آخر الأخبارأخبار دولية

كيف ظهرت داخل الإدارة الأمريكية “معارضة” رافضة لاستمرار الحرب في غزة؟


عرفت الفترة الأخيرة تصاعد أصوات معارضة داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي والإدارة الأمريكية لسياسة الرئيس جو بادين التي ينتهجها في الحرب الجارية بين إسرائيل وحركة حماس. الأمر الذي استلزم تحرك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الاثنين 13 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي للتعامل مع الانتقادات المتزايدة داخل صفوف الوزارة بشأن سياسة إدارة الرئيس، إذ دعا بلينكن مئات من موظفي الحكومة بشكل علني وفي اجتماعات خاصة للحديث بشأن موضوع وقف إطلاق النار في غزة.

انتقدت ما لا تقل عن ثلاث برقيات سياسة الإدارة الأمريكية، تم إرسالها عبر “قناة المعارضة” الداخلية بوزارة الخارجية الأمريكية، والتي تأسست خلال حرب فيتنام وتسمح للدبلوماسيين بإثارة المخاوف بشأن السياسة مع وزير الخارجية دون الكشف عن هوياتهم. وفق ما أفادت مصادر مطلعة لوكالة رويترز.

وتركزت معظم الانتقادات على دعم الرئيس بايدن الراسخ لإسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي شنه مسلحو حركة حماس وأسفر عن 1200 قتيل، بحسب السلطات الإسرائيلية.

وجاء ذلك بعد عودة وزير الخارجية من رحلة استغرقت تسعة أيام إلى الشرق الأوسط وآسيا. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى موظفي الوزارة أقر بلينكن بالأثر العاطفي الذي أحدثه الصراع على العاملين في الوزارة وكذلك بالانقسامات المحتملة بين رؤساء الأقسام حول السياسة المنتهجة.

وقال بلينكن في الرسالة “أعلم أن المعاناة التي سببتها هذه الأزمة بالنسبة للكثيرين منكم لها أثر كبير على المستوى الشخصي”. مضيفا “المعاناة المصاحبة لرؤية صور يوميا للرضع والأطفال والمسنين والنساء وغيرهم من المدنيين الذين يعانون في هذه الأزمة أمر مؤلم. وأنا شخصيا أشعر بذلك”.

وتابع “أعلم أيضا أن بعض الأشخاص في الوزارة قد يختلفون مع الأساليب التي نتبعها أو لديهم وجهات نظر حول ما يمكننا القيام به بشكل أفضل. لقد نظمنا منتديات في واشنطن للاستماع إليكم، وشجعنا المديرين والفرق على إجراء مناقشات صريحة مع العاملين حول العالم على وجه التحديد حتى نتمكن من سماع تعليقاتكم وأفكاركم. لقد طلبت من قيادتنا العليا الاستمرار في القيام بذلك”.

ويشار إلى أن رسالة بلينكن أتت وسط احتجاجات في الولايات المتحدة ودول أخرى تطالب بوقف إطلاق النار، وقلق واسع النطاق بين المسؤولين بشأن تعامل الولايات المتحدة مع أزمة الشرق الأوسط. وأعلن أحد مسؤولي وزارة الخارجية استقالته وقال إنه يعارض استمرار تقديم مساعدات لإسرائيل تتسبب في سقوط قتلى.

إلى ذلك، وفي مؤتمر صحافي، كان المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر قد أورد أن بلينكن التقى بعدد من الأشخاص من مكاتب مختلفة داخل الوزارة للاستماع إلى آرائهم حول السياسة المتعلقة بالحرب بين إسرائيل والفلسطينيين.

وأضاف ميلر “إنه يشجع الناس على تقديم تعليقات. ويشجع الناس على التحدث إذا اختلفوا. وهذا لا يعني أننا سنغير سياستنا بناء على ما يختلفون عليه”.

وفي هذا الصدد تؤكد نيكول باشاران، مؤرخة ومختصة في السياسية وشؤون المجتمع الأمريكي لفرانس24 أن “هناك تحركات داخل وزارة الخارجية الأمريكية مثل الرسائل التي بعثت، وبعض الاستقالات، وهو موضوع صعب للغاية. إنه جوهر الخيار المأساوي، ليس هناك خيار جيد يجب اتخاذه في هذه المأساة، لكن تبقى الإدارة قريبة من الرئيس، البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، والبنتاغون، كلهم يقفون بقوة خلف الرئيس…في الكونغرس أيضا، الدعم لإسرائيل قوي… لكن في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، هناك الجناح اليساري الذي يحتج…”

هذا، وقد نشر أكثر من 500 شخص عملوا في حملة بايدن الانتخابية العام 2020 رسالة تدعو الرئيس بايدن إلى دعم الوقف الفوري لإطلاق النار. ونظمت مجموعة من موظفي الكونغرس وقفة احتجاجية في مبنى الكابيتول للمطالبة بوقف إطلاق النار، بحسب صور تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد أظهر نوعا من الليونة في السياسة الأمريكية تجاه الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وفي مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في واشنطن يوم الخميس 7 ديسمبر/كانون الثاني الماضي.

وفي تصريح اعتبر من أشد انتقاداته العلنية لنهج إسرائيل في حملتها بجنوب غزة، أوضح بلينكن أن هناك فجوة بين نوايا الحكومة الإسرائيلية المعلنة لحماية المدنيين وبين عدد القتلى.

وقال “بينما نقف هنا بعد مرور ما يقرب من أسبوع على هذه الحملة في الجنوب… يظل من الضروري أن تولي إسرائيل أهمية لحماية المدنيين. لا تزال هناك فجوة بين… النية لحماية المدنيين والنتائج الفعلية التي نراها على الأرض”.

مسلمون أمريكيون وحملة “التخلي عن باين”

وبالإضافة إلى المعارضة الداخلية التي طالت الرئيس الأمريكي، يتعهد مسلمون أمريكيون بالتخلي عنه في انتخابات 2024 بسبب موقفه من الحرب في غزة.

فقد وعد زعماء مسلمون أمريكيون من ست ولايات متأرجحة، تعد حاسمة في انتخابات الرئاسة الأمريكية، بحشد مجتمعاتهم ضد إعادة انتخاب جو بايدن لكنهم لم يستقروا بعد على دعم مرشح بديل.

وتعتبر الولايات الست من بين الولايات القليلة التي أتاحت لبايدن الفوز في انتخابات 2020. وقد تؤدي معارضة مجتمعاتها المسلمة والعربية الأمريكية الكبيرة إلى تعقيد طريق الرئيس نحو الفوز بأصوات المجمع الانتخابي في العام المقبل.

وبالنسبة لنيكول باشاران فالأمر وارد جدا وأوضحت لفرانس24  إنه ” إذا سلمنا أن المرشح الذي سيتحدى بايدن هو دونالد ترامب، وهو أمر مرجح اليوم، فإن دعمه (ترامب) لإسرائيل سيكون ببساطة أكثر شدة، والعواقب أكثر قسوة وأكثر وحشية من دعم جو بايدن”… وأضافت أن “هناك حركات خاصة في بعض الولايات الرئيسية لمواطنين أمريكيين عرب، وأمريكيين فلسطينيين ممن صوتوا لبايدن والذين يطالبون الآن بعدم التصويت له”.

ويعلم الأمريكيون المسلمون أنهم لا يتوقعون أن يعاملهم ترامب بشكل أفضل إذا أعيد انتخابه، لكنهم يرون أن حرمان بايدن من أصواتهم هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل أو إعادة تشكيل السياسة الأمريكية. وتوضح باشاران “عندما نقول لهم، ولكن مع ترامب سيكون الأمر أسوأ، يجيبون، -نصوت مثلما يحلو لنا، نريد التخلي عن بايدن-… إنها استراتيجية سيئة إلى حد ما، لكنها تضعف الرئيس”.

وبدأت ما تسمى حملة “التخلي عن بايدن” عندما طالب الأمريكيون المسلمون في مينيسوتا بايدن بأن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول. وامتدت الحملة إلى ميشيغان وأريزونا وويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا.

وأظهر استطلاع حديث للرأي أن شعبية بايدن بين الأمريكيين العرب انخفضت من أغلبية مريحة في العام 2020 إلى 17 بالمئة. علما أن التحولات الصغيرة في الدعم يمكن أن تحدث فرقا في الولايات التي فاز بها بايدن بفارق ضئيل في العام 2020.

“في نفاق تام… يتركون المهمة لإسرائيل”

وعلى الرغم من استخدام واشنطن لحق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، تواصل الولايات المتحدة ضغوطها على إسرائيل لبذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين الفلسطينيين خلال هجومها على مقاتلي حركة حماس في أنحاء قطاع غزة.

كما جددت الدول العربية مساعيها من أجل وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، وفي سبيل تحقيق ذلك طلبت دولة الإمارات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التصويت يوم الجمعة الماضي على مشروع قرار.

وفي هذا الشأن، توضح نيكول باشاران لفرانس24 قائلة: “إدارة بايدن لا ترى أي تناقض في الموقف الأمريكي لأنها تعتقد أنه لا يمكن فعل شيء مع حماس… وتضيف “الأمريكيون هم الوحيدون الذين يقولون هذا الكلام، ولكنهم ليسوا الوحيدين الذين يؤمنون به… جميع الدول العربية في المنطقة، عدا إيران وحزب الله، يريدون التخلص من حماس لكنهم لا يجرؤون على قول ذلك علانية وفي نفاق تام، يتركون المهمة لإسرائيل..”

اقرأ أيضامصير غزة بعد الحرب.. “إسرائيل تمارس رد فعل متشنج والمجتمع الدولي مشلول بسبب التحولات الجيوسياسية”

من جانبه، وفي استنكار “لكابوس إنساني متصاعد”، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد أعلن أنه لا يوجد مكان آمن في غزة للمدنيين، وذلك قبل ساعات من استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن تدعمه الغالبية العظمى من أعضائه يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة. فيما ترك التصويت واشنطن معزولة دبلوماسيا في المجلس المؤلف من 15 عضوا. إذ صوت 13 عضوا لصالح مشروع القرار الذي قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، وامتنعت بريطانيا عن التصويت.

“هل ستتم التضحية بالرهائن…؟”

ومع اشتداد القتال وارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين وتصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب في مرحلة موسعة من حرب مستمرة منذ شهرين، كشف جون فاينر مساعد الأمن القومي بالبيت الأبيض بأن الولايات المتحدة لم تحدد لإسرائيل موعدا نهائيا لإنهاء العمليات القتالية الرئيسية ضد حماس في قطاع غزة.

وأضاف فاينر في منتدى آسبن الأمني ​​في واشنطن إن العديد من “الأهداف العسكرية المشروعة” ما زالت في جنوب غزة بما في ذلك “الكثير إن لم يكن معظم” قيادات حماس.

لكن، تبقى مسألة الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس مصدر قلق الجميع في إسرائيل، خاصة بعد توقف المفاوضات وعدم وجود نهاية للقتال تلوح في الأفق.

وفي هذا الشأن تفيد المؤرخة المختصة في السياسة والمجتمع الأمريكي بشهادتها لفرانس24 وتقول “أتحدث كل يوم مع الناس في إسرائيل، مسألة الرهائن مؤلمة للغاية والجميع متأثر بها وقلقون إزاءها… والسؤال الذي يطرح الآن هو: هل ستتم التضحية بالرهائن أم لا؟”

وأردفت باشاران: “من الواضح أنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار، ولكن متى، وفي أي ظروف، ومع من، ولأي مستقبل.. للأسف بالنسبة لأولئك الذين يتعين عليهم اتخاذ القرارات، أكيد أن الأمر غير واضح اليوم”.

 

فارس بوشية


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى