آخر الأخبارأخبار محلية

مدمنون على لوائح الانتظار: التعاطي أقلّ كلفة من العلاج

كتبت زينب حمود في “الأخبار”: «تكربج» الأزمة الاقتصادية في لبنان مساعي مكافحة آفة المخدرات، بدءاً من الضّغوط التي تسبّبت بها وتحوّلت دافعاً للتعاطي، إلى ترهّل الأمن واكتظاظ السّجون الذي «فلّت» العصابات وتجّار المخدّرات، وأغرق السّوق بمواد مخدّرة يقلّ ثمنها عن كلفة العلاج من الإدمان، وليس آخرها هشاشة القطاع الصحي الذي قطع طريق «التوبة» على المدمنين، فصارت المستشفيات ومراكز التأهيل «تدعو» طالبي العلاج إلى الاستمرار في التعاطي أسابيع وشهرواً ريثما يأتي دورهم

تشكّل الأزمة الاقتصادية الخانقة بتبعاتها المختلفة على الصّحة النفسية أهم عوامل تعاطي المخدرات. واستخلصت دراسة استقصائية أعدّها المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان (EMCDDA)، بين آذار وأيار عام 2021، على 274 شخصاً في لبنان يتعاطون نوعاً واحداً من المخدرات على الأقل، أنّ الدافع الأساسي لـ 77% ممن يتعاطون حشيشة الكيف، مثلاً، هو «الاسترخاء» و«تخفيف الضغط»، وليس لـ«التسلية» و«تغيير المزاج» كما كانت تشير إليه النسب الأعلى من المتعاطين في دراسات سابقة. وقد «أودى اليأس والضغوط النفسية والعصبية بكثيرين إلى المخدرات لينسوا همومهم»، بحسب رئيسة جمعية «سكون» لعلاج مستخدمي المخدرات وتأهيلهم تاتيانا سليمان، مشيرة إلى «ظاهرة جديدة في التعاطي بحجة التنشّط والحاجة إلى طاقة أكبر لتحمّل عناء القيام بأعمال إضافية بسبب تدهور الأوضاع المعيشية».

 

ويتبيّن ارتفاع نسب التعاطي أيضاً من تزايد عدد طالبي العلاج على لوائح الانتظار وعدم قدرة المستشفيات ومراكز التأهيل على الاستجابة، إذ «ينتظر المدمن حوالي 20 يوماً ليجد سريراً لسحب السموم من جسمه، وهي عملية تستمر بين أسبوع وعشرة أيام، لأن القدرة الاستيعابية في المستشفى لا تتعدى الـ 55 شخصاً، 10 منهم فقط للعلاج من الإدمان والباقي للأمراض النفسية»، كما يقول مدير مستشفى «دار الشفاء التخصّصي» علي مؤذن. وتشير سليمان أيضاً إلى «طول لوائح الانتظار في مراكزنا في بيروت وطرابلس وبعلبك بشكل غير متوقع. فبعدما كان بين 5 و10 فقط ينتظرون دورهم قبل الأزمة، تضم اللوائح اليوم حوالي المئة».
ويزيد الأمر سوءاً الانهيار الذي أصاب القطاع الصحي عموماً بفعل الأزمة، وخصوصاً تلك المتخصصة بعلاج الإدمان، إذ إن هناك أربعة مستشفيات فقط تعمل في هذا المجال، واحد منها فقط حكومي (مستشفى ضهر الباشق) بعدما أقفل الجناح الخاص بإزالة السموم في مستشفى رفيق الحريري الحكومي مع انتشار وباء كورونا وعدم إعادة فتحه بعد انتهاء الجائحة. ويتدنّى عدد الأسرّة في هذه المستشفيات إلى 10 فقط في مستشفى «الصليب للأمراض العقلية والنفسية» و«الشفاء التخصصي». و«ما تغطيه وزارة الصحة من بدلات سنوية لا تكفي لتأمين طعام النزلاء، فما بالك بالطبابة والأدوية؟ إذ تسدد وزارة الصحة 121 ألف ليرة لقاء علاج المريض الواحد في اليوم، فيما تبلغ كلفة علاجه فعلياً 60 دولاراً»، كما يشرح مؤذن. وهذه الكلفة تقع على عاتق المريض نفسه الذي «يستمر أحياناً في الإدمان قسراً لأنه لا يملك ثمن العلاج».

 

هل يمكن التعويل إذاً على الدعم الدولي؟ ببساطة كلا. إذ إن مسألة المخدرات ليست أولوية في برامج المموّلين، هذا ما تؤكده مراد، ويشير إليه مشروع «مخطط الاستجابة للأزمة اللبنانية» LCRP التي تشارك فيه جهات دولية. الأهداف الثمانية للمشروع، كما ترد في موقع الأمم المتحدة، تخلو من مكافحة المخدرات وتقديم الرعاية الاجتماعية للمدمنين، إذ يتصدّر الأمن الغذائي أولوية الجهات الدولية بقيمة 975 مليون دولار، فيما نالت الحماية الاجتماعية 229 مليون دولار فقط، وتتجزأ الحماية بين المخدرات وغيرها من القضايا. وأشار المشروع في تقريره لعام 2022-2023 عن «تأثير الأزمة الاقتصادية بعد عام 2019، وزيادة الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية من غذاء وصحة وتعليم وخدمات أساسية ومحاربة الفقر المدقع، وتواصل الاستجابة لهذه التحديات في عام 2022».
وتلفت سليمان الى أن «المنح التي نحصل عليها تكفينا لتغطية علاج جميع المستفيدين ويبلغ عددهم 500 سنوياً، يقضون بين تسعة أشهر وسنة، وتُقدّر كلفة علاج كل منهم بألفَي دولار، إضافة إلى تكاليف الأدوية، لكن ذلك لا ينفي وجود أزمة مالية جديّاً. فالهيئات الدولية تدعم برامج لمدة زمنية محددة وقد تقطع تمويلها في أي لحظة، وهي قلّصت دعمها لبرنامج مكافحة المخدرات فعلاً».
في الخلاصة، لم نعد نتحدث عن أزمة انتشار المخدرات فحسب، بل عن أزمة استجابة لتفشّي المخدرات، في ظل انعدام القدرة الاستيعابية في المستشفيات ومراكز التأهيل للأعداد المتزايدة من المدمنين.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى