لبنان الحلقة الأضعف في تسويات المنطقة… فهل تكون النتائج على حسابه؟

لو كان الممثل السوري نهاد قلعي، والذي اشتهر بدور حسني البرزان مع الممثل دريد لحام في دور غوار الطوشة، لا يزال على قيد الحياة، لكان استبدل جملته الشهيرة في مسلسل “صح النوم”، وهي “إذا أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا عليك أن تعرف ماذا في البرازيل” بجملة أخرى، وهي “إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في الرياض وطهران، ومن ثم في دمشق، عليك أن تعرف ماذا يجري في بكين”. ألم يُقل في الماضي “اطلبوا العلم ولو في الصين”. ونقول اليوم اطلبوا “التسويات” ولو من الصين.
ما كان يقصده نهاد قلعي بهذه العبارة، التي بقيت سؤالًا من دون جواب، هو أن العالم، وحتى قبل أن تجعل وسائل التواصل الاجتماعي الكون برمته “قرية صغيرة”، هو أن الدول لا تعيش كجزر منفصلة عن بعضها البعض، وما يحدث في جزء منه يؤثر على أجزاء أخرى.
فإذا كانت هذه الحقيقة واضحة وجلية بالنسبة إلى حسني البرزان في سبعينات القرن الماضي، أي قبل حوالي نصف قرن، فإن ما يجري اليوم من ترابط مصلحي بين الدول قد أصبح جزءًا لا يتجزأ من سياسات مترابطة بشبكة تواصل تبدأ بالأقمار الاصطناعية، ولا تنتهي بشبكة التواصل الاجتماعي، حيث زالت الفواصل الزمنية بين بلد وآخر، وكذلك الفواصل الجغرافية.
عندما قصدت كندا في تسعينات القرن الماضي، قبل أن أقصدها هذه المرّة، وللأسباب نفسها، سبق أن تحدّثت عنها مطولًا، كنا ننتظر يومين قبل أن نتمكّن من التواصل مع الأهل في لبنان. ولم نكن ندري ما كان يحصل فيه من تطورات سياسية وأمنية واقتصادية. وكنا ننتظر من يأتي من وراء البحار ليحمل إلينا “كاسيت” مسجلة بأصوات الأهل والمحبين. وبهذه الطريقة البدائية كنا نطمئن عن أحوالهم، ونطلع على أخبارهم، ونستكشف ما الذي يجري في وطننا الأم. وكان الحنين يومها أقوى.
أمّا اليوم فإن التواصل السهل قد ألغى المسافات الزمنية والجغرافية كما سبق أن أشرنا، وأصبح من يعيش في كندا أو في استراليا مثلًا أو في أي بقعة جغرافية نائية على تواصل يومي مع الأهل والأصدقاء عبر تقنيات الـ “الفيديو كول”، بحيث أصبح هؤلاء وكأنهم يعيشون بين الأهل والأصحاب في “صبحيات” لا تنتهي حول ركوة قهوة.
فأخبار الوطن تصل إلينا لحظة بلحظة، وإن كانت مشوهّة أو مبالغ فيها بعض الأحيان، وذلك بسبب ما يُسمى بـ “السبق الإعلامي”، حيث غالبًا ما تنقصه الدقة والموضوعية. من هنا قلت إن المغتربين موجودون حيث هم، ولكنهم في الحقيقة هم يعيشون في لبنان، بأفراحه وأحزانه، بعسره وبيسره، بالسراء والضرّاء. يتشاركون مع أهله في كل المآسي التي يعيشونها. وهم لا يصدّقون متى تسمح لهم الظروف حتى يقوموا بزيارة الربوع اللبنانية، التي لا بديل منها على رغم كل الظروف القاسية، وعلى رغم كل ما يسمعونه من أخبار غير مطمئنة.
فالترابط السياسي والأمني والتحالفات هنا وهناك، والعائد في الأساس إلى ترابط المصالح الاقتصادية، هو الذي يتحكّم بمسار الأمور في أي بقعة من العالم. وقد تكون الحروب المندلعة في أكثر من منطقة، وأخطرها ما يجري في أوكرانيا، هي الترجمة العملية للسياسات الدولية ولمصالح الدول الاستراتيجية.
ومن ضمن هذا السياق يأتي التفاهم السعودي – الإيراني، برعاية صينية، مع الاخذ في الاعتبار مصالح كل من هذه الدول الثلاث، والمتعلقة في شكل أساسي بنواة التحالف المستجدّ بين الصين وروسيا، على أن يتطور لاحقًا ليشمل دولًا أخرى في المنطقة، خصوصًا على صعيد إمكانيةّ التفاهم على الخطّ السوري – التركي.
في المقابل، فإن الولايات المتحدة الأميركية، وما لها من مصالح استراتيجية في المنطقة، لن تقف متفرجة أو مكتوفة الأيدي حيال هذه التطورات المتسارعة، التي وقد يكون لها صدّى معيّن في لبنان يأمل المتفائلون ألا يكون على حسابه هذه المرّة أيضًا بما أنه الحلقة الأضعف.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook