آخر الأخبارأخبار دولية

كيف يستغل طرفا النزاع عصابات “النيقرز” لتعزيز صورتيهما لدى المدنيين


نشرت في: 12/05/2023 – 19:14

منذ بداية القتال في السودان منتصف نيسان/أبريل، تم التبليغ عن عدة حوادث نهب وعنف منسوبة لعصابات الشوارع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى مجاورة. وبالرغم من أن هذه العصابات المسماة “النيقرز” معروفة لدى السودانيين منذ عشرين سنة، يرى مراقبنا أن كلا الطرفين في النزاع يعتقلان ويذلان الموقوفين بداعي تعزيز صورتهما لدى المدنيين، فيما تتهم القوات المسلحة الدعم السريع بنهب البنوك والمحلات التجارية.

“النيقرز” كلمة معربة من المصطلح الإنكليزي “Niggers” وهو شتيمة عنصرية، وبها يسمي السودانيون هذه العصابات. وتنشر هذه العصابات الرعب والفوضى منذ النزاع المسلح في دارفور عام 2003 وتظهر بكثافة خلال مراحل حساسة مرّ بها البلد، مثل الاحتجاجات المناهضة لنظام عمر البشير في 2011 و2019 والمظاهرات ضد الانقلاب العسكري عام 2021 وهذا العام منذ بداية النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتحالفتين في الحكم سابقا.


فيديو التقط في 7 أيار/مايو في أم درمان نرى فيه عصابات النيقرز ومدنيين ينهبون فرع بنك الخرطوم ومحلات تجارية مجاورة.

وعلى شبكات التواصل الاجتماعي توثق فيديوهات قوات الدعم السريع وهي تعتقل وتهين علنا أعضاء عصابات النيقرز في الخرطوم منذ آخر نيسان/أبريل، منشورة بالأساس على الحسابات الرسمية لهذه القوات شبه العسكرية.


فيديو التقط في 27 نيسان/أبريل في مدينة بحري شمال الخرطوم. بعد أن تم اعتقالهم بتهمة السرقة، يجبر مقاتل من الدعم السريع رجالا من النيقرز على الزحف أرضا ويطلق النار بقربهم على الأرض.

كما وثقت فيديوهات أخرى نشرتها صفحات مناصرة للجيش والشرطة السودانية اعتقالات قام بها جنود بحق أعضاء محتملين من النيقرز.

في هذا المقطع المنشور في 29 نيسان/أبريل على تويتر، وهو تاريخ نشر قوات الاحتياطي المركزي للشرطة في منطقة الخرطوم، نرى أعضاء من الاحتياطي المركزي بزيهم العسكري الذي يحمل شارة النسر أو “أبو طيرة” كما يلقبهم السودانيون، يجلدون رجالا منتمين إلى عصابات النيقرز.

ويؤكد العديد من شهود العيان في منطقة الخرطوم وضواحيها أن قوات الدعم السريع هي التي تقوم بنهب البنوك والمحلات التجارية والمستشفيات قبل أن تترك المجال مفتوحا للمدنيين والعصابات. وتتحرك نفس هذه القوات بعد ساعات في نفس الموقع لاعتقال الناهبين خاصة أعضاء عصابات الشوارع.

“اعتقال هذه العصابات هدفه تعزيز صورة الطرفين لدى المدنيين”

مراقبنا محمد (إسم مستعار) من مدينة الخرطوم ويعيش في أم درمان منذ أسابيع قليلة بعد أن اقتحمت واستولت قوات الدعم السريع على بيت عائلته الذي بات مستحيلا عليهم أن دخوله. شهد محمد على نهب بنك الخرطوم فرع المحطة الوسطى بأم درمان يوم 5 أيار/مايو، ويروي:

في 5 أيار/مايو كنت متوجها من بيتنا لبيت الثورة [فريق التحرير: محل النشطاء المطالبين بالديمقراطية من أيام الاعتصامات في 2019، مغلق حاليا] و مرورا بالسوق المركزي [فريق التحرير: المتواجد في نفس شارع بنك الخرطوم] رأيت قوات الدعم السريع تنهب البنك. وكان هناك أيضا عناصر من عصابات النيقرز حول البنك.


في هذا المقطع من 7 أيار/مايو نرى مقاتلين يرتدون زي قوات الدعم السريع يحملون صناديق على متن عربة عسكرية أمام بنك الخرطوم بأم درمان، ويقول صاحب الفيديو :”إنهم هنا منذ ثلاثة أيام.”

حاول بعض النيقرز كسر المحلات لسرقة ما بها، وطاردهم التجار مطلقين النار من أسلحة صغيرة في الهواء، لكنهم نجحوا في الفرار وسط السوق.


في هذا الفيديو بتاريخ 22 نيسان/أبريل يطارد تاجر رجلا من عصابة النيقرز حاول سرقة محله، بينما يحاول تاجر ثان تصويب بندقيته على السارق.

بحسب التجار الذين كانوا في عين المكان، بدأت قوات الدعم السريع في نهب بنك الخرطوم منذ 4 أيار/مايو وأخذوا القصاصات الكبيرة والعملات الأجنبية، ثم رحلوا تاركين المجال للعصابات والمدنيين الذين تهافتوا على ما بقى.

رأيت رجالا بزي الدعم السريع على متن ما لا يقل عن عربتين رباعيتي الدفع مركونتين حول البنك. كانوا يطلقون النار في الهواء لردع الناس من الاقتراب وكانوا يصيحون فيهم لو اقتربوا. بعد رحيلي عادت القوات إلى موقع البنك وقامت باعتقال أعضاء النيقرز وصورت بالفيديو كامل العملية.


في هذا الفيديو من 7 أيار/مايو نرى مقاتلين بزي الدعم السريع يحملون صناديق على متن عربة عسكرية أما بنك الخرطوم بأم درمان، ونسمع طلقات نارية قبل أن تتحرك العربة.

صارت حوادث مماثلة في الخرطوم وأم درمان وثقها الناس بالفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وتأتي هذه الفيديوهات لتكذب ادعاءات الدعم السريع إذ تقدم النيقرز كمسؤولين وحيدين عن عمليات النهب.


في هذا الفيديو بتاريخ 29 نيسان/أبريل نرى شبانا يدخلون مبنى بنك الخرطوم في سوبا شرق الخرطوم. ويقول صاحب الفيديو أن الدعم السريع قد نهب نفس الفرع البنكي صباح ذلك اليوم ثم ترك الباب مفتوحا للناهبين.

وفي فيديو صور في 29 نيسان/أبريل يتحدث عضو من الدعم السريع يرتدي زيا عسكريا إلى مجموعة من اللصوص المفترضين وهم مكبلون وملقون أرضا قائلا: “تعلمون أنه من العيب سرقة ممتلكات مواطنيكم (…) الدعم السريع لم يرد هذه الحرب لكننا دفعنا إليها، لا نريد إلا حماية المدنيين” ولا يقول حرفا عن مصير اللصوص بعد اعتقالهم.


وإجابة عن اتهامات النهب التي وجهت إلى الدعم السريع، أكد مستشار سابق لنفس القوات أن العصابات تغتنم حالة عدم الاستقرار التي تمر بها البلاد للسطو على المدنيين والمحلات التجارية والمرافق العمومية، لكن بارتدائها زي الدعم السريع لتضليل الناس.

“نراهم أحيانا يتجولون ماسكين سكاكين”

بالنسبة لعصابات النيقرز، لا تحمل الكلمة في السودان نفس المعنى العرقي المعروف، لكنها تشير أكثر إلى نمط عيش العصابات الأمريكية من عرقية معينة. هم عادة شباب كانوا أطفال شوارع سابقين من ضواحي الخرطوم ومعظمهم من إثنية النوبة. و يتمركزون في مواقع خطرة خارج الخرطوم يتفاداها السكان خاصة ليلا.

هذه العصابات ليست منظمة بطبيعتها، لذا يطلق السودانيون لفظة “نيقرز” على أي عصابة شوارع، مشيرين بذلك لسلوكهم العنيف واستعمالهم للسلاح الأبيض واعتدائهم على الناس عشوائيا. أحيانا يتجولون ماسكين سكاكين في الشارع.


هذا الفيديو بتاريخ الأول من أيار/مايو يظهر جنودا من القوات المسلحة السودانية يسيرون في منطقة جنوب الخرطوم في عربات عسكرية على متنها عناصر من عصابات النيقرز اعتقلوا بتهمة السرقة.

“هذه العصابات أداة ترهيب سياسي”

بحسب تجربتي لا تنتشر عصابات النيقرز داخل المدن إلا في حالات الفوضى مثل عام 2019 بينما انطلقت احتجاجات مناهضة للنظام. كانت هذه العصابات تهاجم المعتصمين وكان ذلك مبررا للشرطة والجيش لاستخدام العنف وللقبض على المتظاهرين وسط الاعتصامات.


توثق هذه الفيديوهات من كاميرا المراقبة بتاريخ 7 كانون الثاني/يناير ثلاثة عناصر من عصابات النيقرز، مسلحين بسكاكين ومسدسات، يعتدون على تاجر ويطعنونه أمام محله قبل أن يدخلوا المحل لنهبه.

بالنسبة للمدنيين نرى هذه العصابات كأداة ترهيب سياسية، فهي تظهر وتختفي فجأة عندما تمر الخرطوم بمرحلة انفلات أمني وفوضى. وفي حالات أخرى تأتي قوات الأمن لاعتقال أفرادها ولتقول إنها بسطت الأمن في المنطقة.


في هذا الفيديو من عام 2021 يعتقل عناصر من الشرطة (بالزي الأزرق) والجيش (بالزي الرمادي) أعضاء عصابة متهمين بالسرقة ويصادرون أسلحتهم ويدورون بهم بين الناس. ثم نراهم يحملونهم على متن عربة شرطة ويقيدونهم بالسلاسل إلى عنقهم.

حاليا حتى المواطنون أنفسهم ليسوا معصومين عن نهب البنوك والمحلات التجارية طبعا. 

بالتالي بين الصور التي تنشرها قوات الدعم السريع أو قوات الاحتياطي المركزي، صور لهذه العصابات بينما يتم اعتقالها، وذلك فقط لتعزيز صورة كلا الطرفين لدى المدنيين، بصفة الطرف الذي يؤَمِّن المدنيين ويعتقل المجرمين

بالرغم من أن العديد من البنوك والمحلات التجارية خاصة متاجر الذهب تعرضت للنهب منذ بداية المعارك، يبقى من الصعب تحديد مبلغ أضرار عمليات النهب المستمرة يوميا، كما يؤكد اتحاد الغرف التجارية في السودان. من جهته طمأن البنك المركزي السوداني، الذي تعرضت فروعه بدورها للنهب، في بيان أن إيداعات عملائه بأمان.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى