آخر الأخبارأخبار دولية

غيراسيموف يخلف “الجنرال هرمجدون” فهل يقف عقبة في طريق فاغنر؟


نشرت في: 13/01/2023 – 21:59

بعدما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقليد رئيس أركانه فاليري غيراسيموف مفاتيح إدارة المعارك في أوكرانيا، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الروسية الأربعاء، سيتعين على القائد الجديد للعمليات تصويب الوضع العسكري الميداني على خلفية ما يبدو أنه بات تناحرا على السلطة مع مجموعة فاغنر. مهمة مستحيلة؟ 

يتعاقب القادة الروس المشرفون على العملية العسكرية في أوكرانيا باستمرار وسط ما يبدو أنه بات حرب شقوق على السلطة في موسكو. فبعد ثلاثة أشهر فقط من تكليفه قيادة الحرب في أوكرانيا، ترك سيرغي سوروفيكين الأربعاء مكانه، لكن ليس لصالح أي شخص. فقد اختار الرئيس بوتين أن يعهد بمصير “عمليته العسكرية الخاصة” إلى فاليري غيراسيموف رئيس أركان الجيوش. 

غيراسيموف هو “الرجل الثالث الأكثر أهمية في تسلسل هرم السلطة العسكرية الروسية -بعد بوتين ووزير الدفاع سيرغي لافروف- والذي بات عليه أن يصوّب الوضع في أوكرانيا”، حسبما أوضح جيف هاون المختص في المسائل العسكرية الروسية والمستشار في معهد نيوز لاينز وهو مركز أمريكي للبحوث الجيوسياسية. 

  • أكثر اعتدالا من “الجنرال هرمجدون” 

إضافة إلى أن فاليري غيراسيموف هو ضابط أعلى مرتبة من سيرغي سوروفيكين، فإن الرجلين يشتهران كذلك بأن لديهما شخصيتين مختلفتين جدا. حتى إن سوروفيكين يوصف بأنه “وحشي وقاس” وأيضا بأنه “يُعدم بلا رحمة”. 

في المقابل، فإن القائد العام الجديد للجبهة الأوكرانية يحظى في رصيده “بمسيرة صلبة في الشيشان وشبه جزيرة القرم، وينظر إليه على أن له تأثيرا معتدلا على مسار الحرب. كما أنه شخص يمكن للأمريكيين العمل معه” يضيف جيف هاون. 

من جانبه، يرى ستيفن هول الخبير في أسرار السياسة الروسية من جامعة باث البريطانية بأن “من المؤكد أنه ليس من قبيل ‘جنرال هرمجدون’ مثل سيرغي سوروفيكين، لكنني لا أعرف الأثر الذي يمكن أن يحدثه على مسار الحرب”. يضيف هول: “حتى لو شاء، فإن فاليري غيراسيموف لا يملك لا المعدات ولا الوسائل ولا حتى الرجال لتغيير طريقة عمل الجيش الروسي بطريقة جذرية”. 

ومن وجهة النظر العسكرية، قال مارك غاليوتي المتخصص في المسائل الأمنية الروسية في تغريدة على تويتر، إن تعيين هذا الجنرال “يؤكد خصوصا بأنه يجب توقع هجمات كبيرة خلال الربيع وأن بوتين يدرك الحاجة إلى وجود تنسيق أفضل بين القوات”. وكونه من جهة رئيس أركان القوات المسلحة ومن جهة ثانية بات قائدا للعمليات في أوكرانيا، فمن المفترض أن يكون لدى فاليري غيراسيموف كافة الأدوات اللازمة لتحسين هذا التنسيق. 

  • التضحية بغيراسيموف أو إضعاف فاغنر؟ 

إلا أن لإعادة توزيع الأدوار أهمية سياسية قبل كل شيء، حيث أنها تأتي في لحظة حاسمة في ظل صراع النفوذ بين يفغيني بريغوجين ومرتزقته من مجموعة فاغنر من ناحية، والجيش التقليدي من أخرى. 

لا يحظى هذا الأخير حاليا بشعبية في موسكو. فالحرب في أوكرانيا لا تسير كما تم التخطيط لها. يقول جيف هاون: “لقد تعرض (الجيش الروسي) للتو للإذلال بعد القصف الأوكراني على ماكيفكا”. 

وعلى الضفة الأخرى، يتفاخر يفغيني بريغوجين بما يقول إن مجموعة فاغنر قد حققته من “انتصار” مزعوم في بلدة سوليدار بمنطقة دونباس شرقي أوكرانيا. فيما لم يبد الجيش الروسي تقديرا كبيرا لتلك الأنباء، وسارعت قيادة الأركان إلى الإعلان بأن المظليين ساهموا بشكل كبير في القتال. كل هذا فيما لا تزال المعارك في تلك البلدة الصغيرة مستعرة. 

فصباح الجمعة، قالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني غانا ماليار إن قوات بلادها تتصدى حاليا لهجوم روسي “مكثف جدا” في سوليدار رغم “ليلة حامية”. وصرحت ماليار على تلغرام: “الليلة كانت حامية في سوليدار والأعمال العدائية مستمرة”. مضيفة أن “العدو دفع بكل قواته الرئيسية تقريبا باتجاه (منطقة) دونيتسك ويواصل هجوما مكثفا جدا”، معتبرة أنها “مرحلة صعبة من الحرب”. 

بدوره، نفى المتحدث باسم القيادة العسكرية الشرقية لأوكرانيا الجمعة سيطرة روسيا على بلدة سوليدار وقال إن الوحدات الأوكرانية لا تزال هناك. وصرح المتحدث سيرغي شيريفاتي: “وحداتنا موجودة والمدينة ليست تحت السيطرة الروسية”. والخميس، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن قواته في سوليدار تتشبث بمواقعها وتُلحق بالقوات الروسية خسائر فادحة. 

ومهما كان الواقع الميداني، فإن الرسالة التي تلقتها الدوائر المحافظة في موسكو، التي تنتقد الجيش بشدة، هي بأن مجموعة فاغنر كانت في طليعة واحدة من النجاحات الروسية القليلة في أوكرانيا. يبدو أن يفغيني بريغوجين قد سجل نقطة ضد منافسه الرئيسي في الكرملين وزير الدفاع سيرغي تشويغو. يشرح جيف هاون: “يكره الاثنان بعضهما البعض بشدة، وينبغي اعتبار كل تصرف منهما على أنه محاولة من أحدهما لإضعاف الآخر، في محكمة فلاديمير بوتين”. 

ضمن هذا السياق، يرى ستيفن هول بأنه يمكن تفسير تعيين فاليري غيراسيموف بطريقتين: الأكثر بديهية هي أن القرار “دعوة إلى الانضباط وجهها فلاديمير بوتين إلى يفغيني بريغوجين كي لا يظن الأخير أن كل شيء مباح” له. ويضيف الباحث المتخصص في السياسة الروسية، بأن القائد الجديد للعمليات هو في الواقع، أحد أقرب المتعاونين مع سيرغي شويغو. ويرى هول: “هناك رهان كبير بأن يترك مجموعة فاغنر تتحرك بحرية أقل من سلفه سيرغي سوروفيكين، الذي يعد أقرب أيديولوجيا لبريغوجين”. 

كما تخفف هذه التسمية أيضا العبء على سيرغي شويغو، حسبما يرى ستيفن هاول، الذي يوضح: “لن يضطر بعد الآن إلى التعامل مع سيرغي سوروفيكين الذي قضى وقته في محاولة غرس السكاكين بظهره”. 

  • نموذج للمدرسة “البوتينية” 

يضيف ستيفن هول، أنها ستكون نموذجا للمدرسة “البوتينية”. حيث إن سيد الكرملين لا يقدّر أن تستحوذ إحدى الفصائل من بلاطه على السيطرة أكثر من اللازم، أو أن “تبدأ في الشعور براحة شديدة في العلن”. لقد حصل فاليري غيراسيموف بذلك على السلطة التي تخوله إعادة مجموعة فاغنر إلى الصف نوعا ما. 

إلا أن الهدية التي قدّمها فلاديمير بوتين لرئيس أركانه مسمومة. يشرح جيف هاون: “فمنذ الآن، بات في مقدمة الجبهة ولن يكون بوسعه أن يلقي اللوم على الآخرين في حال تدهور الوضع أكثر في أوكرانيا بالنسبة للجيش الروسي”. 

كما لا يستبعد هاون أن يكون الدور الجديد لفاليري غيراسيموف هو الأخير له. وهو يقول ههنا: “إنه في وضع حيث بإمكانه الفشل، ما سيمنح فلاديمير بوتين العذر للتخلص منه ومن ثمة إرضاء الأوساط المحافظة”. 

يمكن القول أيضا إن وضع فاليري غيراسيموف هو أكثر حساسية من البقاء في موسكو. حيث إن التوزيع الجديد للأدوار يعني في الواقع، أنه سيكون واحدا من اثنين في أوكرانيا، مسؤولان عن تنفيذ الأوامر، أحدهما ليس إلا سيرغي سوروفيكين. يعتبر ستيفن هول أن الأخير “قد يحاول على الأرجح مواصلة ما كان يقوم به في السابق على الميدان، فيما يقوم بتشويه عمل فاليري غيراسيموف”. 

لهذا يبقى هذا التعيين مربكا. فهو في آن خبر جيد وسيء لمجموعة فاغنر، إذ أنه سيقوي جناح وزير الدفاع فيما يضعف إلى حد كبير أحد أفضل حلفاء سيرغي شويغو. 

هكذا هي بعض أسرار المؤامرات التي تحاك في دهاليز الكرملين في عصر فلاديمير بوتين. لأن القرار في نهاية الأمر، هو بمثابة حالة نموذجية لما يتقن الرئيس الروسي “فعله بشكل أفضل: التلاعب بمعاونيه وتأليبهم ضد بعضهم البعض، حتى ينشغلوا بشكل كامل بتعذيب بعضهم البعض، تاركين للرئيس الروسي دور الحَكَم”، حسبما يرى ستيفن هول. لقد استشعر فلاديمير بوتين بأن النكسات العسكرية في أوكرانيا قد تنقلب عليه. لذلك قرر أن يضع قططه البرية الكبيرة في نفس الحلبة، أوكرانيا.

سيباستيان سايبت


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى