آخر الأخبارأخبار محلية

القضاء بين بشري وبقاعصفرين: لا حسم للنزاع

كتبت لينا فخر الدين في” الاخبار”: مع تفاقم الخلافات بين بشري وبقاعصفرين على ملكيّة القرنة السوداء واستغلال الموارد المائيّة فيها، احتكم الطرفان إلى القضاء الذي أقفل على المستندات في أدراجه من دون أن يحسم النزاع، القانون نفسه يحكم بين الجهتين، إلا أنّ لكل منهما وجهة نظره: «البشرانيون» يؤكّدون أنّ النزاع قضائي بحت، و«الضناويون» يرون فيه نزاعاً إدارياً.

Advertisement

بحسب رئيس بلديّة بقاعصفرين، لا صلاحيّة للقاضي العقاري للنظر في القضيّة ولا يمكن تعديل الخرائط المُعتمدة إلا بقانونٍ يصدر عن المجلس النيابي. وهو ما يؤكده وكيل الدّفاع عن بلديّة بقاعصفرين المحامي مازن إسطنبولي. يبدأ حديثه من افتقار جرد الضنيّة لمياه الري، ما حتّم اللجوء إلى إنشاء بركة اصطناعيّة بتمويل أوروبي وفق المعايير العالميّة للحفاظ على البيئة. بدأ العمل عام 2020 «قبل أن نصطدم بدعوى من بلديّة بشري أمام قاضي العجلة الذي أصدر قراراً بـ«وقف الأعمال لخضوع هذه الأراضي للنطاق الإقليمي لبلديّة بشري»، علماً أنّ «البركة تبعد أكثر من 3 كيلومترات عن القرنة السوداء لجهة قضاء المنية – الضنية وداخل النطاق العقاري لبلدية بقاعصفرين». لم تنفع المراجعة التي قدّمتها الأخيرة، إذ أكد القاضي على قراره السابق لتتحوّل القضيّة إلى محكمة الاستئناف الناظرة في قضايا الأمور المستعجلة في طرابلس، «من دون أن تصدر حتى اليوم قرارها لأسبابٍ لا نعلمها». يؤكد إسطنبولي أن رئيس الغرفة القاضي أسامة حداد أصدر قراراً دعم موقف الضنية عارضه القاضيان الآخران فشطب القرار، مذكّراً بأنّ وزير المالية في حينه علي حسن خليل باعتباره سلطة الوصاية أحال الملف إلى القاضي العقاري الإضافي لـ «تبيان وتحديد حدود المنطقة الفاصلة بين قضاءي بشري والمنية – الضنيّة».
يفرد محامي بلديّة بقاعصفرين خرائط ومستندات، ويشرح بإسهاب عن خريطة تحمل رقم 85 صادرة في الستينيات، تُظهر القرنة السوداء ضمن حدود «قضاء طرابلس» في حينه، إضافة إلى خرائط صادرة عن مديريّة الشؤون الجغرافيّة في الجيش، منها خريطة لبنان الإدارية الصادرة بالألوان عام 2004، وتضع القرنة ضمن حدود الضنيّة. يرفض إسطنبولي بيان مديريّة الشؤون الجغرافية التي تنصّلت من خرائطها بحجة أنها خرائط عسكريّة خاصة بنقاط الانتشار الأمني، متسائلاً: «إذا كانت كذلك، لماذا عدّلت المديريّة خرائطها بعدما ألحقت بلدة دير بلا بقضاء البترون بدلاً من قضاء بشري، بحسب قانونٍ صادر عن مجلس النواب؟». ويشدد إسطنبولي على أن الدستور يمنع تعديل الحدود إلا بموجب قانون، ويروي عن «تاريخ» من «تزوير» الخرائط، وهو ما يؤكده مهندسون في الضنيّة لاحظوا منذ نحو 10 سنوات ظهور خرائط جديدة خلافاً للقانون، صادرة عن مديريّة الشؤون الجغرافيّة، تلحق القرنة السوداء بقضاء بشري. لذلك كله، تقدّمت بلدية بقاعصفرين بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال الخرائط غير الصحيحة الصادرة عن مديريّة الشؤون الجغرافية والقاضية بتحوير النقاط الحدوديّة بين قضاءي بشري والمنية – الضنية، من دون أن يصدر الشورى أي قرار بعد. ويؤكد إسطنبولي أن «لا صلاحيّة للقاضي العقاري بتحديد وتبيان الحدود الفاصلة بين الأقضية، خصوصاً أنّ النزاع يشمل أكثر من 10 كيلومترات. مع ذلك، قدّمنا الخرائط والمستندات التي تُثبت الحدود الجغرافية بين القضاءين منذ إنشاء لبنان الكبير».
يلفت رئيس بلديّة بشري فريدي كيروز، من جهته، إلى «أنّنا نتابع الموضوع قضائياً ولا نريد أن نتعدى على أراضي أحد ولا نقبل أن يتعدّى علينا أحد»، مشدّداً على «أنّنا نرضى بما يصدر عن القضاء».
الوكيل القانوني للبلديّة المحامي عبدو لحود ينفي أن «تكون الدولة قد حدّدت الحدود بمراسيم جمهورية، وبالتالي أن يكون الخلاف بين البلديتين إدارياً، إذ إنّ الفرنسيين قبل جلائهم عن لبنان أتمّوا 30% من مهمّة مسح الأراضي اللبنانيّة قبل أن تكمل الدولة اللبنانية عملها بمسح 15%، فيما هناك 55% من الأراضي غير الممسوحة، من بينها القرنة السوداء ومحيطها». ويضيف: «لو كان الخلاف إدارياً، لكان القاضي العقاري رد الطلب لقضيّة مسبقة (أي سبق للدولة أن حسمتها)»، مشدّداً على «ضرورة ترك الأمر للقاضي العقاري بالتعاون مع مديريّة الشؤون العقاريّة ولجنة الخبراء للقيام بدورهم وحسم القضيّة».
ويسرد لحود المسار القضائي الذي انتهجته بلدية بشري منذ أن لاحظت عام 2019 أعمال حفر لبركة في سهل سمارة في محيط القرنة السوداء من دون احترام لقرار وزارة البيئة الذي يصنّف الأراضي التي تعلو عن 2400 متر بأنّها محميّات طبيعيّة. «حينها، راسلنا وزارة البيئة لإطلاعها على الأمر فطلبت دراسة أثر بيئي قبل أن تُصدر قرارها بوقف أعمال الحفر. كذلك أرسلنا عريضة إلى قاضي الأمور المستعجلة في بشري فأوقف تنفيذ أعمال الحفر قبل أن تعترض بلديّة بقاعصفرين ثم تستأنف، ليُحال الملف إلى محكمة الاستئناف في طرابلس، ويصدر محافظ الشمال قراراً بوقف الأعمال في محيط القرنة السوداء «حفاظاً على الوضع الأمني».
رغم ذلك، «بقيت الأمور تتفاقم بعدما أعطت وزارة الزراعة في عهد الوزير غازي زعيتر إذناً، بواسطة المشروع الأخضر، لإنشاء بركة لتجميع مياه في المنطقة، لافتاً إلى أنّ البلدية سارعت إلى تقديم مراجعة إداريّة إلى مجلس شورى الدولة الذي أصدر قراره بوقف الأعمال. كما تقدّمت بمراجعة إدارية مماثلة بعدما غيّرت بلديّة بقاعصفرين اسمها إلى «بلدية بقاعصفرين – القرنة السوداء»، ليُصدر قراره بالإبطال.يؤكد لحود أنّ «القاضي العقاري هو الوحيد المخوّل بحسم هذه القضيّة وبترسيم الحدود وتحديدها». وعن المسار القضائي، يُشير إلى أنّ القاضي العقاري «أنشأ لجنة ترسيم منذ عامين تضم 4 مسّاحين (اثنان مسيحيان وآخران مسلمان). طالبتنا اللجنة بمستندات قدّمناها عبر لوائح لثلاث مرات متتالية لتسهيل عمل المساحين، من دون أن يكون هناك أي تطوّر في عملها».وعن المستندات التي قدّمتها الجهة المقابلة، يقول: «لم تُقدّم بقاعصفرين أيّ مستندات باستثناء خرائط مديريّة الشؤون الجغرافية التي قالت أخيراً إنّها خرائط عسكريّة للانتشار الأمني ولا تعني تحديد الحدود».


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى