آخر الأخبارأخبار محلية

نقلة نوعيّة في حزب جنبلاط.. هكذا يتحرّك زعيم المختارة داخل التقدّمي

خلال زيارته الأخيرة إلى باريس، كان رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط واضحاً جداً في موقفه: “لا لإنتخاب رئيس تيار المرده سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ويجب البحث عن رئيسٍ جديد لا يُشكل تحدياً للأطراف الأخرى”. هنا، يكشف الموقف الذي تمخّض عن زيارة جنبلاط الباريسيّة أن هناك توجهاً للحفاظ على دور كتلة “اللقاء الديمقراطي” النيابيّة في مسألة الحسم الرئاسي، باعتبارِها عنصراً مطلوباً من مختلف الأفرقاء في لعبة “الإنتخاب”. 

 

مع ذلك، صحيحٌ أنَّ جنبلاط لم ينتقل بعدُ إلى الجهة التي يريدها الكثيرون منه رئاسياً، إلا أنه في الوقت نفسه يتمسّك بعنصرٍ وأساسي وهو الحفاظ على موقفه أولاً وتماسك حزبه ثانياً. وأمام ذلك، فإنَّ رئيس “الإشتراكي” سيكونُ مدفوعاً بإتجاه توسيع المشاورات أكثر ضمن “الإشتراكي” بشأن الملف الرئاسي، فـ”زعيم المختارة” لم يُقفل الباب أمام النقاش الداخلي لتبيان وجهات النظر الحزبية التي يمكن أن تُكرس طريقاً واضحاً للحزب باتجاه التسوية الرئاسية. كذلك، فإنّ جنبلاط لن يكون بمعزلٍ عن رأي نجله تيمور الذي يُعدّ حاسماً على مختلف الأصعدة، باعتبار أنّ الأخير هو قائد “العهد الجديد”، وبالتالي فإنّ جنبلاط الأب سيكون الراعي لتلك المسيرة وفق ما تتطلبه المرحلة السياسية والحزبية من قراراتٍ صائبة مهمة على المدى السياسي الطويل.  

 

مؤخراً، برزَ كلامٌ عن أن جنبلاط “يتعارض” مع نجله رئاسياً، إذ أن الأخير لا يريدُ انتخاب فرنجية، ولهذا “احتكم الأول لما يريده تيمور، وتمسك بموقفه الذي لا يؤيد وصول سليمان بيك إلى قصر بعبدا”. عملياً، فإنّ هذا الكلام الذي أثيرَ مؤخراً قد لا تكونُ ضمن السياق السلبي الذي وُضع فيه، فالتفاهم بين جنبلاط ونجله قائمٌ ولا افتراق كما يجري التصوير، والدليل على ذلك هو أنّ “تيمور بك” يؤكّد في مواقفه الأخيرة على الثوابت نفسها التي كرّسها والدهُ في المعركة الرئاسية، كما أنّ مخاطبة الناس وفق التوجهات الحزبية الواضحة التي تحفظ لكتلة “الإشتراكي” النيابية مكانتها وتأثيرها، هي العامل الأساس الذي يتمسك به جنبلاط الأب والإبن على حدّ سواء. وأمام ذلك، فإنّ الكلام عن أي “إختلاف” لا يعدو كونه تكريساً لتشويش هنا أو هناك، بل على العكس، ستكون هناك نتائج إيجابية على صعيد حوارٍ مفتوح ضمن الحزب الواحد، ما يعني انتفاء الآحادية الموجودة في أحزابٍ وتيارات أخرى.  

 

في الشكل والمضمون، فإنّ وجود نقاشاتٍ داخلية بشأن استحقاقات مفصليّة وطنية في “الإشتراكي”، إنما يكشفُ عن انعطافةٍ فاصلة ونوعيّة، فجنبلاط الأب، وعلى ما يبدو، بات مُدركاً أنّ العهد الجديد لتيمور بات راسخاً، وبالتالي فإنَّ إرساء نمطٍ جديد من العمل وفق ما يراهُ “الزعيم الشاب” هو ما يعمل عليه جنبلاط الأب بكلّ ثباتٍ ودراية، لأنّ الحرص على إستمرار البيت الجنبلاطي في طليعة الأولويات وسط الكثير من التبدلات. وعليه، فإنّ “الإصلاح” الداخلي والتجدّد المستمر على الصعيد الحزب، إنّما يُنبئُ بنقلةٍ نوعية في عهد تيمور. 

 

وأمام كل ذلك، فإنّ “الإختلاف” في الآراء للوصول إلى نقطةٍ جامعة واحدة، لا يُعدّ نقمة أبداً، بل نعمة مطلوبة. وفعلياً، فإنّ ما يشهده “الإشتراكي” اليوم يعني أنّ الإمتداد نحو القاعدة الشعبية أصبح أكثرَ اتساعاً، فالتشاور مع أطرافٍ نيابية يعني أن القيادة الحزبية لا تنفي آراء الناخبين أو لا تستثني منطقَ النواب الذين قد يطرحون آراءهم بكلّ أريحية. هنا، ما ينكشف أنّ “الإشتراكي” باتَ يفتحُ الباب أمام التطوير الداخلي، وهذا الأمر يُحسب لجنبلاط الذي كسَر الإنغلاق في الآراء وفتح باب التعدّدية في الأفكار، ورسّخ طريقاً أسهل أمام نجله للوصول إلى القيادة الحزبية عبر طريقٍ خاليةٍ من الأشواكِ الجارحة.  

 

مع هذا، وعلى “دفّة الرئاسة”، فإنّ ما يهمّ جنبلاط هو عدم الإنغماس في اختيار رئيسٍ يُورّط البلاد في 6 سنوات عجاف أخرى. كذلك، فإنّ هدف “زعيم المختارة” هو الحفاظ على حزبه متماسكاً وعدم التضحية بأصوات كتلته النيابية في خياراتٍ لا يريدها. فسواء أتى فرنجية رئيساً أم لم يأتِ، وسواءً كان الرئيسُ العتيد على إنسجام مع المختارة أم لم يكن، فإن ذلك لن يقدم ولن يؤخر بالنسبة لجنبلاط شيئاً، لأن التوازنات في نهاية المطاف ستُنصفهُ حكماً ولن تستثنيه من لعبة السياسة والحُكم. 

 

في المحصلة، فإن ما يمكن قوله هو أنّ جنبلاط الأب هو من أكثر الأطراف المُدركة للتغيرات. فتارةً يعملُ وفق قاعدةٍ سياسية، وتارة أخرى يحفظ حزبهُ ويدعمه عبر الحوار الناجع. وضمنياً، فإنّ ما يشهده “الإشتراكي” يكشف أن هناك نفساً جديداً يطغى بكل المقاييس، وحقاً المشهد “تقدّمي” في “التقدّمي”.  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى