آخر الأخبارأخبار محلية

“مش شايف حرب”.. ماذا وراء كلام جنبلاط عن “طائرات حزب الله”؟

“مش شايف حرب”.. عبارةٌ قالها رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط تعليقاً على قضية تحليق “مُسيّرات” لـ”حزب الله” باتجاه حقل كاريش المُتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل. حُكماً، الجملة واضحة بمعناها، وقد تكون معطوفة بجزمِ حقيقي بأنه حقاً “لا حرب”، خصوصاً أن جنبلاط هو من أكثر السياسيين الذين لديهم “رادارات” دوليّة، يتلقى المعلومات، يفنّدها ويضعها في إطارها.  


في الحقيقة، كانت إجابة جنبلاط بشأن “مُسيّرات” حزب الله” مُفاجئة نوعاً ما. في البداية، كان يمكن لأي متابع أن ينتظر موقفاً “تصعيدياً” من زعيم “الإشتراكي” ضدّ حزبٍ “سعى لتطويقه سياسياً ووجودياً إبّان الإنتخابات النيابية الأخيرة”. حقاً، الأمر هذا كان قائماً، فالجميعُ كان يترقب ما سيقوله جنبلاط بشأن ما حصل، باعتبار أنّ القضية ترتبطُ ببعدٍ وطني واستراتيجيّ يتعلّق مباشرة بملفّ ترسيم الحدود البحريّة.  
غير أن جنبلاط، قطع الشكّ باليقين بشأن موقفه من طائرات الحزب بجملة واحدة، فقال: “العدو ليس مُقصراً باستخدام الأجواء اللبنانية، أيضاً هناك قواعد للعبة التي للأسف البعض من اللبنانيين لا ينتبه لها ولا يراها، هناك قواعد للعبة، العدو الإسرائيلي يستخدم الأجواء اللبنانية”. 


حتماً، ما قاله جنبلاط ليس عادياً أبداً، وقد يجري تصويره وفق التالي: مثلما تقوم إسرائيل باختراق الأجواء اللبنانية يومياً، فإن “حزب الله” قام بالمِثل، أي أن المعادلة واضحة: “تحليقٌ مقابل تحليق.. تنقيب عن الغاز مقابل تنقيب عن الغاز.. مقاتلات مسلّحة مقابل مقاتلات مُسلّحة”. هنا، تكمُن الإشارة الأساسية باتجاه ما اعتبرها جنبلاط “قواعد اللعبة”، وقوله بأن “العدو الإسرائيلي ليس مقصراً باستخدام الأجواء اللبنانية”، إنّما قد يكونُ بمثابةِ “تبريرٍ” غير مباشر لما قام به “حزب الله”، وبالتالي غطاءً ليس محدوداً لمشروعيّة اتخاذ خطوات مماثلة أخرى في المستقبل القريب.  


“الإرباك الإسرائيلي”.. هل يقودُ إلى حرب؟ 


وفي ظل كل ذلك، يبقى كافياً إستطلاع المواقف الإسرائيليّة بشأن ما حصل. فحتى الساعة، ما ظهر بوضوحٍ تام في التحليلات والقراءات التي نشرها محللون إسرائيليون في مواقع عبريّة، إنّما يشيرُ بشكل واضح إلى أنّ هناك “إرباكاً” تاماً في القيادة العسكرية الإسرائيلية بشأن مُسيّرات “حزب الله”. 


ما يُمكن لمسه أيضاً من التحليلات هو أنّ “إسرائيل” تبجّحت بقدرتها على “إعتراض المُسيّرات”، لكنها لم تكشف أبداً عن مساعيها للرّد، بل هي مستمرة في إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة تفاصيل أكثر عن الطائرات، ولو وجدت فيها “تهديداً” واضحاً ولو اعتبرت ذلك بمثابة هجوم، لما كانت انتظرت كل الدراسات والتحقيقات لتبني موقفها التصعيدي من عدمه. لهذا، وبشكلٍ أو بآخر، يمكن اعتبار أن إسرائيل اليوم تفتقدُ المُبادرة للهجوم لعوامل عديدة يمكن تفنيدها وفق التالي: 


أولاً: المُسيرات التي أطلقها “حزب الله” كانت استخباراتية وليسَت هجوميّة، ما يعني أنّه لا “مبرر” لإسرائيل بافتعالِ عملٍ عدائي وحربي بسبب طائراتٍ عملها الأول والأساس، إن كان قائماً، هو التقاط صُور بالحدّ الأدنى، علماً أن “حزب الله” لم يكشف أبداً عن ماهية تلك الطائرات ووظيفتها، مُكتفياً بعبارة “غير مسلحة ونفذت مهمات استطلاعية”.  


ثانياً: الإرتباكُ الإسرائيلي ظهرَ تماماً في كيفية تفسير خطاب التصعيد الذي حاولت تل أبيب صياغته ولكن من دون جدوى. فالحديثُ مؤخراً ارتبط في تفسير ما ستحمله المرحلة المقبلة من تطوّرات، كما أن الأمور انحصرت في تفسيرِ الرسالة التي أراد “حزب الله” إيصالها للداخل الإسرائيلي.  


ثالثاً: باتت إسرائيل اليوم أمام اختبارٍ جدّي، وما حصل كشفَ عن “فزعٍ” مُتزايد وحُكماً هذا ما جرى. فبسبب طائرات صغيرة قد لا تُساوي في حجمها نصف جناح طائرات مقاتلة إسرائيلية، تحرّكت صواريخ دفاعيّة بأمّها وأبيها، فالهدفُ الأساس حماية السفينة العائمة في حقل “كاريش” بأي وسيلة وبأي طريقة. مع كل ذلك، فإن الفزعَ الكبير الذي ظهر هو أن إسرائيل باتت تتحضر نفسياً وعسكرياً لعملٍ قد يقوم به “حزب الله”، وتستخدم فيه صواريخ “ياخونت” المتطورّة التي تُشكل عبئاً ثقيلاً على أنظمة الدفاع الإسرائيلية، باعتبار أن تلك الصواريخ سريعة ولا يمكن التقاطها بسرعةٍ عبر أنظمةِ الرادارات المتطورة.  


رابعاً: إنّ هجوم إسرائيل على لبنان سيفتحُ جبهة كبيرة، وعندها ستصبح “الطاسة ضائعة”. ففي حال حصول حرب، فإنّ الصواريخ التي ستنهال على السفينة الموجودة في حقل كاريش، قد لا تنطلق من منطقة جنوب لبنان فحسب، بل يُمكن أن تنطلق من مكانٍ آخر. أكبر دليل على ذلك هو أنّ “حزب الله” في حرب تموز 2006، استهداف البارجة الإسرائيلية “ساعر 5” بصاروخٍ قيل أنه انطلق من نطاقٍ محاذٍ للعاصمة بيروت. وبذلك، فإن أنظمة القبة الحديدية البحرية قد تجدُ صعوبة في التقاط صاروخ قادمٍ من جهات غير متوقعة، في حين أنّه حتى الآن، لم يظهر بشكل قاطع وجازم ما مدى نجاح التحديثات التي أضافها العدو الإسرائيلي على منظومة القبة الحديدية عقب حربه على غزّة في النصف الأول من العام 2021.  


أمرٌ لا يمكن تجاهله 


مع تلك القراءة، فإنّ ما لا يمكن تجاهله هو “التلويح” الإسرائيلي المُتزايد مؤخراً بأن “ضخّ الغاز عبر منصة كاريش سيبدأ في أيلول المقبل”. التاريخُ هذا قد يُشكل انعطافة جديّة في مسار ترسيم الحدود البحرية، وفي حال حققت إسرائيل مُرادها بضخّ الغاز، عندها ستكون أبواب المنطقة مُشرّعة على تصعيدٍ غير مسبوق، وسيكون لبنان قد خسر الرهان. 


ولتفادي “السيناريو الداهم”، يبدو أن “حزب الله” استعجل تحرّكه في ذروة “الإيجابية” التي تكتنفُ المفاوضات المرتبطة بترسيم الحدود. وبالطبع، الرسالة هُنا كانت جازمة بأنّ التنقيب عن الغاز في كاريش يجب أن يتوقف قبل أي شيء، وإلا المفاجآت ستكون قادمة.  


عملياً، فإن التلويح الإسرائيلي عن الضخ في أيلول قد يكونُ بمثابة “استفزازٍ” من جهة، واختبار لـ”حزب الله” من جهة أخرى. فالموعد يقترب في حين أن المفاوضات تنتظرُ مساعٍ دافعة لها علماً أن هناك “استياء أميركياً” من خطوة “حزب الله” الأخيرة، وهذا ما كشفته الإتصالات التي أجراها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مع عددٍ من المسؤولين اللبنانيين. إلا أنه ومن أجل تفادي الحرب، وفي سبيل تحصين نفسها “نفطياً” وعلى صعيد الغاز، قد ترى “إسرائيل” نفسها مرغمة في تأخير الضخ المرتقب. فمن جهة، سيكون هذا الأمر بمثابة انتصارٍ للبنان، في حين أنه سيكون بمثابة إبعاد المنطقة عن كرة لهبٍ كبيرة، والأيام المقبلة ستكشفُ مسار ذلك حُكماً.  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى