آخر الأخبارأخبار محلية

لو كان في لبنان دولة…

“عَ شعرة كانت ولعت”. هذا ما خرج به من انطباعات أولية أحد المسؤولين في البلد، الذي هو اليوم في غنىّ عن أي سجال مذهبي أو طائفي بغيض لن يقود إلا إلى المزيد من التشرذم والخصام، وإلى تأجيج الغرائز وتحريكها. وكان حري بجميع الذين قالوا كلامًا غير مسؤول، وهو نتيجة غضب انفعالي وفوري كردّة فعل على إساءات طالت المقدسات الدينية لإحدى الديانات السماوية، وقد تطال الاساءات نفسها غدًا أو بعده الطائفة الأخرى المتهمة بإثارة النعرات الطائفية، ألا ينساقوا إلى ما لا يريدونه في عمق أعماق أنفسهم، وهم يدرون أكثر من غيرهم أن العيش في بلد متجانس فكريًا وعقائديًا ونهجًا وممارسات غير ممكن، لأنه يتحّول في غفلة من الزمن شبيهًا بالمجتمع الإسرائيلي، الذي يرفض التعايش مع الآخر، الذي لا يشبهه. وهذا ما يحصل اليوم في غزة، وقد يحصل غدًا في الضفة الغربية.

فلو كانت الدولة حاضرة في المكان، الذي تمت فيه الإساءة إلى إحدى الديانات السماوية، قبل أن تصل إليه كاميرا صفحة “وينيه الدولة” لكانت منعت حصول مثل هذه المسخرة والمهزلة، التي تبكي بدلًا من أن تضحك، ولكانت حالت دون انجرار البعض، عن حق أو عن جهل أو تعصّب، إلى القول ما قيل في لحظة غضب، وهو ما لم يُسمع حتى في عزّ الحرب اللبنانية.
أيًّا تكن هوية الذي أو التي صدر عنهما مثل هذا الكلام المسيء وغير المقبول والمرفوض شكلًا ومضمونًا في حق بعض الرموز الدينية فإن الملامة تقع على الجهة أو الجهات، التي تمعن في تغييب الدولة بكل أجهزتها السياسية والقضائية والإدارية والأمنية، ومنعها من القيام بأقل واجباتها تجاه مواطنيها، وعدم الإفساح في المجال أمام أي كان بالسماح لنفسه بأن يسيء إلى الرموز الوطنية والدينية، ويستهزء بمقدسات هذه الطائفة أو تلك. فلو كانت الدولة موجودة وحاضرة، بما ترمز إليه من هيبة وحضور وفعالية، لما كان حصل ما حصل، ولما كان قيل كل هذا الكلام الناتج عن حالة غضب قد يراه البعض مبرّرًا في زمن غير هذا الزمن، الذي تعيش فيه البلاد في أسوأ أيامها، وهي مهدّدة من قِبل عدو لا همّ له سوى أن يرى مشهدين متنافرين من مثل ما شهدناه في يوم واحد.
قد تكون ردّة فعل الذين نزلوا إلى الشوارع، دفاعًا عن مقدساتهم وعدم السماح لأي كان بالتطاول عليها، مبرّرة وغير خاضعة للحكم عليها، خصوصًا أن ما قيل في مثل ساعة الغضب هذه جاء في غير محله وفي غير موقعه الصحيح والطبيعي. وهو كلام لا يُقال عادة وفي ظروف طبيعية، بل يُقال عكسه، وبالأخص في مدينة لا تميز بين زيد وعمر، وهي المعروفة بنقاء عيشها الواحد، والذي يتخطّى بخصوصيتها المفهوم السطحي لتعبير “العيش المشترك”، ليغوص في عمق ما بين عائلاتها الروحية وما بين أبنائها من علاقات يمكن وصفها بأنها أكثر من أخوية.
ما قيل قد قيل، وإن كان قائله لا يقصدها عن حق وحقيق. ولكن ما لا يمكن السكوت عنه هو الاستمرار في الحؤول دون السماح بأن تقوم للدولة قيامة، فتؤدي الأدوار المطلوبة منها على أكثر من صعيد وفي غير مجال، فيكون مكان الذين يسيئون إلى الرموز الدينية والوطنية والمقامات الروحية على تعدّدها الانتمائي وراء القضبان الحديدية بدلًا من أن يكونوا على خشبة المسارح، التي يدنسونها بأفكار يدّعون أنها “تحررية” و”تقدمية” و”ثورية”، وهي في حقيقة الأمر ليست سوى هلوسات كادت تودي بالبلاد إلى المكان الغلط وفي التوقيت الغلط أيضًا.

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى