هل وَضَعَتْ فرنسا العربة قبل الحصان في رئاسية لبنان؟
Advertisement
وقد تَعَزَّزَتْ هذه المعادلة مع دخول فرنسا الواضح على قاعدة تسهيل العملية الانتخابية وفق الخيار الذي اعتمده «حزب الله»، إلى أن برزتْ وللمرة الأولى منذ فترة طويلة مقاربةٌ داخليةٌ قامتْ على التلاقي على مرشّحٍ لم يفرضه الخارج ولا جاء السيرُ به نتاج تطورات إقليمية بل وليد عمل ودينامية محلية.
ويستحضر باحث خبير في تاريخ الانتخابات الرئاسية محطات نادرة في التاريخ اللبناني تَقدَّم فيها البُعد الداخلي على الخارجي في الانتخابات الرئاسية، وبينها انتخاب الرئيس كميل شمعون (1952) بعد تقاطُع مع كمال جنبلاط، ووصول الرئيس سليمان فرنجية في 1970 حين كان المسارُ الداخلي فاعلاً في الملف الرئاسي، وهذه المرة الأولى منذ تلك الحقبة تبرز دينامية لبنانية عكْس كل الاعتقاد بأن الداخل فَقَدَ أي قدرة على دور مُقَرِّر في الانتخابات الرئاسية. ويلاحظ الخبير نفسه المتغيرات التي عبّر عنها التلاقي الذي جرى على ترشيحه لجهة انها المرة الأولى يحصل توافق مسيحي شامل، برعاية من بكركي والفاتيكان، على مرشح ليس رئيس حزب أو رئيس تيار، بل اسم هو من الأكثر انفتاحاً على الطوائف الأخرى وعلى المنطقة، وعروبيّ. وهذا أمر نادر، إذ عندما حصل الحلف الثلاثي في 1968 – 1970 ذَهَبَ أكثر في اتجاه مقاربةٍ مارونية تقليدية.
ولكن اليوم، وللمرة الأولى ترتسم مقاربة وإجماع مسيحي على هذا المستوى على شخصية لا تمثّل «بروفايل» التقليد الماروني السياسي، أي مرشح ليس ابن زعامة سياسية، أو تيار حزب. وفي إطار معاينة المفارقات التي طبعتْ مسار ترشيحه، تُثار مسألة أن أول مَن سمى أزعور كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع كل وضْعه الخاص والعلاقة الخاصة التي تربطه بالرئيس نبيه بري، من دون أن يقلّ دلالةً تبنّي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل هذا الترشيح، وهو من أبرز حلفاء «حزب الله»، مع توقُّفٍ عند أن هذا المسار بُني فيما كان الخارج وخصوصاً فرنسا تسير بمعادلة أن هناك مرشحاً يدعمه الحزب، وهو سليمان فرنجية، الذي تم العمل بكل الوسائل لإيصاله إلى حدّ أنه طُلب من السعوديين وآخَرين الوقوف جانباً لتسهيل مرور هذا المرشح، وإذ فجأة برزت الدينامية التوافقية الداخلية التي لم تبدأ بالأحزاب المسيحية الكبرى، بل من خلال مبادرة لبعض النواب المستقلين مثل غسان سكاف وغيره، وارتكزتْ على الأسماء التي سبق لجنبلاط أن طَرَحها، إلى أن أخذت هذه الدينامية مداها وكوّنتْ إجماعاً مسيحياً كبيراً ثم تلاقياً واسعاً مع أحزاب أخرى وشخصيات من مستقلين وتغييريين.
وتذكّر الأوساط السياسية العليمة بكواليس الملف الرئاسي ببُعديْه الداخلي والخارجي بأن هذه الدينامية وخلال أقلّ من شهر أفضت الى قيام منافسة متكافئة وحتى متفوّقة، وفق نتائج جلسة 14 حزيران، على المرشح الذي يدعمه حزب الله وتعمل له فرنسا وطُلب من قوى خارجية عدة أن تفسح له المجال ليمرّ، وهذا أدى أيضاً إلى ارتسام مشهدية لم يعهدها لبنان منذ اتفاق الطائف لجهة قدرة البرلمان على لعب دور في الانتخابات الرئاسية، إذ كان هذا الاستحقاق يتم إما على قاعدة تسويات أو اتفاقات بين الأحزاب الكبرى في ترجمةٍ لموازين خارجية. وهذه المرة بات ليس فقط لمجلس النواب، بل لكل نائب دور وتأثير في مجريات الانتخابات الرئاسية، ومن دون الجزم بما إذا كان هذا الأمر سيستمر بحال حصلت تسوية من الخارج.
وتستغرب الأوساط نفسها أن ثمة مَن يعتبر أزعور أو سيتعاطى معه في المرحلة المقبلة على أنه مرشّح الأميركيين، مؤكدة أن هذا غير صحيح، فالعلاقة بين داعمي فرنجية وبين الأميركيين جيدة جداً منذ اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وسليمان فرنجية كانت تعمل له في واشنطن وحتى مرحلة قريبة جداً شخصيات لبنانية عدة، وبعضها لها صفة رسمية في الدولة اللبنانية، سعت لدى الإدارة الأميركية لتسويق فرنجية، وان السفيرة الأميركية في بيروت قالت للرئيس بري إن واشنطن ليس لها مرشح ولا تدعم أي مرشح، ومن هنا موقف الولايات المتحدة الذي يقوم على ضرورة إتمام الانتخابات، ناهيك عن أنه إذا كان لا بد من الكلام من هذه الزاوية فإن الرئيس بري بنفسه قال إن مرشح واشنطن هو قائد الجيش. وتالياً إذا كان هناك مرشح لديه دعم خارجي فهو سليمان فرنجية، الذي يحظى بدعم فرنسي وإيراني وسوري صريح، ولا ينفكّ مؤيّدوه في الداخل عن المفاخرة بأنه يتم تمييزه في هذا الفطور أو ذاك الغداء، في تعبيرٍ عن تعلُّقهم بالمسار الخارجي الذي يراهنون عليه في الملف الرئاسي.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook