آخر الأخبارأخبار دولية

من أكواخ سيدي بلعباس إلى العالمية.. اليونسكو تصنف موسيقى “الراي” ضمن التراث العالمي غير المادي

نشرت في: 01/12/2022 – 13:05

بعد الخبز الفرنسي “لابغيت”، صنفت منظمة اليونسكو موسيقى الراي، التي ظهرت في الغرب الجزائري بداية القرن العشرين الماضي، ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي، تقديرا لهذا الصنف الموسيقى الذي غزا العالم في غضون سنوات قليلة فقط. وغالبا ما تعبر أغاني “الراي” على المعاناة الاجتماعية والاقتصادية للشبان وانعدام الأفق أمامهم. لكن في نفس الوقت تواجه هذه الموسيقي مشكلة عدم احترام حقوق المؤلفين والملحنين فيها.

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إدراجها موسيقى “الراي” الجزائرية ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تصنيف موسيقى من منطقة شمال أفريقيا ضمن التراث العالمي. وتجتمع لجنة الحفاظ على التراث الثقافي وغير المادي التابعة لليونسكو منذ الاثنين 28 نوفمبر في مدينة الرباط المغربية، لاتخاذ قراراتها والكشف عن اختياراتها الجديدة.

وظهرت موسيقى “الراي” بداية القرن العشرين في الأحياء الشعبية بمدينة سيدي بلعباس غرب الجزائر، والتي تبعد حوالي 80 كيلومتر عن وهران، عاصمة الغرب الجزائري. ثم سرعان ما انتشرت في عموم الغرب الجزائري لتشمل مدنا أخرى كمستغانم وتلمسان ووهران وعين تموشنت ومدن محاذية للمغرب كمدينة مغنية وتلمسان التي ينحدر منها الفنان بلمو مسعود الذي أدخل للمرة الأولى آلة “السكسوفون” في موسيقى الراي.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور محل “ديسكو مغرب” بوهران الذي أنتج العديد من فنانين موسيقي الراي من بينهم الشاب خالد والشاب حسني. أغسطس/أب 2022 © ليدوفيك ماران أ ف ب

 

من غناء “المداحات” إلى أم الراي الشيخة ريميتي

وفي إحدى مقالاته، كتب الصحفي الجزائري السابق في أسبوعية “أخبار الجزائر” محمد بلحي والمختص في موسيقى “الراي”، بأن الأخيرة انحدرت من شعر “الملحون” الذي كان سائدا بين سكان البدو في الغرب الجزائري. كما كانت النساء اللواتي يلقبن بـ “المداحات” (مدح عبر الأغاني التقليدية والشعبية) أيضا تغنين الراي في المناسبات والأعراس بالقرى والأحياء الشعبية في الغرب الجزائري.

وسلطت الأضواء على موسيقى “الراي” في العشرينيات من القرن الماضي مع ظهور مغنيين جدد، كانوا يمزجون بين الغناء والعزف على آلات موسيقية، على غرار الشيخ حمادة والشيخ الخالدي والشيخة رميتي، التي تعد من بين أبرز مطربات “الراي”، والتي عرفت شهرة كبيرة في الجزائر وخارجها خصوصا بعد صدور ألبومها الأخير “أنا وغزالي نلقط في النوار”.

تتعدد الرسائل التي يحملها “الراي”.. فإذا كانت التقاليد تطغى على أغنياته في الأعراس والحفلات، فذلك الذي كان يشدو به رواد المقاهي والحانات الليلية غالبا ما يعبر عن معاناة الناس من الفقر والبطالة وأيضا عن المشاعر العاطفية الممزوجة غالبا بالحزن في سياق العشق والرغبات الجنسية.

وتعد الشيخة “ريمتي” من اللواتي أعطين صدى كبيرا لهذه الموسيقى عبر أغانيها الجريئة، كتلك التي تذكر علاقات جنسية، مستغلة هذا السجل للتطرق بصفة غير مباشرة إلى أزمة السكن التي يعاني منها الجزائريون، على غرار أغنية (مارسنا الجنس في كوخ قذر). كما تطرقت إلى قضايا أخرى، كتناول الكحول واليأس أمام تراكم المشاكل الإجتماعية والاقتصادية المتعددة.. وهي مواضيع كانت السلطات الجزائرية السياسية والدينية تقوم بإغفالها لتفادي الإحتجاجات الشعبية.

قلعة "سانتا كروز" التي بناها الإسبان بوهران. تطل على البحر الأبيض المتوسط. في 1831 استولت عليها القوات الفرنسية وأصبحت اليوم مزارا دينيا وسياحيا. كما زارها الرئيس ماكرون خلال زيارته الأخيرة للمدينة.

قلعة “سانتا كروز” التي بناها الإسبان بوهران. تطل على البحر الأبيض المتوسط. في 1831 استولت عليها القوات الفرنسية وأصبحت اليوم مزارا دينيا وسياحيا. كما زارها الرئيس ماكرون خلال زيارته الأخيرة للمدينة. © أ ف ب / رياض كرامدي

 

دعم موسيقى “الراي” وقمع الأغنية الأمازيغية الملتزمة

أما في الستينيات وبعد استقلال الجزائر، خرجت موسيقى “الراي” من بقعتها الأصلية وانتشرت في جميع أنحاء الجزائر، متسلحة بآلات جديدة في فرقها الموسيقية، كآلات السكسوفون والقيثارة الإلكترونية والأكورديون، فضلا عن آلتي الناي و”الدربوكا” التقليديتين. 

وعرفت موسيقى الراي رواجا كبيرا في الثمانينيات مع ظهور مطربين جدد، على غرار الشاب خالد والشاب مامي والشابة فضيلة والزهوانية والشاب صحراوي وغيرهم. فيما قام النظام الجزائري آنذاك بدعم هذه الموسيقى وتطويرها. ويرى بعض المختصين أن ذلك كان رغبة منه في إسكات صوت الأغنية الأمازيغية التي كانت أكثر التزاما وانتقادا للوضع السياسي ومطالبة بالديمقراطية وبحرية التعبير.

“الراي” كوسيلة من أجل الهروب من الواقع الجزائري المر

هذا، وبرزت أغاني عديدة على الساحة الفنية الجزائرية أبرزها أغنية “كوتشي” لخالد من تلحين الموسيقار صافي بوتلة وأغنية “ليت مي راي”، أي “اتركني أغني الراي” للشاب مامي وأغنية “نبغيك ياعيني” أو “أحبك يا عيني” للشابة فضيلة.

أغاني أصبحت تسمع في المقاهي والحفلات وتردد من قبل الكثير من الجزائريين خصوصا الشباب منهم. وارتفعت شعبية موسيقى الراي مع دخول الشاب حسني الساحة الفنية، حيث سجل في غضون سنوات قليلة عشرات الألبومات، ومن بين أغانيه المعروفة “أغنية الفيزا” التي تروي حكاية الشباب الجزائري الذي يحلم جزء منه بمغادرة البلاد إلى أوروبا، أو أغنية “طال غيابك يا غزالي” التي عبر من خلالها عن صعوبة نسج علاقات غرامية بين الشبان والشبات في الجزائر أو أغنية “مازال الأمل..

كل هذه الأغاني أعطت زخما كبيرا لموسيقى الراي وجعلتها تنتشر في جميع أنحاء الجزائر بما في ذلك منطقة القبائل. كما شكل مهرجان موسيقى الراي الأول الذي نظمته بلدية “بوبيني” بمنطقة سان سان دوني الفرنسية عام 1986 انطلاقة لهذه الموسيقى نحو المشهد العالمي.


12:57

 

مامي وخالد، الصوتان اللذان أدخلا موسيقى “الراي” إلى العالم العالمية

حضر مهرجان “بوبيني” كلا من الشاب خالد والشاب مامي والشابة فضيلة ومطربين آخرين. ما سمح للمتفرجين الفرنسيين ومسؤولين في قطاع الموسيقى والثقافة الفرنسية بشكل عام أن يكتشفوا أسلوبا موسيقيا جديدا يذكرنا بموسيقى “الجاز” أو “الريغي”.

بعد هذا، تحولت المقاهي العربية بباريس إلى مسارح لمغنيي الراي، فيما أبدى بعض الملحنين الفرنسيين الكبار اهتمامهم بهذه الموسيقى، على سبيل المثال جان جاك غولدمان الذي لحن لخالد أغنية “عيشة” التي اشتهرت عالميا وتم ترجمتها إلى العديد من اللغات. نفس الشيء بالنسبة للشاب مامي الذي أصبح يشارك المغني البريطاني الشهير ستينغ حفلاته العالمية والشاب حسني الذي غزا الأسواق بأعماله الفنية قبل أن يتم اغتياله من طرف إرهابيين عام 1994.

ويعتبر الشاب خالد من بين مغنيي الراي الذين أوصلوا هذه الموسيقى إلى العالمية، بفضل صوته القوي والجميل والآلات الموسيقية العصرية التي أدخلها إلى فرقته الموسيقية. كما غنى خالد أيضا باللغة الفرنسية، ما أعطى للراي انتشارا في الأوساط الفرنسية والأوروبية وأوصله إلى أكبر وأشهر قاعات الحفلات مثل قاعة “أرينا-بيرسي” حيث أحيا سهرة كانت الأولى من نوعها لمطرب عربي، وشارك فيها الثلاثي خالد ورشيد طه والشاب فضيل.

“الراي” ومشكلة حقوق المؤلفين

لكن السؤال المطروح، ما الذي سيضيفه تصنيف اليونسكو لموسيقى الراي كتراث عالمي ومعنوي؟ بالنسبة لندام عبدي الذي كان سابقا مسؤولا عن قسم الموسيقى العالمية في جريدة “ليبراسيون”، فإدراج موسيقى الراي ضمن التراث العالمي لن يزيد ولن ينقص من قيمتها.

وقال في تصريح لفرانس24: “هناك أصناف أخرى من الموسيقى كان يمكن لليونسكو إدراجها ضمن التراث المعنوي والعالمي من طرف اليونسكو كالأغنية الشاوية (وهو نمط موجود في المناطق الشرقية للجزائر وبالتحديد في الجبال)”، مشيرا أن “تصنيف الراي من اليونسكو ما هي إلا عملية سياسية دبرتها السلطات الجزائرية من أجل إرضاء الفئات الشعبية ومحبي هذه الموسيقى. والدليل أنها كانت تنشط من أجل ذلك منذ 2015”.

وختم عبدي: “موسيقى الراي تعاني من مشاكل عدة منها الملكية الفكرية للأغاني. فلا نعلم دائما وبالتحديد أصحاب الأغاني الحقيقيين. لذا لا يمكن في اعتقادي أن نحمي نمط موسيقى دون حماية حقوق المؤلفين. فعلى سبيل المثال المغنية بغار حدة ماتت متسولة في الشوارع بالرغم من أنها غنت الكثير وقدمت الكثير للموسيقى الجزائرية”.

طاهر هاني


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى