آخر الأخبارأخبار محلية

مجوهرات لبنان خرقت القارات: عالم خفي بين الأناقة وشبكات التهريب

 
بالرغم من الأوضاع الإقتصادية التي تحيط بلبنان والمنطقة، يمكن القول إن قطاع الصناعة في لبنان تخطى الأزمة نوعًا ما، واستطاع أن يبقى صامدًا رغم العثرات والأزمات.. فمن بين كل القطاعات التي تحارب لتبقى قائمة من الشمال إلى الجنوب، يبرز قطاع صناعة المجوهرات، الذي لم يعرف يومًا الخسارة، إذ تجاوزت حدوده الأراضي اللبنانية وثبّت نفسه عربيا، كما وتألق في المحافل الدولية، ليدرّ مئات الملايين من الدولارات سنويًا..

 

فما هي وضعية هذا القطاع.. وكيف استطاع التربع على رأس قطاعات المجوهرات عربيًا؟ وكيف برز دوليًا؟ 
 
البداية أرمنية
في متجره المتواضع في وسط بيروت، يجلس “أبو جان” وراء مكتبه، الذي يتساوى عمره مع عمر متجره الذي بناه وانطلقت رحلة تصنيع المجوهرات به منذ أكثر من 65 عامًا.
يروي العم أبو جان لـ”لبنان 24″ رحلة بلاد الأرز بهذا القطاع، الذي تفرّدت به بين دول المنطقة، إلى أن أصبحت متاجر المجوهرات اللبنانية مقصد العرب الأوّل، وبالأخص الخليجيين والمصريين والسوريين، الذين كانوا يأتون بشكل دوري لشحن كافة الإنتاجات اللبنانية من المجوهرات، نظرًا إلى المهنية الإستثنائية، والقطع الفنية التي كانت تخرج من لبنان، إذ تزيّنت بها أهمّ أميرات الخليج، وزوجات رجال الأعمال العرب.
لا يخفي أبو جان حنينه لتلك الأيام، خاصةً مع دخول الأرمن البلاد، المصدر الأول للتحف الفنية الباهظة الثمن، إذ أطلقوا حسب تعبيره العنان لهذا التجارة منذ 150 عامًا، مطلع القرن العشرين، حيث كانت أعمالهم المتقنة، ولشدة انبهار العرب بها تأخذ أشهرًا من الوقت لتنتهي، على أن يتم تصديرها لاحقًا إلى الخارج بكميات كبيرة، أدرّت وفرًا من العملات الأجنية إلى الداخل اللبناني.
وبناء على السمعة منذ ذلك الوقت، استطاع اللبنانيون أن يستحوذوا أكثر على اهتمام التجار، إذ انتقلت عملية التصنيع من علاقة فردية بين المصنّع اللبناني والمشتري، إلى علاقة أشمل وأوسع تمثلت بين موزّع ومصنّع، وهذا ما سمح بتوسيع الاسواق، والوصول إلى نقاط بيع أساسية لم يكن للبناني منذ القدم المقدرة على الوصول إليها، ليتضاعف الإنتاج، ويتفرد لبنان بهذه الصناعة التي ما زال بريقها متوهجًا منذ 150 عامًا وأزيد.
 
الأرقام مطمئنة
وفي أرقام حصل عليها “لبنان 24” فإنّ صناعة المجوهرات في لبنان تمكنت من حجز مركز خاص لها بين الصناعات الأخرى، إذ تربعت على عرشها، حيث تُدخل بشكل سنويّ إلى لبنان قرابة 720 مليون دولار، لتكون من أنشط وأهم القطاعات، علمًا أن هذا الرقم يشكّل 30% من مجمل واردات لبنان، وهذا رقم قياسي ويعوّل عليه بشكل كبير.
على مقلب آخر، فإن أرقامًا أخرى اطّلع عليها “لبنان 24” كشفت عن تراجعٍ دراماتيكيّ بين الأمس القريب واليوم.. فالـ 720 مليون دولار التي تدخل اليوم من هذا القطاع انخفضت عن ما كانت عليه عام 2014 حيث أدخل القطاع 770 مليون دولار، كما وتشكّل فقط 48% من مدخول عام 2011، الفترة التي شهدت ذروة بيع المجوهرات داخل لبنان وخارجه، إذ سجّلت الإيرادات آنذاك 1,5 مليار دولار، وهو رقم استثنائي نسبة إلى موقع لبنان وحجم اقتصاده آنذاك.
وعلى الرغم من التراجع الدراماتيكي الذي بدأ في أوائل العام 2014، ظلّ قطاع المجوهرات في لبنان صامدًا بوجه التحديات، إلا أن المصمم فابيو عازار لم يجعل من الأرقام سببًا للقول بأن تصاميم المجوهرات اللبنانية لم تعد مطلوبة للخارج كما كانت، إذ يقول لـ”لبنان 24″ أنّه وعلى الرغم من تراجع الإيرادات، إلا أن دور لبنان لا يزال الأبرز بهذا المجال، خاصة مع نقل المصممين اللبنانيين أعمالهم ومصانعهم إلى دول الخليج، وهذا ما يشير بكلمات أخرى إلى أن مكان دخول الإيرادات تغيّر، إلا أنّ نكهة التصميم لا تزال لبنانية 100%. وهذا يشير حتمًا إلى خسارة لبنان موردا أساسيا من المداخيل، مع اتخاذ العدد الأكبر من المصنعين خيار الإستقرار في دول الخليج، ولو عادت الأمور الأمنية والسياسية إلى ما كانت عليه داخل لبنان.
وتطمئن الأرقام أكثر إلى أنّه وبالرغم من خروج أهم المصممين اللبنانيين من لبنان إلا أنّ الماركات الأجنبية لم تؤدِ إلى تحريك الثقة بالمجوهرات اللبنانية. وهذا ما أكّد عليه رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا محمد حسن صالح، الذي أشار إلى أنّ الصناعات اللبنانية من المجوهرات لا تزال تحتل المرتبة الأولى بين الصناعات الأجنبية، وهذا ما يدفعنا إلى إطلاق الدعم الكامل للقطاع الذي يعتبر أحد الركائز الاساسية بدورة الإقتصاد اللبناني، علمًا أن الإنتاج اللبناني يباع منه 10% فقط داخل لبنان و90% يصدّر إلى الخليج أولا ومن ثم أميركا وأوروبا، إذ إن رخص اليد العاملة هناك تثبت التنافسية التي استطاع اللبناني أن يبدع من خلالها، ويخرق الأسواق الأجنبية.
 
معقل الاسرار العائلية
وعلى الرغم من أنّ عملية الإنتاج تعتبر الأكبر في الشرق الأوسط، كما وطالت شرارتها جنوب أفريقيا وسويسرا، فإن أحد أهم المصممين في لبنان والذي نقل أعماله إلى الخليج إبان ثورة 17 تشرين يروي لـ”لبنان 24″ المغارة الكبيرة التي تخفيها هذه الصناعة، إذ إن العائدات التي يتم الإعلان عنها من قبل مالكي المصانع لا تشكّل أكثر من 35% من القيمة الحقيقية، وذلك يؤثر بطبيعة الحال على عملية توزيع الضرائب.
ويشير المصمّم اللبنانيّ الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ”لبنان 24″ إلى أنّ صناعة المجوهرات في لبنان هي بالمجمل صناعة عائلية بأكثر من 95% من المتاجر الموزعة من شمال لبنان إلى جنوبه. وبالتالي فإنّها تتمتع بالسرية المطلقة بين أعضاء العائلة الواحدة، إذ إنّها لا تتجاوز أبدًا حدود الأب والإبن والزوجة، أو الإخوة، وهذا ما دفعها إلى أن تتمتع بصفتين: سوق كبيرة وغير منظّمة.
ويؤكّد أنّه بالاضافة إلى عدم الكشف عن رقم الأرباح تهربا من عملية دفع الضرائب المرتفعة، فإنّه يرى بأن كبار التجار، خاصة أولئك الذين يمتلكون أسواقًا متصلة بالخارج، وتحديدًا بأفريقيا، غالبًا ما ينجزون صفقات مشبوهة، تحديدًا بعالم الألماس، وهذه الصفقات بطبيعة الحال هي غير شرعية طالما أنّها تدخل إلى البلاد عن طريق تهريبها، علمًا أن 6% من الألماس حول العالم يمرّ بالأراضي اللبنانية فقط، سواء ترانزيت أو لأجل نحته ووضعه على قطع المجوهرات التي يتم تصديرها إلى الخارج، إذ يتم بيع الألماس الذي يتواجد فيها لاحقا بسعر مضاعف بحوالي 36 مرة.
وعلى الرغم من الشبهات التي تدور حول هذه الصناعة، يبقى قطاع تصنيع المجوهرات في لبنان القطاع الأقوى، والأقدر على رفع الإقتصاد وإن بطريقة غير مباشرة، إلا أنّ أهمية تنظيمه يبقى الأساس، ليحافظ حوالي 8000 شخص من بينهم 25% من المصممين على تجارتهم من دون السماح للمنافسة غير الشرعية بضرب سمعة هذا القطاع، والمساهمة بنقل الأعمال إلى الخارج.
 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى