آخر الأخبارأخبار محلية

في أربعين الدكتور نبيل حجازي.. لمن لم يعرفه

بقلم غادة حجازي (شقيقة الراحل الدكتور نبيل حجازي)

تهيبت كثيراً قبل أن أكتب عن حبيب القلب نبيل… كنت أسأل نفسي هل بالكتابة عنه أرضيه أم أزعجه؟ أقترب منه أم أبتعد عنه؟ أضيف إليه أم أُنقّص من رصيده؟ 

ليس من عادة أخي نبيل أن يتحدث عن نفسه، وقد بلغ به نكران الذات حد إلغاء ذاته، وهذا كان سلوكاً طبيعياً لمؤمن ينأى بنفسه عن كل ما هو مادي، من أي نوع كان، و”كل نفس ذائقة الموت”.. و”يسألونك عن الروح قُلِ الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”.

كان القرآن الكريم بوصلته في الحياة، وكلما توغل أخي نبيل في القراءات الدينية، الإسلامية وغير الإسلامية، كلما كان يزداد تصوفاً وإبتعاداً عن الماديات. كثيرون كانوا يحارون في أمره؛ أهو متخصص في علوم الكومبيوتر وميادين التكنولوجيا أم خريج إحدى كليات الدعوة والتبليغ الإسلامية؟

لم يكن نبيل يعتبر العلم نقيض الدين أبداً. كان مُتبحراً في العلوم والكومبيوتر والتكنولوجيا وكل ما يستجد من تطورات مذهلة في هذا العالم وآخرها علوم الذكاء الإصطناعي، ولكنه في الوقت نفسه، كان يزداد يقينية بالإسلام وإعجاز القرآن، حتى انه كرّس وقته لإنجاز بحث عظيم في القرآن الكريم يطبّق فيه ما حصّله من شهادته العلمية على تفسير بنية السور والآيات القرانية وترابطها ترابطًا عضويًّا من الكل إلى الجزء، وهو في ذلك كله في غاية التواضع. ولطالما كان يُدقق في كل آية من الآيات، فلا يقرأ لأجل الحفظ فقط بل للفهم ومحاولة قراءة ما بين سطور كل آية وكيف نزلت على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وفي أية ظروف وأية أوقات، 

كان الكثير من رفاقه في الدرس والعمل والحياة يعتقدون أن نبيل متخصص في الدراسات الإسلامية، قبل أن يكتشف معظمهم أن ما حصّله كان نتاج قراءاته الشخصية وحبه للمعرفة وعشقه للإسلام، حيث راح يتبحر في المدارس الإسلامية والشخصيات الإسلامية والمذاهب الإسلامية، من دون أن يكون منحازاً إلى مدرسة أو شخصية أو مذهب. كان إسلامياً بالمعنى الروحاني النوراني الواسع الأفق ويشتهي أن يكون كل من هم حوله يقاربون الدين والإسلام بالطريقة ذاتها بما يحصن المجتمع ويجعله أكثر تماسكاً.

هذه العلاقة بينه وبين الدين. بينه وبين العلم، هي سر أسراره ومفتاح سبر أغواره. ويصح القول في نبيل إنه كان يعتبر نفسه في إمتحان متواصل. إمتحان المعرفة وهو أصعب الإمتحانات. لذلك، إشتغل على نفسه، وهو الذي عاش طفولة صعبة ككل أبناء جيله وجيلنا نحن الذين ولدنا ووجدنا الحرب الأهلية تحاول أن تخطف أجمل أيامنا.. هذا كله لم يحرمنا من التعليم والعمل، لذلك، قرر نبيل أن يتجاوز أصعب اللحظات التي مررنا بها وهل هناك أصعب من إستشهاد الوالد علي حجازي والشقيقتين أماني ونورا في ظروف الحرب الأهلية البغيضة والتفجيرات التي كانت تهدد الناس في بيوتها ومؤسساتها؟

تحدى نبيل الموت والفجيعة. كان متفوقاً في مدرسة الروضة ثم نال إجازة الهندسة من الجامعة الأميركية في بيروت بتفوق مماثل، ومن هناك حصل على منحة تفوق خوّلته أن يواصل دروسه العليا في الولايات المتحدة، وهذه الرحلة من المدرسة إلى الجامعة في لبنان والولايات المتحدة ومن ثم العمل في أميركا ولبنان ودول الخليج، لم تجعله لحظة ينسى معادلة أن الحياة ليست سوى ممراً وأن الآخرة هي المستقر، ومن هنا كان يُردّد دائماً “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”.

. ..كان نبيل منصفاً، فلا يقبل أن يأخذ من درب غيره والعكس صحيح. وما يسري على الفرد، يسري على الجماعة. من هنا كان نبيل يكره الظلم من أي جهة أتى رضيع أو كهل صامد في أرضه… وندر أن يسمعه كثيرون يُعبر عن إختلاجاته ومشاعره التي كان يحتفظ بها لنفسه، لأنه يعتبر ان الموقف هو بين الإنسان وخالقه، فالله رحمة والله عدل والله تقوى والله إحسان وخير.                                                                   

أخالني ذهبت إلى حيث لم يكن حبيب قلبي نبيل يريدني أن أستفيض. أستميحك أخي عذراً. في أربعينك وجدت أن من حقك علينا أن نحاول تعريف من لم تتسنى لهم فرصة معرفتك، وأنت الذي بقيت قوياً وكبيراً حتى في أصعب لحظات ضعفك.. لكنني قرّرت أن أكتب عنك حتى أزداد تعرفاً إليك من خلال كلماتي الصادقة وحتى يتعرف كل من أحبك إلى “أم نبيل” تلك السيدة العظيمة التي تركت بصمة إستثنائية في حياتنا والتي سطرت بعد رحيلك: انا امك واعرفك جيدا مثال الاخلاق والدين الحنيف…ولكن ما زادها فخرا واعتزازا انك لك اخوة مخلصين من اتقياء الله الكريمين لم يبخلوا عليك بحقك عليهم.وانها تعتبر انك حي في قلوب كل من عرفك وقلوبنا واننا لن ننساك لحظة واحدة وستبقى معنا في ليلنا ونهارنا…وانك اعز ان تبتعد عنا دقيقة..وجميعنا نشهد ان الله حق وان الرسول حق وان البعث حق وان النار حق وان لله وان اليه راجعون.  

وكلني أمل أن هذه الكلمات ستصلك وأنت بصحبة كل أولئك الطاهرين الصادقين المؤمنين من أهل الجنة.

وشكر الله سعيكم وكل من عزّى بالمرحوم نبيل وجزاكم عنا جميعا باذن الله خير الجزاء في الدنيا والاخرة.

غادة حجازي (شقيقة الراحل الدكتور نبيل حجازي)

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى