آخر الأخبارأخبار دولية

معركة دول الجنوب ضد هيمنة دول الشمال في استغلال الموارد الطبيعية


نشرت في: 13/12/2022 – 21:41

منذ عقود خلت، ما فتئت دول الجنوب وشعوبها تطالب بالحد من الهيمنة التي تفرضها الدول المتقدمة في مجال استغلال الموارد البيولوجية المستخرجة من أراضيها. وتطالب خاصة بالمشاركة في المنافع الناتجة عنها، على غرار ما يستخدم منها لأغراض طبية أو زراعية أو صناعية. إنها مسألة القرصنة البيولوجية التي ستكون بمثابة عقبة رئيسية يجب تخطيها خلال مفاوضات قمة المناخ COP15 حول التنوع البيولوجي، والمنعقدة حاليا في مدينة مونتريال الكندية.

في العام 2016 ، تحدثت الكاتبة والناشطة النسوية البيئية الهندية فاندانا شيفا في مداخلة بالمعهد العالمي للاستدامة والابتكار التابع لجامعة أريزونا في الولايات المتحدة لشرح مفهوم القرصنة البيولوجية، عرضت حالة براءات الاختراع الخاصة بالبذور، قائلة “براءة الاختراع حق المخترع في استبعاد أي شخص من صنع أو استخدام أو بيع أو توزيع ما اخترعه. والمشكل هنا يتعلق بالبذور، فهي ليست اختراعا”. مضيفة “ما يحدث هو الآتي: تقابلني وتأخذ مني البذور، ثم تقوم بتسجيل براءة اختراع خاصة بها وتقول أنا من صنعها وتطالب بحقوق الاختراع. هذه هي ‘القرصنة البيولوجية’.”

ولفترة طويلة، كانت الموارد البيولوجية الموجودة في البلدان الغنية كالبذور والنباتات والحيوانات وحتى المركبات الكيميائية، موارد طبيعية مستخرجة خلال الحقبة الاستعمارية، عندما كانت الإمبراطوريات تنهب ثروات الأراضي التي تحتلها.

وبعد الحصول على براءات اختراعات خاصة بهذه الموارد، يتم تصديرها. الأمر الذي منح فرصة استكشافات بالغة الأهمية في مجالات كالطب والزراعة بل وحتى مستحضرات التجميل. ولم يكن لهذا التقدم أن يحدث لولا المعرفة التقليدية الموجودة عند المجتمعات الأصلية المحلية التي، في أغلب الأحيان، لم يتم الاعتراف بها أو مكافأتها ماديا.

وقد أصبحت مسألة القرصنة البيولوجية أكثر تعقيدا مع رقمنة البيانات الجينية الخاصة بالمصادر البيولوجية وتخزينها عبر الإنترنت. ما يعتبر موضوعا عويصا يمكنه تهديد الاتفاقية العالمية بشأن التنوع البيولوجي، التي تدور حولها مفاوضات حاليا في مؤتمر كوب 15 الذي يستمر بمدينة مونتريال الكندية إلى غاية 19 كانون الأول/ ديسمبر.

جدل حول علاج ضد مرض الملاريا

وتأتي قضية الملكية وتقاسم الفوائد لتحتل صلب النقاش. ويبقى السؤال مطروحا، لماذا يجب على الدول الغنية أن يكون لها نصيب الأسد من عائدات تنوع بيولوجي غني تمتلكه الدول الفقيرة؟

ومن جهتها، حاولت اتفاقية التنوع البيولوجي الإجابة على هذا السؤال منذ بداية العام 1993، حيث كان أحد أهدافها “التقاسم العادل والمنصف للأرباح الناجمة عن الموارد الجينية”. لكن لم يتمكن ذلك من وضع حد لحالات القرصنة البيولوجية بعد دخولها حيز التنفيذ.

وعلى سبيل المثال، نشر باحثون فرنسيون النتائج الأولية لرحلتهم إلى غويانا الفرنسية حيث أجروا مقابلات لمعرفة المزيد عن العلاجات المحلية للملاريا. ففي العام 2015، حصل معهد الأبحاث للتنمية (IRD) على براءة اختراع من مكتب براءات الاختراع الأوروبي (EPO) خاصة بعلاج يكمن في مركب مشتق من الكينين الموجودة بمدينة كايان، وهي نبتة موطنها الأصلي بعض المناطق من أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.

وفي العام نفسه، قامت مؤسسة دانييل ميتران بتقديم استئناف ضد هذه البراءة. واستنكرت “حالة واضحة” لقرصنة بيولوجية. وأوضحت أيضا أن معهد الأبحاث للتنمية “استولى على المعارف التقليدية ولم يعترف بمساهمة السكان الأصليين والمحليين في البحث”.

وعلى الرغم من أن الباحثين تمكنوا من اكتشاف التركيبة المضادة للملاريا في هذه النبتة عن طريق استخدام مستخلص يعتمد على الكحول – بدلا من الانحلال التقليدي للنبات في الشاي – إلا أن المعرفة المحلية هي من وجهتهم نحو استعمال مادة الكينين الموجودة في نبتة كايان.

وفي الأخير، أجمع الطرفان، غويانا ومعهد الأبحاث للتنمية على إبرام اتفاق بأثر رجعي مفاده تقاسم الفوائد محتملة، اقتصادية كانت أو علمية، لها علاقة بهذا المركب. ولكن في العام 2018 ، قرر المكتب الأوروبي لبراءات الاختراع OEB أنه يمكن لمعهد الأبحاث للتنمية الاحتفاظ ببراءة اختراعه، وبالتالي التمتع بصلاحية منع السكان المحليين من استغلال هذا العلاج تجاريا.

هذا، وفي العام 2014، أي قبل عام واحد فقط من منح معهد الأبحاث للتنمية براءة الاختراع، كانت اتفاقية دولية ملزمة قانونيا قد دخلت حيز التنفيذ وتتمثل في بروتوكول ناغويا، الذي يلزم البلدان بالتقاسم العادل والمنصف للموارد البيولوجية. وبما أن هذه الاتفاقية لا ينطبق عليها الأثر الرجعي، فالبحوث التي أجراها باحثون فرنسيون العام 2005 لا تندرج في هذا الإطار.

وقد صادقت حوالي 137 دولة حول العالم على بروتوكول ناغويا، فيما امتنعت دول مثل الولايات المتحدة وكندا وروسيا عن التصويت.

مشاكل سببها معلومات التسلسل الرقمي

لقد كانت معلومات التسلسل الرقمي للبيانات الوراثية بالغة الأهمية ولأسباب عديدة، على غرار اكتشاف علاجات جديدة ضد الإيدز والكائنات المعدلة وراثيا وتسريع الاختبارات واكتشاف اللقاحات ضد Covid-19 وغيرها…

وتضم هذه التطورات التكنولوجية أيضا بعض المضاعفات. فمن المفترض أن تعود فوائد البحوث باستخدام المصادر البيولوجية إلى البلد الأصلي من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي. ولكن بسبب معلومات التسلسل الرقمي، تصبح إمكانية التتبع مبهمة. وفي السياق، تعتبر أمبر هارتمان شولتز، الباحثة في معهد لايبنيز DSMZ في ألمانيا، أن مسألة تقاسم هذه الفوائد “منطقة رمادية”.

ويؤدي هذا الوضع إلى طريق مسدود وفق الباحثة الألمانية التي توضح “تقول دول الجنوب إنها لن تقبل إطار عمل (اتفاقية كوب 15) إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الفوائد، ومن جهتها تقول دول الشمال إنها لن تقبل اتفاقا حول الفوائد إذا لم تقبل دول الجنوب الإطار المبدئي لاتفاق كوب 15.”

لكن يبقى هناك أمل… قبل مؤتمر COP15، اقترح الاتحاد الأفريقي إنشاء آلية تكمن في فرض ضرائب على جميع المنتجات المتعلقة بالتنوع البيولوجي تبلغ نسبتها 1٪. هذه النسبة تخص أسعار التجزئة لهذه المنتوجات. والهدف منها، تعزيز الحوار حول التنوع البيولوجي في هذا المجال. وفي هذه الحالة، ستنطبق القواعد نفسها على جميع البلدان. كما أشارت الباحثة الألمانية أمبر هارتمان شولتز إلى أن “التحدي الأكبر يكمن في كيفية إقناع الجميع بأن هذا الخيار هو الأصح، خاصة في فترة يعرف فيها التضخم تزايدا متواصلا.”

النص الفرنسي لارا بولانس – أعده للعربية فارس بوشية


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى