آخر الأخبارأخبار محلية

تفلّت الدولار وفوضى الإشاعات.. ربيع لبنان يفاقم الانهيار!

باختصار، إنّها “الفوضى”. يكاد هذا المصطلح يكون “خير معبّر” عن الواقع اللبنانيّ، “المتفلّت” لأبعد الحدود. فعشيّة بدء شهر رمضان المبارك، وتزامنًا مع مناسبة عيد الأمّ، التي تصادف بدء فصل الربيع، عاش اللبنانيون “هستيريا” من نوع آخر، كان نجمها مرّة أخرى هو “الدولار” الذي حلّق صباحًا بوتيرة “صاروخية” غير مفهومة، قبل أن ينخفض بعض الشيء مع ساعات بعد الظهر، على وقع تدخّل مصرف لبنان.

في أول أيام الربيع، استفاق اللبنانيون على “قفزة” في الدولار لنحو عشرة آلاف ليرة دفعة واحدة، لم تلبث أن تضاعفت في غضون ساعات قليلة فقط، في مفارقة بدت عصيّة على الفهم والاستيعاب بالنسبة لكثيرين، ولا سيما أنّها ترافقت مع تلويح الكثير من القطاعات بالإضراب، ومع كمّ من الإشاعات التي أثارت “البلبلة”، خصوصًا مع الحديث عن استعداد محطات المحروقات للإقفال القسري، وكذلك الصيدليات، والمحال التجارية.

ورغم أنّ وطأة “الجنون” خفّت إلى حدّ بعيد، لتعود “وتيرة” الارتفاع والانخفاض إلى قواعدها “الطبيعية”، إن صحّ هذا الوصف في بلدٍ لا شيء فيه “طبيعيًا” هذه الأيام، إلا أنّ “هستيريا الدولار” أثارت مرّة أخرى الكثير من الأسئلة عن مآلات الأزمة المتفاقمة، وقدرة اللبنانيين على تحمّل المزيد، فضلاً عن “الثورة” التي يتكهّن بها كثيرون، علمًا أنّ مشاهد قطع الطرقات في بيروت وعدد من المناطق بقيت أكثر من “خجولة” رغم كلّ شيء.

“بروفا” عيد الأم

لعلّ “سريالية” المشهد في عيد الأمّ تختصر بحدّ ذاتها الكثير، فالمناسبة السامية والتي تُعدّ من أهمّ المناسبات السنوية التي ينتظرها كثيرون لشكر “ستّ الحبايب” على ما تقدّمه على مدار العام، تحوّلت إلى “مأساة” لكثيرين، مع رؤية الأسعار التي تجاوزت كل الحدود، مع وصول سعر الصرف إلى 140 ألف ليرة، ترجمت سريعًا في محال بيع الورود والحلويات، مع تخطّي قالب “الغاتو” بعض الأسعار، التي كانت “خيالية” في سنوات سابقة.

ورغم أنّ هذه المحال بمعظمها كانت “مفوّلة”، ما أثار المزيد من الأسئلة عن “السرّ” الكامن خلف ذلك، رغم أنّ الرواتب التي لم “تُدولَر” بمعظمها، ما عادت تساوي شيئًا، ولو طرأت عليها بعض التحسينات، إلا أنّ الواضح أنّ اللبنانيين باتوا يعيشون “كل يوم بيومه”، فمفاجآت “الدولار” لا أحد يستطيع التكهّن بها، مع انعكاساتها على كلّ القطاعات، وهو ما تؤكده أيّ جولة على السوبرماركت مثلاً، والتي أضحت “مغامرة خطرة” للكثيرين.

لكنّ المفارقة المثيرة للانتباه أنّ مشهد “التفلّت” هذا لم يكن “استثناء”، بل لعلّه بات “القاعدة”، فـ”الدولرة” في طريقها لتصبح “شاملة” كما يقول العارفون، خصوصًا أنّ القطاعات القليلة التي لم تعتمدها بعد بالمعنى الحرفي بدأت الضغط عبر التلويح بالإقفال التام، ليجد اللبنانيون أنفسهم أمام واقع مُرّ، يصحّ معه السؤال عمّا إذا كانوا قادرين على “الصمود” أكثر، خصوصًا ألا مؤشّرات لحلول سياسية أو اقتصادية في الأفق، على كل المستويات والصعد.

 
“ربيع لبنان” يقترب؟

قد لا يكون “بريئًا” تزامن يوم “التفلّت والفوضى” اللبناني إن جاز التعبير، مع بدء فصل “الربيع”، مع كلّ ما لكلمة ربيع من معانٍ ودلالات في الذاكرة الثقافية العربية، ما طرح بدوره الكثير من علامات الاستفهام، حول ما إذا كان في ذلك رسالة مبطنة عن “ربيع لبناني” يقترب، ولا سيما أنّ الأزمة ستتفاقم أكثر في القادم من الأيام، مع بدء شهر رمضان المبارك، الذي ستكلّف وجبة الإفطار الواحد فيه ملايين الليرات اللبنانية.

في الواقع، لا شيء على الأرض يوحي بهذا “السيناريو” حتى الآن، كما يقول العارفون، إذ إنّ كلّ المعطيات المتوافرة تؤكد أنّ اللبنانيون غير القادرين على التحمّل، منهمكون بشجونهم وهمومهم، ولو أنّهم بالمجمل يرفضون “الاستسلام”. إلا أنّ هؤلاء يؤكدون في الوقت نفسه أنّ كل الاحتمالات تبقى واردة، فـ”حراك 2019″ مثلاً جاء “مباغتًا”، ولم يكن أحد يتوقع أنّ تحرّكًا عاديًا في 17 تشرين الأول، سيتحوّل إلى “انتفاضة متكاملة”.

لكن، بمعزل عن أيّ “حراك” للشعب، يمكن أن يحصل أو لا يحصل، فإنّ الثابت أن “مَدخَل” الحلّ سياسيّ بامتياز، ويبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ليطلق “خريطة طريق الإنقاذ”، لأنّ كلّ ما عدا ذلك يبقى مجرّد تفاصيل، فأيّ مطلب يمكن أن يحمله أيّ حراك يحصل اليوم، في ظلّ فراغ في بعبدا، يمنع رفع شعار “إسقاط العهد”، وحكومة مستقيلة أصلاً، ومجلس نيابي “مشلول”، ومؤسسات معطّلة بكلّ ما للكلمة من معنى؟!

إنها “الفوضى”. يصحّ إطلاق هذا الوصف على الوضع في لبنان ككلّ، لا وضع الدولار فحسب. قد يرمى البعض بالكرة على المواجهة القضائية المصرفية، وقد يعتبر آخرون أنّ المشكلة في التهريب والمضاربة، وقد يرى غيرهم أنّ “المصيبة” في “تطبيع” الشعب مع الأزمة. لكنّ الحقيقة أنّ الأزمة تبقى “سياسية”، وأنّ الكرة في ملعب نواب الشعب وحدهم، في ظلّ مسؤوليات أخلاقية “تاريخية” ملقاة على عاتقهم، بعيدًا عن المزايدات الشعبوية!


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى