آخر الأخبارأخبار محلية

بعد 47 سنة… اللبنانيون لا يزالون يعيشون في “بوسطة”

في الذكرى السابعة والأربعين لـ 13 نيسان (1975 – 2022) أجيال كاملة طوتها الأيام، منها ما كان حلوًا، وهي تُعدّ على الأصابع لقلّتها ، ومنها ما كان مرًّا، وهي أكثر من أن تُعدّ أو تُحصى.  

سبع وأربعون سنة، أي نصف قرن إلاّ ثلاث سنوات، ليست قليلة. من لا يزال على قيد الحياة اليوم كان في ذاك اليوم في مقتبل العمر، ونحن منهم. فلم نرَ من هذه الحياة سوى المتاريس وخطوط تماس وقذائف وإنفجارات ورعب ومآسٍ.أمّا الذين رحلوا فعاشوا فترة من الزمن الجميل قبل هذا التاريخ وقبل أن يخطفوا منا أحلامنا. 

صحيح أن الوقوف على الأطلال لم يعد يجدي ، وبالتالي لم يعد البكاء والنحيب يجديان نفعًا، لأن ما تركته هذه الحرب من  آثار سلبية خطيرة في وجدان المواطن اللبناني،  وقطّعت أوصال الوطن وحولته الى “دويلات” لا تزل تتناحر حتى يومنا هذا، وإن بأشكال مختلفة، بفعل الانقسامات السياسية التي توحي بين الحين والآخر بأن لا شيء تغيّر، وبأن لا أحد مستعدّ للتنازل عن الذهنية التي أدّت إلى إندلاع شرارة الحرب، التي يجمع كثيرون على أنها كانت كارثية ومأسوية وعبثية، مع ما يرافق الممارسة السياسية من تخطٍّ للخطوط الحمر والتوازنات القائمة حتى داخل البيئة الواحدة، لأن 13 نيسان لم يكن التاريخ الوحيد في سلسلة حروب لا تزال مفاعيلها مؤثرة في الحياة السياسية الراهنة، القائمة على إلغاء الآخر وممارسة سياسة “العزل”، التي أصبحت مفرداتها متحكّمة في تفاصيل هذه السياسة. 


فما أشبه اليوم بالأمس، مع أن الجميع يطلقون شعار “تنذكر وما تنعاد”، حيث أن الخطوط التي رسمتها بعض الدول كانت تستخدم اللبنانيين وقودًا لحروبها البديلة، تنفيذًا  لأجندات خاصة بها، مع تبدّل الظروف وبعض الأسماء، فيما إسرائيل هي هي اليوم والأمس، وهي لا تنفك تهدّد لبنان يوميًا، وتخرق سيادته، جوًّا وبحرًا وحتى برًّا، وهي مستمرة في مخططاتها العدوانية، فيما نحن لاهون عنها بخصوماتنا الفردية والجماعية وبتركيب كل واحد منّا دويلته، ولو على حساب الدولة المركزية.مع كل 13 نيسان ومنذ 47 سنة نقول “تنذكر ولا تنعاد”، مع ما يعنيه ذلك بأنه علينا أن نتذكّر، ولكن علينا أيضًا أن نعمل لكي لا تنعاد. 

لا شك في أن الحرب إندلعت عند تقاطع عوامل إقليمية ودولية باتت معروفة، وإن لم تُكتب كل التفاصيل في كتاب تاريخ واحد، وهي التي أشعلت فتيل الإنفجار ومدّته بالوقود للإستمرار، ولكن وبعد مرور 47 سنة على “حادثة البوسطة” يبقى السؤال جائزًا ومطروحًا بقوة: هل كانت الحرب يا ترى لتندلع لو لم يكن اللبنانيون مهيأين لها.قد يقول البعض أنه من المهم جدًّا  أن الحرب الأهلية قد انتهت وأنها أصبحت وراءنا، مع أن البعض الآخر يطرح أكثر من سؤال ويرسم أكثر من علامة إستفهام ويضعها في خانة جميع الذين هم اليوم في السلطة، ومن بين هذه الأسئلة: 

– هل انتهت عقلية الحرب الأهلية مع ما يصحبها من ممارسات تبدو غير بعيدة في المنطق عن ممارسات الحرب؟ 

– قياسًا إلى ما يشهده اللبنانيون على مدار الساعة فإن التساؤل عن الحرب الباردة كبديل عن ضائع يبقى مشروعًا وجائزًا. 

– هل انتهى منطق تخوين بعضنا البعض وتبادل الإتهامات حول مسؤولية ما آلت إليه أوضاعنا من تدهور إقتصادي ومالي؟ 

– هل انتهى الإصطفاف الطائفي والمذهبي، وحلّت مكانهما المواطنة أو بوادر الدولة المدنية؟-هل انتهى الشعور لدى البعض بالغلبة والإستقواء بالخارج، أيًّا كان هذا الخارج؟ 

– هل تحققت المشاركة الفعلية والتوازن الحقيقي بين جميع المكونات السياسية؟- هل توافقنا على تحديد المفاهيم المشتركة حول علاقات لبنان الخارجية؟- هل بلغنا مرحلة من النضوج السياسي، الذي يسمح لنا بالتسامح والتضامن وقبول الآخر والإعتراف به؟ 

-هل تحققت المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة؟ 

-هل وصل المواطن العادي إلى حقه بالعيش في بلد مستقر وآمن؟ 

-هل إستشهد من إستشهد في إنفجار المرفأ حتى يضيع حقهم في دهاليز الخلافات السياسية وتغييب دور القضاء العادل؟ 

-هل إستفدنا حقًّا من “ثورة 17 تشرين”؟ 

هذه الأسئلة وغيرها الكثير تحضر في هذه الذكرى، التي يجب أن تبقى مجرد ذكرى وعبرة لمن يعتبر، فلا تذهب دماء اللبنانيين، في أي موقع كانوا، سدى وهباء، ولكي لا نعود بالحاضر إلى الوراء 47 سنة. 

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى