آخر الأخبارأخبار دولية

كيف “تبخرت” 2,5 مليار دولار من أموال الشعب في عملية اختلاس “تاريخية”؟


نشرت في: 19/10/2022 – 14:53

مرة أخرى يطل الفساد المستشري في دواليب الدولة برأسه عاليا على العراقيين مع اندلاع فضيحة اختلاس مالي، وصفت في الإعلام العربي بـ”التاريخية”، تم السطو بموجبها على حوالي 2,5 مليار دولار من أموال الشعب. وأعلنت السلطات العراقية أنها فتحت تحقيقا في القضية. فكيف تم الاستيلاء على هذا المبلغ الضخم؟ ومن استولى عليه؟ ولماذا تعجز الهيئات الرقابية في وقف نزيف اختلاس المال العام؟ جملة من الأسئلة حاولت فرانس24 إيجاد إجابات عنها.

استشراء الفساد في مفاصل الدولة العراقية حقيقة، لم يعد بإمكان أي أحد التشكيك فيها، بالنظر لحجم الجرائم المالية وغيرها التي تصل أخبارها إلى الرأي العام المحلي والدولي من حين لآخر. وهذه الحقيقة يجسدها بوضوح أكثر احتلال العراق للمرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية. 

كما تؤكد هذا الوضع المؤسسات الدولية على غرار الأمم المتحدة، التي صرحت مبعوثتها إلى العراق جنين بلاسخارت أمام مجلس الأمن بهذا الخصوص: “يمثل الفساد المستشري سببا جذريا رئيسيا للاختلال الوظيفي في العراق”. قبل أن تضيف: “بصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدعي أنه محمي منه”. 

ولم تمر إلا أيام قليلة على الانفراجة في الأزمة السياسية الخانقة التي أدخلت مؤسسات البلاد في مرحلة انتظار، إثر اتفاق  الكتل السياسية في البرلمان على اختيار رئيس جديد للبلاد وآخر للحكومة، حتى انفجرت فضيحة مالية خطيرة جراء اختلاس ما قيمته حوالي 2.5 مليار دولار من “أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين”. 

وللتحقيق في القضية، فقد “قررت محكمة تحقيق الكرخ الثانية المختصة في قضايا النزاهة استقدام مدير عام الهيئة العامة للضرائب ومعاونه، والمشرف على القسم المالي والرقابي ووكيل القسم المالي ومدير القسم المالي”، بحسب ما جاء في بيان صدر عن مجلس القضاء الأعلى الثلاثاء. 

وبخصوص الشركات المشتبه أنها حولت لها هذه الأموال، صدرت كذلك “مذكرات قبض بحق أصحابها ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها”، وفق البيان. ونفى مصرف الرافدين في بيان الأحد مسؤوليته، وقال إن صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب تم بعد “التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة”. 

كيف تم اختلاس 2,5 مليار دولار؟ 

“لا يمكن الجزم بأنها العملية الأولى” التي يشهدها العراق من اختلاسات، يقول الخبير الاقتصادي العراقي منار العبيدي في حديث لفرانس24، وإنما هي “العملية الأولى التي تم الكشف عنها. قد تكون حدثت عمليات في الماضي لكن لم يكشف عنها بشكل واضح ولم تظهر للرأي العام”. 

أما الباحث والمحلل العراقي المهتم بالسياسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط كاظم ياور، فيعتبر عملية الاختلاس هاته في تصريح لفرانس24 بأنها “ليست الأولى ولا الأخيرة بل هي جزء من سلسلة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة العراقية. وهذا باعتراف جهات مختصة على مستويات عليا، منها المحكمة الاتحادية العليا، ثم هناك أوساط سياسية من قوى معارضة خارج البرلمان العراقي تتهم القائمين على العملية السياسية بالفساد منذ ما يقارب عشرين سنة”. 

ويشرح العبيدي أن حوالي 2,5 مليار دولار “لم تختلس من مصرف حكومي بل تم سحبها عبر صرف صكوك على امتداد سنة من تأمينات هيئة الضريبة”. ويعني ذلك أن أي عقد مع الدولة يجب أن تدفع الشركات بموجبه تأمينات ضريبية كضمانة، ولا تسترجع هذه الأموال إلا بعد المحاسبة الضريبية معها. إلا أن الشركات التي سطت على هذه الأموال لم تكن لها عقود مع الدولة، وهي “شركات مغمورة لا يتجاوز رأسمالها 850 دولار فقط، وتم صرف الأموال لها بدون وجود ثوابت ومستندات”. 

وكشف تقرير رسمي صادر عن هيئة الضرائب العراقية أن مبلغ 2,5 مليار دولار، جرى سحبه بين أيلول/سبتمبر 2021 وآب/أغسطس 2022 من مصرف الرافدين الحكومي، عبر 247 صكا ماليا، حررت لحساب خمس شركات عراقية، قامت بصرفها نقدا مباشرة. و”يتوقع أن يكون أصحابها مجرد أسماء وهمية”، حسب الخبير الاقتصادي العراقي.

اختلالات على مستوى الرقابة 

هذه الاختلاسات لها ما يفسرها، حسب العبيدي، “فهناك اختلالات على مستوى رقابة أموال الدولة في الإدارة والآليات المستخدمة، ما يسمح لهذه الأمور أن تمر مرور الكرام دون أن تشعر بها أي جهة رقابية أو إدارية. ولا ننسى تأثير الفساد على مجمل الأداء الحكومي”. 

“مشكلة النظام الإداري العراقي، هو نظام بني في ستينيات القرن الماضي عندما كان سكان العراق بالمجمل 15 مليون نسمة. هذا النظام لازال بنفس الآليات والإجراءات بالرغم من أن عدد السكان العراق وصل إلى 41 مليون. هناك نشاط تجاري في جميع المحافظات وكل المدن العراقية. وبالتالي يجب تغيير النظام الإداري والتوجه نحو اللامركزية بشكل أكثر واعتماد النظم الإلكترونية والأتمتة”، يوضح العبيدي.

ويضيف: “هناك مؤسستان: هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية. وكلتاهما مسؤولتان عن الأمور الإدارية والتنظيمية والمالية. لكن هناك الكثير من المؤسسات الحكومية وأعداد كبيرة من الجهات الرسمية التي تبرم تعاقدات، وكل جهة لها آليات في مسألة صرف الأموال، وبالتالي من الصعب أن تكون هناك مراقبة بشرية دائمة. لأن الأمر يحتاج لعدد كبير من الكوادر للقيام بهذه المهمة. ومع مواصلة استعمال الأوراق في التعاقدات، هناك إمكانية كبيرة لتزوير الوثائق والمستندات، وبالتالي يمكن تجاوز هيئتي الرقابة والمالية”. 

وكتب رئيس الوزراء المكلف محمد السوداني في تغريدة على تويتر “وضعنا هذا الملفَ في أول أولويات برنامجنا، ولنْ نسمحَ بأن تُستباح أموال العراقيين، كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين”، مضيفا: “لن نتوانى أبدا في اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكل وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها”.

“المواطن العراقي لم يعد يثق في السياسيين” 

بالنسبة للباحث والمحلل العراقي كاظم ياور: “هذا الوضع يؤثر على الانسيابية في العملية السياسية، بحيث لم يعد المواطن العراقي يثق بتاتا في السياسيين أمام عجز مؤسسات الرقابة عن محاسبة الفاسدين منهم. والشعب أصبح يائسا من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ولا تعنيه العملية السياسية بشكلها الحالي، لأنه يعلم أن صوته يسرق من قبل الطبقة السياسية”.  

ولا يخفي ياور أن خروج هذه الملفات في هذا التوقيت قد يستخدم كورقة ضغط، “لانسحاب المسؤولين الكبار ومن يواليهم من الحكومة السابقة، ليأتي المسؤولون الجدد بأتباعهم لكراسي المسؤولية. لاسيما وأن ظهور هكذا ملفات يحصل عادة أثناء انتقال السلطة من حكومة لأخرى”. ما يعني أن خروج هذه الفضائح إلى العلن قد لا يكون بنية المحاسبة دائما. فبحسبه: “الفساد لا يزيد إلا استشراء يوما بعد يوم”. 

ويعاتب المحلل العراقي المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن التي يغيب دورها الرقابي، “وإن كانت تصدر بيانات قد تكون بمستوى قرارات بشأن الفساد في العراق ووضعية الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن رغم أن الكتل السياسية تقوم بتشكيل الحكومة على أسس محاصصاتية وحزبية، ورغم أن الفساد يكون قائما لا محالة فيما بينها، مع ذلك نرى الأمم المتحدة وسفراء الدول يستجيبون لها ويدعمونها”. 

وفي تعليق على القضية، كتب الباحث في “سنتشوري إنترناشونل” سجاد جياد على تويتر “الأسئلة البديهية هي من هم المالكون الحقيقيون لتلك الشركات” التي استولت على حوالي 2،5 مليار دولار. “ومن سمح بإعطاء الصكوك لتلك الشركات؟ وكيف عبر الأمر بشكل غير ملحوظ لعام كامل؟ من هم السياسيون المتورطون في عملية الفساد والسرقة الكبيرة هذه؟”. وغالبا ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصولها، مسؤولين في مراكز ثانوية، في بلد تشكل عائدات النفط 90% من إيراداته. 

 

بوعلام غبشي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى