آخر الأخبارأخبار محلية

راشقو الحكومة بحجارة المواقف الشعبوية لن تصيب إلّا رؤوسهم

الحديث عن السياسة واهل السياسة لا ينتهي. هو حديث له مقدمات ولكن ليس له نهايات، ولكل من اللبنانيين رأيه في أمور الساعة، وهو حديث كل بيت وكل مقام، حيث لا تخلو أي جلسة من “الحكي السياسي”، وقد أصبح “الكبير والمقمط بالسرير” خبراء في الشؤون السياسية ومحللين من الطراز الرفيع. فلا يقتصر حديثهم عمّا يدور من أحداث على الساحة المحلية، بل تشمل تنظيراتهم السياسة الكونية بكل تفاصيلها، حتى أن البعض منهم لا يقبل إلا الحديث عن مخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه الأوكرانية، وما سوى ذلك من أحاديث لا تمتّ بصلة إلى الواقع المرير، الذي يعيشه اللبنانيون على مختلف انتماءاتهم الطائفية والمناطقية، وهو يطاول حياتهم اليومية، التي تبدأ بأدّق التفاصيل، التي يجب أن تكون همًّا يوميًا لجميع المسؤولين على حدّ سواء. 

وهذه التفاصيل الصغيرة، التي يعتبرها البعض أقّل أهمية من أي تفصيل آخر يتعلق بالمواضيع السياسية الكبرى، هي في نظر عامّة الناس أكثر أهمية من أمور كثيرة لا تزال تتحكّم بمصائرهم، وهي مرتبطة حكمًا بما لا قدرة لأحد في الداخل على التأثير عليها إيجابًا، ومن أهمّها بالطبع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الذي يجب أن يبقى هدفًا لا يعلوه أي هدف آخر أيًّا تكن أهميته. 

وهذه التفاصيل يعتبرها بعض الذين يعلو صراخهم كثيرًا هذه الأيام غير مجدية، وعلى عكس ما تحاول الحكومة الحالية وبمن حضر من الوزراء أن تقدم عليه، وهي تسيير شؤون الناس بما يتوافق ومبدأ تصريف الأعمال في نطاقها الضيق. وهذا الأمر يزعج هذا البعض، الذي لا يزال يصرّ على أن تبقى الحكومة عاجزة عن تقديم ما ندر من حلول لكي لا تتعطّل عجلة الحياة شبه الطبيعية. 

فإذا كان هذا البعض يريد فعلًا أن تسير أمور الدولة كما هو مفروض، أو أن تصل إلى المواطن أبسط الخدمات الضرورية، فما عليه سوى عقد العزم وحسم أمره والاتفاق مع غيره على الحدّ الأدنى من مواصفات الرئيس العتيد، ومن ثم على الأسم. ومن دون هذه الانتخابات، التي لا تزال رهينة بعض الامزجة، لن تستقيم أمور البلد، باعتبار أن ثمة اجماعًا على أن هذه الانتخابات هي مفتاح الفرج، وهي المقدمة اللازمة لاستعادة الدولة، بمؤسساتها كافة، حضورها الفاعل على مختلف الأصعدة والمقاييس. 

فالبلاد لا تُدار بما يتوافق مع أمزجة البعض، ولا تُقاس موازينها بما يناسب هذا الفريق، أو بما يرضي طموحات الفريق الآخر. فالدستور ليس menu a la carte، وتطبيقه بروحيته ومنطوقه ونصوصه لا يكون انتقائيًا، وفي شكل مجتزأ. هو كل متكامل. وإذا لم يُطّبق الدستور على أساس ما يقوله “الكتاب”، وهو تعبير للرئيس الراحل فؤاد شهاب، الذي كان يلجأ إليه في كل مرّة كان يحاول البعض اعتباره وجهة نظر، يكون هذا التطبيق مبتورًا، وينتج عنه تراكم للأخطاء، التي تصبح ككرة الثلج، التي تنتج ذاتها بذاتها. 

فإذا ان البعض يريد فعلًا أن تسير عجلة الدولة كما يجب فما عليه سوى تطبيق ما يقوله الدستور في مسألة حسّاسة ودقيقة، وهي الانتخابات الرئاسية، التي يجب ألا تخضع لمنطق المساومات وأنصاف الحلول. وإذا ما جرت هذه الانتخابات على هذا الأساس كما كانت عليه الحال في العام 2016، فإن أي حلّ مرتقب سيكون مرهونًا بما سبقه من تسويات أثبتت التجارب عقمها وفشلها. 

فإذا كان هذا البعض، وهو أصبح معروفًا من القاصي والداني، يريد حقيقة أن تعود الحياة إلى جسم الدولة الآيل إلى الاحلال رويدًا رويدًا فما عليه إلاّ أن يقوم بدوره الدستوري، وأن يتخّلى عن بعض من كثير من انانياته، وأن يتوقّف عن رشق من يقوم بواجبه الوطني بحجارة لن تصيب في النهاية سوى راميها، لأنه لا يعرف في الأساس أن يصوّب على الهدف المركزي. 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى