آخر الأخبارأخبار محلية

يفترض أن يكون لسانه بـ”24 فراشة”.. غسان سعود عانى من عسر التلفظ ويعترف: “نعم أبكاني التنمّر”

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”: الكلمة الجارحة كطرق مسمار في الخشب، والإعتذار كنزعِ مسمار من الخشب. تُرى هل يعي من يقفون عند حفافي الأرصفة متربصين بعسرٍ ما، بإعاقة ما، بشكلٍ وبطولٍ وبقصرٍ وبتشوهٍ وبتأتأة أنهم ناقصون، قبيحون، ضعفاء، أشرار؟ هو، مثل كثيرين، تعرّض الى التنمر والتجريح لسببٍ ليس له فيه، لعسرِ في التلفظ الذي يمنع خروج بعض الحروف بيسرٍ من فمه. وهو صحافي، يفترض أن يكون لسانه بـ»24 فراشة». فهل انتصر المتنمرون عليه؟ هو، على ما قال، لا يتذكر إلا من ساعدوه وكانوا، في أوقات العسر، أصدقاء، أما المتنمرون فمساكين. غسان سعود، تحبونه؟ تكرهونه؟ هو نجح في مواجهة التأتأة بنسبة 70 في المئة ومواجهة التنمر بنسبة مئة في المئة.

 

أجراسٌ كثيرة عند مدخل باب البيت. نختار أحدها ونقرع. وبالصدفة نعرف أن ما اخترناه جرس أرمني الأصل أتى به من أرمينيا يوم زارها سائحاً. كل بلاد الناس موجودة بأجراسِها عند المدخل وبرموز وأشكال وأنماط من العالم موزعة في أرجاء البيت. فيروز ايضا هنا وعادل إمام وتشي غيفارا… وولداه غاودي وغلان. غاودي يحب الكاميرا أما غلان، الذي سماه ملحم رياشي يوم ولد، فيُحب الممازحة أكثر.

 

يُعرّف غسان سعود عن نفسه: «زوج رولا (إبراهيم) وأب لولدين وصحافي part time وأعمل في مشروع زراعي معظم الوقت». هو شريك في زراعة الريحان وصناعة «البيستو». و»البيزنس» عرّفه، على ما يبدو، على جبران باسيل. لن ندخل معه في السياسة، ولا في قدرته على صبّ جام غضب الكثيرين عليه، بل سنسأله مباشرة: غسان سعود كيف واجهت التنمر؟يعرف غسان سعود كيف يُطوّع حروفه لتخرج، بدون مشاكل كبيرة، من بين فكيه فتصل الى المستمع سلِسة. هو يرّحب بالكلام في الموضوع يقيناً منه أن حلّ أي مشكلة تبدأ بالإعتراف بها ويقول: «هناك مشكلتان في النطق: التأتأة وتعليق مخارج الحروف. مشكلتي هي الثانية. أضطر أحياناً الى البحث عن أحرف أخرى، تُشكّل مرادفاً لما أريد قوله، لأتمكن من إطلاق فكرتي».

 

ظهرت مشكلته يوم كان في سن العاشرة. ويقول: «ليست العوامل النفسية وحدها سبب هذا النوع من المشاكل بل الغنج المفرط والدلال. في فترة الإمتحانات كانت تزيد المشكلة. الضغوطات النفسية التي قد أتعرض لها تؤثر أيضاً. وحين أتكلم مع شخص أرتاح إليه تختفي المشكلة كلياً. طريقة الآخر في النظر إلى الشخص تؤثر في هذا النوع من المشكلات، ففي صغري كانت والدتي تتعامل مع حالتي برفق لذا كنتُ اتكلم معها بانسيابية، في حين كان والدي ينتظر أن أخطئ كي يقول لي: تكلم جيداً، لذا كانت تشتدّ حالتي امامه».

 

المراهقة الصعبة

والداه ساعداه كثيراً، وأحبّاه كثيراً، لكن والده كان يخشى ان تكون حالة ابنه غسان وراثية، ويكون، من حيث لا يدري، قد أثر عليه سلباً، لهذا كان يطلب منه ويلحّ ان يتكلم طبيعياً مئة في المئة. هو اراده أن يُتقن الكلام. في المقابل كانت والدته تأخذه من إختصاصي الى آخر لمساعدته على تقويم نطقه، مع إغداق الكثير الكثير من الحبّ. و»الحبّ له إيجابيات كثيرة».

 

كبُر يُتأتئ (بحسب القاموس الشعبي). وفي عمر المراهقة اشتدّت عليه الحالة وزاد التنمر. يقول: «أتذكر أجواء التنمر و»السآلة» في الضيعة بالتحديد، لكن ما علق في بالي هو التعليقات الإيجابية. ويشرح: في الضيّع، في بتغرين مثلا، لكل شخص لقب يُعرف به بدل اسمه الحقيقي مثل «أبو الطول» و»أبو نص طول»… هناك يخترعون أسماء وألقاباً ويركزون على التنمر، بالإضافة الى أنهم يعرفون الشخص ويحتاجون الى من يتكلمون عليه ليل نهار. وهكذا يُصبح لقب من يتأتئ مثلا «أبو نص لسان».

 

قويّا يبدو غسان سعود لكن، في أعماقه، شيء ما يُنبئ بأن هذا الشاب، الصحافي، مرّ بتجارب كثيرة جعلت منه ما أصبح عليه. فهل لنا أن نعرف ماذا غيّرت حالة سعود، سلباً أو إيجاباً، في شخصيته؟ يجيب «مررتُ بتجارب كثيرة في حياتي. عانت والدتي من السرطان طوال خمسة عشر عاماً. ورأيتها تقاتل ما جعلني أعرف باكراً جداً معنى القتال. وتعلمتُ منها أن معركتي مع عسر التلفظ صغيرة جداً أمام معركة مرضى السرطان».

 

أصعب ما قد يمرّ به مراهق مصاب بتلك الحالة هو طريقة تعامل رفاقه معه، وزملائه في المدرسة، وطريقة التقرب من فتاة يريد ان يقول لها: أحبك. ويقول سعود: «لا شك ان عمر المراهقة كان صعباً جداً. لم يكن سهلاً التعبير عن افكاري، خصوصاً ان موضوع التنمر آنذاك، وأنا بعمر الخامسة عشرة كان مختلفاً عن اليوم. إبني إذا عاد اليوم من المدرسة وقال عن أحدهم «ناصح» نعمل قصّة في البيت. قديماً كان المجتمع كله يتفاعل مع نكات في برنامج فكاهي عن أشخاص يتلعثمون في الكلام ويضحكون عليه، وكلما استخدمت الحالة اكثر كلما اشتدّ الضحك والسخرية أكثر. وهذا صعب جداً. كان أصعب شيء لي هو الوقوف في الصف على اللوح. كان أكثر من ثلاثين تلميذاً ينتظرون كيف سأتكلم. في الضيعة ايضاً كانوا يفعلون ذلك. لذلك أخذت قراراً بأن أعترف أنا اولاً بحالتي لأعالجها. وكنت حين ادخل الى ندوة تدريبية فيها ثلاثة أشخاص او ثلاثين أقول لهم إنني أعاني مشكلة في النطق. وبهذا أتمكن من إزالة عبء أحكامهم المسبقة على أدائي. كنت أرتاح وما قد يفكرون به او يقولونه لاحقاً شأنهم وحدهم».

 

هي طريقة مثلى تريح، علّمها غسان سعود الى كثير من الشباب والشابات الذين كانوا يتصلون به ويُخبرونه ان حالتهم مثل حالته. كان يذهب إليهم ويتحدث معهم وينقل تجربته إليهم لمساعدتهم على تخطي مشاعرهم السلبية».


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى