آخر الأخبارأخبار محلية

بين الفوضى والحرب.. لماذا رفع السيد نصر الله سقف التصعيد؟!

في ذروة الانفجار السياسي والاجتماعي في لبنان، وعلى وقع “التحليق الجنوني” للدولار في السوق الموازية، حيث يسجّل منذ أيام أرقامًا قياسيّة لا تصمد سوى لساعات معدودة قبل أن يأتي رقم جديد لـ”كسرها”، عطفًا على التأزّم السياسي، وتجلياته بالعجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كما عن عقد جلسة نيابية تشريعية حتى الساعة، اكتسب خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله الأخير أهمية استثنائية، وربما مضاعَفة.

 

  
وبالفعل، بدا الخطاب في الشكل والمضمون “استثنائيًا”، بل إنّ كثيرين وصفوه بـ”غير العاديّ” من حيث حيثيّاته وخفاياه، علمًا أنّ ما استوقف انتباه كثيرين تمثّل في “تصويب” السيد نصر الله، المباشر هذه المرّة، على أميركا، فضلاً عمّن وصفهم بـ”جماعتها في لبنان”، متهمًا هؤلاء بالسعي لزرع “الفوضى” في البلد، ومتحدّثًا عن “مؤامرات” يقفون وراءها، بل شدّد على أنّهم “سيخسرون كلّ شيء”، مستذكرًا في هذا السياق ما حصل منذ العام 2019.

 
لكنّ المفارقة المثيرة للانتباه كانت أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” لم يكتفِ بالتصويب، بل أرفقه برفع سقف التصعيد، وصولاً لحدّ “التهديد” بشكل مباشر، حين دعا الأميركيين إلى أن يعلموا “أننا لن نجلس ونتفرج على الفوضى، وإنما سنمدّ يدنا إلى من يؤلمكم حتى لو أدى ذلك إلى خيار الحرب مع ربيبتكم إسرائيل”، علمًا أنّ إشارته إلى “جدية” التهديد بالحرب في مرحلة المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل قد لا يكون تفصيلاً في هذا الجانب..
 
ما الذي يخشاه “حزب الله”؟!
 
رغم تفاوت القراءات في مضمون خطاب السيد نصر الله، بين وضعه في خانة “الهجوم الاستباقي”، تحسّبًا للمقبل من التطورات، في ظلّ حالة عدم اليقين المسيطرة على البلاد، ومن رآه “دفاعيًا”، في وجه التهديدات المستمرّة للبنان، ولا سيما للدائرين في فلك خطّ المقاومة، إلا أنّها بمجملها تقاطعت على فكرة أنّه عكس “خشية حقيقية” لدى “حزب الله” مما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة، أو بالحدّ الأدنى ممّا “يُخطَّط” للبنان، وفق أدبيّات الحزب.

 
وفي هذا السياق، يقول العارفون إنّ خطاب السيد نصر الله في هذا الجانب لا يمكن أن يكون “معزولاً” بالمُطلَق عن الواقع الاقتصادي المتدهور، والذي تفاقم في الأسبوع الأخير إلى حدّ ما عاد مقبولاً، خصوصًا أنّ الرجل “يستشعر” أن “الألم” الذي تحدّث عنه مرارًا في خطابه، طرق باب بيئته الحاضنة، وبالتالي مؤيدي الحزب ومناصريه، شأنهم شأن سائر شرائح الشعب اللبناني، وهو ما يخشى “حزب الله” أن يكون جزءًا من مخطط لتأليب هؤلاء على قياداتهم.

 
ورغم رفض كثير من اللبنانيين الغوص في “نظرية المؤامرة” التي تبدو برأيهم مثيرة للجدل، يعتقد العارفون أنّ هذه الفرضية أكثر من حاضرة في قاموس “حزب الله”، علمًا أنّ السيد نصر الله تحدّث بوضوح في خطابه عن مسعى لدفع بيئة المقاومة إلى “التخلي عن خيارهم وعن مقوّم أمنه وبقائها ووجودها وسيادتها”، وهو كلامٌ قد يبدو في صلب “تصعيد” الرجل، الذي يستشعر “خطرًا حقيقيًا”، قد يفوق كلّ ما سبق، حين أنفِقت المليارات في سبيل “تشويه” صورة المقاومة.
 
هل نصل إلى الفوضى.. والحرب؟
 
وإذا كان خطاب السيد نصر الله في هذا الجانب، أعاد إلى الأذهان “مقاربته” لحراك 17 تشرين الأول 2019، الذي كان “حزب الله” أول “المنتفضين” عليه، بعدما اعتبر أنّ “سفارات” دخلت على خطه، وأنّ محاولات جرت لـ”استغلال” صرخة اللبنانيين المحقّة لـ”تصفية الحسابات” مع المقاومة، فإنّ تصعيده أثار الكثير من علامات الاستفهام، عمّا إذا كانت الظروف الحالية يمكن أن تشكّل بيئة خصبة للوصول إلى ما حذر منه الرجل، من الفوضى الشاملة إلى الحرب.

 
يستبعد المتابعون أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ، أقلّه في المدى المنظور، ويعربون عن اعتقادهم بأن ما قاله السيد نصر الله يندرج في “الحرب النفسية”، انطلاقًا من نموذج مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الذي تعمّد إثارته، حيث نجح أسلوب “التلويح بالحرب” في تفاديها، وكأنّه أراد أن يقول للأميركيين وغيرهم إنّه يقارب مسألة “الفوضى والانهيار” بالجدّية نفسها، وبالتالي فإنّ محاولة المساس ببيئته والتأثير عليها، سيُقابَل من جانبه بالحزم نفسه من جانب المقاومة.

 
لكنّ مثل هذا الاستبعاد لا يعني فعلاً أنّ الوضع “مضبوط” بالمُطلَق، وفق ما يقول المتابعون، الذين يشيرون إلى “تفلّت” بدأ يحصل، وقد تُرجِم في الشارع في الساعات الأخيرة، بما قد “يخرج عن السيطرة” إذا ما استمرّ “جنون الدولار” مثلاً على حاله، خصوصًا أنّه ينذر بـ”انفجار اجتماعي”، لا شكّ أنه سيكون طبيعيًا وواقعيًا، ولو أنّ الخشية تبقى دائمًا من “الطابور الخامس” الذي يمكن أن يتسلّل من خلاله، وهذا بالتحديد ما يتوجّس منه “حزب الله”، وفق المقربين منه.

 
تتفاوت وجهات النظر بشأن ما قاله السيد نصر الله، فمؤيدوه يعتبرون أنّه عبّر عن “صرخة محقّة”، في ظلّ معطيات متوافرة لديه، يستشعر بموجبها محاولة لاستغلال الواقع اللبناني المتردّي للنيل من المقاومة وبيئتها. لكنّ خصومه في المقابل، يرون فيه “هروبًا إلى الأمام”، ومحاولة لـ”استمالة” جمهوره من جديد، عبر الحديث عن “مؤامرات ومخططات” أميركية إسرائيلية. وبين الإثنين، يبقى السؤال البديهي: هل “يصمد” لبنان أمام كلّ ذلك؟!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى