، لكن الواقع يدل على العكس، حيث يبدو أن حفظها يتطلب غصبا. أحيانا يقول المسيح، الذي دلنا اليوم على سهولة حفظ الوصايا، إن ملكوته «يغصب والغاصبون يختطفونه» (مت 11: 12). ملكوت السماوات هو ملكوت المحبة التي هي «كمال الناموس». إنه الملكوت الذي يقيم داخل الناس (لو 17: 21)، ويظهر حضوره بالفضائل التي تكتسبها النفس البشرية التي تخطت حب الذات والأنانية، وتابت عن خطاياها. عندما يسمع الناس قول الرب: «كما تريدون أن يفعل الناس بكم كذلك افعلوا أنتم بهم»، يطبقونه في دائرة الأصدقاء. يعطون وينالون بالمساواة، يحبون ويحبون، «لكن الخطأة أيضا يفعلون هذا». إن التقيد بالقاعدة الذهبية مع الذين ليست لدينا مشكلة معهم لا يعتقنا من الخطيئة، ولا يخلصنا. يكمن الخلاص في الخروج من الدوائر الضيقة لذوي الآراء المتشابهة. طبعا، هذا لا يعني أننا لا نحتاج إلى دائرتنا الضيقة التي تريحنا وتشددنا في الإيمان، لكن ينبغي ألا يختلف تطبيق وصايا الرب في دائرتنا عما هو خارجها”.
وتابع: “إن الرغبة في أن يحبنا الآخرون، من دون أن ننمي بذار المحبة في قلوبنا، هي نتيجة مرض روحي. قد يحدث مرارا كثيرة أن نحسن إلى الآخرين، لا بدافع المحبة المنزهة عن المصلحة الشخصية، بل رغبة في محبتهم. غير أن المحبة الحقيقية لا تتماشى والمصلحة، وهي لا تضع شروطا، ولا تنظر إلى المحسن إليه هل هو صالح أو شرير. لا تقرض مرتجية أن تنال ما يساوي القرض، وتحب دون أن تنتظر أو أن تطلب مقابلا. هذه المحبة دليل صحة نفسية، الصحة التي اكتسبت من خلال دفع الذات في جهاد نفسي وجسدي يحمل الصليب كصفة أساسية. ينتهي إنجيل هذا الأحد بعبارة «كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم» التي تلخص كل الوصايا الواردة قبلها، لأن الرحمة هي الوجه العملي لكل الوصايا. فبعد أن أوصى الرب سامعيه «أحبوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا غير مؤملين شيئا» دعاهم أن يكونوا رحماء، على صورة الآب الذي هو رؤوف وشفوق وغفور ومحب وطويل الأناة وغزير الرحمة”.
وقال: “ما وصل إليه بلدنا هو نتيجة لانعدام الإيمان وقلة المحبة وطغيان الأنانية والمصلحة، ما يطمس الإنسانية في قلب الإنسان ويلغي الرحمة والتعاطف، فتتغلب المصلحة الشخصية على محبة الآخر، وينشأ الاستغلال والاحتكار، والربح غير المشروع، وغيرها من الآفات، كل ذلك في سبيل حب الأنا. نسي الجميع وصية المسيح: «كما تريدون أن يفعل الناس بكم إفعلوا أنتم بهم»، فنكلوا بأخيهم المواطن، وجعلوه مطية لمصالحهم، ووسيلة لإدراك غايتهم، لذلك عم الفساد وصار أسلوب حياة، وأصبح الواحد يطلب ما لنفسه ولو على حساب الآخر، وهذا ما نعاينه يوميا في تصرف المسؤولين والمواطنين، وما شاهدناه وأحزننا عندما تقابل أمام قصر العدل ذوو الموقوفين يطالبون بالعدالة لهم، وذوو الضحايا المطالبون بالعدالة لضحاياهم. العدالة لا تتجزأ، وعندما تسود تشمل الجميع. لذا أملنا أن يطالب الجميع، معا، بإظهار الحقيقة وإرساء العدالة للجميع، وهذا يحصل عندما يترك المحقق الأصيل يقوم بعمله دون إعاقة أو تدخل. ليس جيدا أن يحب الإنسان نفسه ويبغض أخاه، وليس عدلا أن يحفظ الإنسان رأسه ولو هلك الآخر. لذلك على جميع معرقلي العدالة أن يتخطوا مصالحهم وينزعوا حصاناتهم ويسهلوا عمل القضاء لكي ينال كل ذي حق حقه. الرحمة التي أوصانا بها الرب ليست شعارا بل هي تطبيق عملي للشعور بالرأفة الذي يتغنى به البعض تمويها. وعوض رفع الشعارات عليهم المطالبة بمحاسبة كل من يقترف خطيئة تجاه إخوته البشر، خصوصا الذين يستغلون أوجاع الناس وآلامهم ويأسهم ويتاجرون بحياتهم. ألم يحن الوقت لوضع حد لكل من يرمي الفقراء في فم الموت غرقا؟ هل معرفتهم ومحاسبتهم بهذه الصعوبة؟”
أضاف: “نحن نفتقر إلى مسؤولين يكيلون بمكيال واحد، ويعاملون الجميع بحسب ما يمليه القانون، دون مواربة أو انتقائية. وبما أننا على أبواب انتخاب رئيس للجمهورية، أملنا أن يتم هذا الاستحقاق دون تأخير، وأن لا يصل إلى المركز أي ساع إلى كرسي أو لقب، بل من يملك رؤية وبرنامج عمل، ويكون ذا مصداقية، ويسعى إلى إنقاذ أشلاء هذا البلد، لا أن يكتفي بالوصول إلى المركز وتحقيق الأطماع التي يحملها، والجوع إلى السلطة والمال. كذلك نأمل أن يكون النواب على قدر الثقة التي أولاهم إياها الناخبون وألا يستخدموا الوكالة بخفة وعشوائية. عرف لبنان بتميزه وفرادته، ويكاد يكون البلد الديمقراطي الوحيد في محيطه حيث درجت عادة تداول السلطة، لكنها للأسف تعطلت، وأملنا أن نعود إلى أصالتنا وتميزنا وأن يعود لبنان إلى دوره الريادي وألقه”.
وختم: “دعوتنا اليوم أن نكون رحماء وأن نعي مقدار ضعفنا وخطايانا، أن ننتبه إلى أفعالنا وأقوالنا، وألا نجرح أحدا، بل أن نكون بلسما يطري الجراح ويخفف الآلام، لأننا بهذا نكسب الآخرين، فيمجدون، بسببنا، الرب الخالق، ويحفظون وصاياه ويعملون بها مثلما فعلنا نحن”.
==== ن.ح.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook