آخر الأخبارأخبار دولية

كيف تسربت جريمة اغتصاب الطفلة سناء للرأي العام وفجرت نقاشا حول القضاء؟


نشرت في: 16/04/2023 – 15:17

حركت قضية الطفلة سناء في المغرب، التي تعرضت للاغتصاب في 11 ربيعا نتج عنه حمل وهي اليوم أم لرضيع، موجة من التعاطف معها والغضب أيضا. فقد صدر حكم مخفف بحق الجناة قبل أن يدفع التنديد الواسع القضاء الاستئنافي إلى “تصحيح ما يجب تصحيحه” كما يقول الحقوقيون، عبر تشديد العقوبات. عودة على تفاصيل هذه القضية التي هزت الرأي العام، لكشف كيف طفت على سطح وسائل الإعلام، وأوقدت نار الجدل في المملكة حول إصلاح القضاء وتطوير النصوص التشريعية المرتبطة بحقوق المرأة والطفل.

“…هذا الحكم اغتصاب ثان، ليس للضحية فقط، بل لكل الضحايا. هذا الحكم يشجع على الاعتداءات الجنسية. هذا الحكم لا يشجع بالمقابل الضحايا على التبليغ أو اللجوء للقضاء. نتمنى أن تصحح محكمة الاستئناف هذا الحكم، إحقاقا للحق، وانتصارا لشرف القضاء المغربي. وانسجاما مع دستور البلاد المنتصر للحقوق والحريات…”.

كانت هذه التدوينة، للقيادية الاتحادية والناشطة الحقوقية حنان رحاب، نموذجا من الصرخات المدوية والعديدة التي أطلقت في المغرب، تنديدا بحكم مخفف، صدر ابتدائيا بحق ثلاثة متورطين في جريمة اغتصاب طفلة، تدعى سناء، لا يتجاوز عمرها وقت الجريمة 11 عاما، في إحدى القرى القريبة من تيفلت بضواحي العاصمة الرباط.

وتعالت الأصوات عبر مواقع التواصل وفي الجمعيات الحقوقية والنسائية رافضة هذه “الصاعقة”، حسب توصيف وزير العدل عبد اللطيف وهبي نفسه، وأنزل تحالف “ربيع الكرامة” القضية إلى الشارع بتنظيمها لوقفة احتجاجية رمزية أمام محكمة الاستئناف بالرباط “من أجل التنديد بالأحكام المخففة التي تصدر في جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية على النساء والفتيات، ووضع حد للاستهتار بحقوقهن وكرامتهن، وحث الدولة على تحمل مسؤوليتها في حمايتهن”. كما نددت عدة منظمات حقوقية أخرى بالحكم، بينما وقع عشرات الآلاف من الأشخاص عريضة تندد به.

وتعرضت هذه الفتاة للاغتصاب في إحدى القرى المتاخمة لمدينة تيفلت الصغيرة بإقليم الخميسات المحاذي للعاصمة الرباط. وتناوب على اغتصابها ثلاثة أشخاص. لكن العقوبة التي صدرت بحقهم ابتدائيا في 20 مارس/ آذار، لم تتجاوز السجن عامين لأحدهم و18 شهراً للآخرين، بالإضافة إلى تغريمهم تعويضات للضحية تناهز قيمتها 4800 دولار، الشيء الذي فجر غضب المجتمع المدني ومعه الملايين من المغاربة.

“خائفة ومنكمشة”

وتبنت جمعية “إنصاف” منذ البداية قضية الطفلة سناء، وتعرفت عليها، حسب الكاتبة العامة للجمعية أمينة خالد، عبر فيديو نشرته على يوتيوب سيدة تدعى سهام الديش، التي التقت الطفلة برفقة والديها صدفة في المحكمة، وصورت الأب وهو يتحدث لها عن قصة ابنته الأليمة.

وعلى إثر نشر هذا الفيديو، اتصلت الجمعية بالوالد قبل أن تنتقل إلى مقر سكن الأسرة. “كان البيت بملامح الهشاشة والفقر، أدخل إليه الإنارة حديثا، ولا يتوفر على مياه الشرب”، تحكي خالد لفرانس24 اكتشافها لأول مرة منزل الضحية الصغيرة وعائلتها.

أما الطفلة سناء، “كانت في وضعية نفسية سيئة، نحيفة الجسم، خائفة ومنكمشة”، تضيف خالد. ومن هنا، كانت بداية تبني “إنصاف” لهذه القضية ورعاية هذه الطفلة ورضيعها صحيا ونفسيا. “عرضناهما على اختصاصيين مع برنامج ترفيهي للطفلة لإخراجها من وضعيتها النفسية الصعبة”.

لم تطأ قدما سناء باب مدرسة في يوم من الأيام. “لأن أسرتها كانت تتخوف من إرسالها إليها بحكم بعدها عن البيت”. فقامت جمعية “إنصاف” بتسجيلها في مدرسة غير نظامية مع تعلم حرفة الحلاقة، محاولة بذلك إدماجها مجتمعيا وفق سياسة عملها. فهي تهتم بإعادة إدماج الأمهات العازبات ومحاربة تشغيل الأطفال وحرمانهم من التمدرس. فيما كانت تراقب المحاكمة عن قرب حتى صدور الحكم.

إلا أن الجمعية أصيبت بـ”الصدمة والذهول كما باقي المغاربة” بسبب الحكم المخفف الصادر بحق المتهمين ابتدائيا، حسب أمينة خالد. الإحساس نفسه لمسته لدى الضحية وأبيها. “الأب كان مكلوما…لم نتوقع أن يصدر حكما بهذا التساهل وبهذا الاستخفاف في شكل شبه إفلات من العقاب إن لم يكن إفلاتا من العقاب”، حسب خالد.

“الاستئناف صحح ما يجب تصحيحه”

وجاء القضاء الاستئنافي ليعيد الأمور إلى نصابها، ويبعث نوعا من الثقة في نفوس للكثيرين بالقطاع. “الاستئناف صحح ما يجب تصحيحه”، بحسب المسؤولة الجمعوية، والذي صدر الخميس بتشديد العقوبات، حيث رفعت المحكمة عقوبة المتهم الرئيسي من عامين إلى 20 عاما سجنا نافذا، فيما شددت عقوبة متهمين آخرين من 18 شهرا إلى 10 أعوام سجنا.

وكان “الارتياح” هو عنوان مرحلة ما بعد صدور حكم الاستئناف وسط عائلة الضحية والمدافعين عن قضيتها، وفي مقدمتهم جمعية “إنصاف”، وفق تصريحات أمينة خالد. “الأب قال لي أنا مرتاح. لقد ردوا الاعتبار للطفلة وللأسرة”.

وهذا القرار القضائي الاستئنافي، أتى بعد الصرخات المدوية الرافضة للحكم الابتدائي في المجتمع المغربي. وقال أحد وكلاء الدفاع عن الضحية عبد الفتاح زهراش للصحافة: “نحن مرتاحون لهذا الحكم الذي أنصف الضحية، لكننا لم نفهم لماذا حكم بـ10 أعوام سجنا فقط للمتهمين الآخرين”، مشيرا إلى أن دفاع الضحية “سوف يطعن في الحكم لدى محكمة النقض بعد التشاور مع عائلة الضحية”.

إضافة إلى ذلك، رفعت المحكمة قيمة التعويضات المستحقة للضحية من حوالى 5 آلاف دولار إلى نحو 14 ألفا. لكن دفاعها ألتمس أيضا أن “تتكفل وزارة الأسرة والمرأة والتضامن بها ماديا إلى حين بلوغها سن الرشد”.

اختلالات تشريعية

وأكدت قضية الطفلة سناء أن “هناك اختلالات على مستوى القانون الجنائي ومدونة الأسرة”، تشير أمينة خالد، إلا أنها تحافظ على نبرة التفاؤل، بحكم أن “المغرب فتح ورشات لإصلاحهما، ونراهن على ذلك للتوصل لقانون ينصف النساء والأطفال”.

وأثارت قضية طفلة تيفلت التي آزرها حوالي 30 محاميا مطالب واسعة بإصلاحات تشريعية، لتفادي “الإفلات من العقاب” في قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال والنساء.

وأعرب نشطاء حقوقيون، يساندون الضحية، عن أملهم في أن يؤدي النقاش حول القضية إلى مراجعة التشريعات، تعزيزا لحماية الضحايا وضمانا لعدم الإفلات من العقاب. وسبق أن انتقدت منظمات حقوقية مغربية في قضايا متفرقة خلال الأعوام الماضية أحكاما، اعتُبرت مخففة ضد متهمين باعتداءات جنسية على قاصرين.

وتمنى وكيل الدفاع عن الطفلة سناء، المحامي محمد الصبار في مؤتمر صحافي بالدار البيضاء “أن يكثف النقاش حول إصلاح تشريعي لحماية الأطفال”. من جانبها، دعت عالمة الاجتماع والناشطة النسوية سمية نعمان جسوس، إلى “مواصلة التعبئة، لأن مأساة سناء يمكن أن تغير القوانين”.

“فكم من القضايا العادلة لم تنل حظها من العدالة بسبب السلطة التقديرية لبعض القضاة ؟”، تكتب الإعلامية إيمان الرازي في تدوينة، وتتساءل: “من نحن وأي قضاء نريد؟ قضاء عادل ونزيه ومتشبع بالقيم الكونية لحقوق الإنسان أم قضاء لا يرى فوق أرنبة أنفه للأسف الشديد… إننا أمام دستور متقدم في مقابل نصوص تشريعية متخلفة قروسطية”.

 

بوعلام غبشي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى