آخر الأخبارأخبار محلية

من قال إن السنّة في لبنان محبطون؟

لو كنت أتكّلم عن موارنة لبنان، وما أصابهم من إحباط نتيجة عوامل عدّة، لقيل لي إني منحاز في حكمي على مجريات التاريخ. أمّا أن أتحدّث عن عدم إحباط سنّي فلا أُتهم بما لا شأن لي به. 

 

 ومن بين أهم العوامل التي أدّت إلى هذا الإحباط المسيحي نفي العماد (الرئيس) ميشال عون إلى باريس، وإدخال الدكتور سمير جعجع إلى السجن، فضلًا عن تضعضع واضح في الصفوف المسيحية بفعل ما تعرضوا له من مضايقات بوليسية في حينه، والتي بلغت أوجها في 7 آب من العام 2000، حين كان المثلث الرحمات البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يثبّت أسس مصالحة الجبل. 

أمّا عدم شعور أهل السنّة بالإحباط كما شعر به الموارنة، فيعود إلى أن قياداتهم السياسية لم تُضطهد كما القيادات المارونية، الذين يتناحرون اليوم على رئاسة الجمهورية، وأن هذه القيادات باستثناء الرئيس سعد الحريري، الذي قرر إقصاء نفسه وتياره عن الحياة السياسية، ولو مؤقتًا، لا تزال تلعب الأدوار الوطنية التاريخية، والتي لعبتها منذ قيام لبنان الكبير حتى اليوم. 

قد يأخذ البعض على بعض النواب السنّة المشتتين أنهم غير موحدّي الكلمة والهدف، وهو أمر طبيعي في المجتمعات الديمقراطية، ولم تكن كلمة أهل السنّة مجمعة على شخصية قيادية واحدة عبر التاريخ، قبل ظاهرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي واكب اتفاق الطائف، منذ أن كان مشروع اتفاق حتى أصبح اتفاقًا أنهى الحرب اللبنانية، ومن بعد استشهاد والده تمكّن الرئيس سعد الحريري، في مرحلة معينة مع أحزاب وتيارات 14 آذار، أن يفرضوا خروج الجيش السوري من لبنان، فتوحدّت الصفوف حول مشروع “السيادة والحرية والاستقلال”، مع ما رافق هذا المشروع من “دعسات ناقصة” أدّت إلى “انفخات الدفّ وتفرّق العشاق”. 

 

وعلى رغم قرار سعد الحريري الانسحاب من الحياة السياسية، ولو لفترة غير محدّدة، فإن دار الفتوى ونادي رؤساء الحكومات السابقين قاموا بما عليهم القيام به، وبالأخصّ حين حشدوا كل الطاقات للحؤول دون مقاطعة أهل السنّة الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث كان التجاوب مع عدم حماسة “المستقبليين” محدودًا في أكثر من منطقة، وبالأخص في بيروت وطرابلس وصيدا وعكار والبقاع. 

 

ومع أن الرئيس نجيب ميقاتي تعرّض لأقسى الحملات السياسية من قبل رئيس “التيار الوطني الحر” السيد جبران باسيل، فإنه بقي يدافع عن صلاحيات رئاسة الحكومة حتى اللحظات الأخيرة من عهد الرئيس السابق ميشال عون، ولم يسمح لأحد بأن يتخطّى هذه الصلاحيات، بالتزامن مع حرصه الشديد على صلاحيات المرجعيات الأخرى.  

 

وهكذا بقي مصرًّا على موقفه من تشكيل الحكومة الكاملة المواصفات، ورفضه إلا أن يكون شريك الند للند مع رئيس الجمهورية في عملية التشكيل، على رغم حملات التشكيك ومحاولات التهويل والتهديد بـ”الفوضى الدستورية”. 

 

ولولا صموده، ومعه آخرون ممن لا يزالون يؤمنون بدولة – المؤسسات، لكان البلد متروكًا اليوم لأقداره في غياب التوافق على رئيس للجمهورية وفي ظل انقسام عمودي حول هذا الاستحقاق بين محورين متناحرين ومتخاصمين، ولا يلتقيان على قراءة مشتركة لعملية إنقاذ الوطن من براثن التشتت والضياع، فضلًا عمّا يعانيه اللبنانيون بكل طوائفهم من ضائقة اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية وحياتية. 
وهذا التخبّط الداخلي يقابله في الخارج تحرّك يمكن إدراجه في خانة “إنقاذ ما يمكن إنقاذه”، تقوده فرنسا بالتفاهم مع المملكة العربية السعودية، مع سعي لتوحيد الصف السنّي بالقدر المطلوب لمواجهة الاستحقاقات الداهمة، بدءًا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتاليًا تشكيل حكومة تكون على مستوى المرحلة الآتية، مع ما فيها من تحدّيات. 
وهذا السعي، وإن لم يصل إلى خواتيمه بعد، لكنه لن يتوقف إلا بتوحيد الصف السنّي، انطلاقًا من معادلة أصبحت موازية لدور أهل السنّة في لبنان تاريخيًا، وهي تحاكي مفصلية الكيان اللبناني، الذي أُسس له حين توافق السنّة والموارنة تحديدًا على معادلة لا للشرق ولا للغرب، أي لا للانتداب الفرنسي ولا للأطماع السورية التاريخية بلبنان.  
 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى