آخر الأخبارأخبار محلية

دور لبنان كبير.. هكذا بإمكانه قلبُ الطاولة بين روسيا وأميركا!

ليس بعيداً عن “حزب الله” السعيَ لتكريس معادلاتٍ جديدة في الوقت الذي يشاءْ، وهو أمرٌ كان “دارجاً” تماماً على صعيد أكثر من استحقاق وقضية.
بالأمسِ القريب، انخرَط الحزبُ بقوّة على خطّ ملف ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل بكافة جوانبه، مُرسياً معادلاتٍ كثيرة، منها سياسية وعسكريّة. إلا أن ما لا يمكن إغفالهُ أبداً هو أنّ تأثيرات أي خيارات “غير عادية” للحزب، لن تكونَ محصورة بالداخل اللبناني فحسب، بل ستمتدّ إلى أطرافٍ أخرى، ما يعني أن أي خطوةٍ تصعيدية تُتّخذ ستكون تداعياتها مفتوحة وغير معروفة التوجّهات.

على أساس هذه الصورة، تقوم التحرّكات الحالية، وما يتضحُ تماماً أن كلّ طرفٍ يحسب لكل خطوةٍ ألف حساب. فمن جهة “حزب الله”، فإن خيار الحرب ليس سهلاً لكنه وارد بقوة وفي أي لحظة، والأمرُ نفسه لدى العدو الإسرائيلي الذي عاد ليحذر لبنان مجدداً من الإقدام على أيّ خطوة تصعيديّة، وآخر الكلام في هذا السياق كان على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، الثلاثاء الماضي، حينما قال: “دولة لبنان وقادتها يدركون أنهم إذا اختاروا طريق النار فسوف يتضررون ويحترقون بشدة”.


ما هي مصلحة لبنان من الحرب؟

بعيداً عن حيثيات القوّة العسكرية التي يتميز بها “حزب الله”، وبمنأى عن نوع الحرب التي قد يخوضها ضدّ إسرائيل، فإن نتيجة أي نزاعٍ يطرأ هي واحدة: دمارٌ في لبنان، انهيارٌ إضافي للاقتصاد، صعوبة في تحمّل تكلفة أي نزاعٍ، ونسفٌ لكل الجهود المبذولة للنهوض من الأزمة المالية التي تعيشها البلاد منذ العام 2019.
ما يمكن استنتاجهُ بشكل بديهي هو أنّ مصلحة لبنان مع الحربِ تنتفي تماماً، فلا مُقدّرات تكفي للصمود في حين أنّ الظروف المحيطة غير مُهيّأة لأي عمل تصعيدي. فمن جهة، لا يستطيع لبنان تحمّل أي ضربات للبنى التحتية فيه، علماً أن التهالك يضربُ معظمها، في حين أن موجات النزوح منه إلى الداخل السوري لن تكون سهلة مثل حرب تمّوز عام 2006. حينها، كانت سوريا تنعم بالسلام، فلا حربَ فيها ولا دمار، أما اليوم فإن قدرة سوريا على احتواءِ أي موجاتٍ من النزوح إليها غير متوافرة بالشكل المطلوب بعدما أرهقتها الحرب على مدى 11 عاماً، ما يعني أن كارثة إنسانية غير مسبوقة ستُصيب اللبنانيين بشكل كبير. 
كذلك، فإنّ أي موجة للهجرة من لبنان إلى أوروبا ستكونُ باهظة الثمن، علماً أن الدول هناك باتت تعدّل من خططها بشأن النازحين باعتبار أن الأعباء عليها ازدادت بقوّة وتحديداً بعد الصراع الروسي – الأوكراني.  إضافة إلى هذا الأمر، فإنّ إعادة إعمار لبنان هذه المرّة لن تكون سهلة، فالدولة تعاني من عجزٍ كبير وأزمة خانقة، كما أنّ الدول المانحة لم تعُد قريبة من لبنان مالياً بما فيه الكفاية.

واقعياً، فإن كل تلك العوامل تؤكّد أن مصلحة لبنان ليست في الحرب أبداً، ما يعني أن دخول “حزب الله” في معركةٍ من هذا النوع يعني تدميراً لكل لبنان وبالتالي انقلاباً عليه داخلياً وخارجياً. وبشكل أساسي، فإنّ سلوك “حزب الله” لدرب المواجهة العسكرية سيجعله يظهر على أنه المُساهم في تدمير ما تبقى من مقدرات في لبنان، في حين أن كلفة إعادة النهوض والإعمار ستكون باهظة وهي غير متوفرة أصلاً. أمّا ما لا يمكن نكرانه أيضاً هو أنّ البيئة الداخلية للحزب قد لا تكون مؤيّدة للحرب بما فيه الكفاية، علماً أن باقي الأطراف في الداخل ليست على وئامٍ تامٍ معه أيضاً. وبين الداخل والخارج، الإنعطافة الأكبر. ففي حال استهدف الحزبُ منصّة الغاز العائمة في حقل كاريش المُتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، فإنه بذلك سيكون قد اعتدى على منصة عائدة لدولة أوروبية، باعتبار أن السفينة هناك يونانية. عندها، قد يكون هذا الأمر بمثابة استدراجٍ لقوى غربية إلى لبنان هدفها الدخول في معركة مع الحزب في حال اتخذ القرارُ بذلك. وإذا صحّ الكلام، تكون المرحلة الحالية قد حملت طابع “إنهاء حزب الله” نهائياً من خلال مواجهة مباشرة كانت مختلف الأطراف الأساسية تتجنبها سابقاً.
ضمنياً، فإنّ انغماسَ لبنان بكلّ هذه المعركة سيجعله يخسر رهانه على الغاز والنفط، باعتبار أن نتيجة الحرب غير مضمونة أبداً، وهناك جملة من التساؤلات تطرح نفسها بقوّة: هل الحرب سبيلٌ أكيد لضمان لبنان الغاز والنفط؟ هل هي طريقٌ صحيحة للوصول إلى التنقيب؟ هل هيَ دربٌ أكيد لانتشال لبنان من أزمته الحاليّة؟ أما السؤال الأهم: كيف يُمكن للبنان أن يقلب الطاولة وسط معادلات الغاز البارزة دولياً؟

فعلياً، فإنّ مشهدية “انتكاس لبنان” لا ينكرها “حزب الله” الذي يُدرك تماماً أن خوض غمار الحرب يعني الدخول في معركةٍ غير عادية بتاتاً. لكن في المقابل، يبقى الخوف الإسرائيلي من أي حربٍ آتية هو الأمر الذي لا يُمكن تغاضيه أبداً، ما يعني أن توازن الردع قائم بقوة. ففي حال كان لبنان خاسراً من جهة، فإن إسرائيل ستتكبد خسائر أيضاً، والضرر عليها كبير. فمن جهة، ستكون تل أبيب على موعدٍ جديد مع خضّة داخلية في حال استهدفتها صواريخ دقيقة يمتلكها الحزب، وهو السيناريو الأخطر الذي كان يخشاهُ العدو طوال السنوات الماضية.

كذلك، فإن إسرائيل سعت مراراً خلال الفترات الماضية إلى إعادة ترميم صورة جيشها بعد الانتكاسات التي مُنيَ بها خلال حرب تموز 2006، والخوف هو أن يُقدم “حزب الله” على مفاجآت عسكريّة من شأنها أن تهزّ صورة الجيش الإسرائيلي مُجدداً.
على صعيد آخر، فإنّ العدو سيخسرُ الرهان على استثمار الغاز في حال اندلاع حربٍ ضروس، ما يعني أنّ التقدّم الروسي على الولايات المتحدة سيزداد على صعيد القوة المرتبطة بعنصر الغاز في أوروبا. وحُكماً، فإن ما يمكن قوله هنا هو أنّ الملف اللبناني لم يعد مرتبطاً فقط بتحصيل الحقوق، بل انغمسَ تماماً بلعبة الأمم، وما يمكن اعتباره تماماً هو أن لبنان يمكن أن يقلب المعادلة رأساً على عقب.

ففي حال قرر “حزب الله” خوض معركة عسكرية ضدّ منصات الغاز الإسرائيلية، فإن ذلك يعني نتيجة واحدة: توقف كل المساعي الإسرائيلية – الأميركية لضخ الغاز، وبالتالي اختناق أوروبا تماماً بسبب غياب بديل عن الغاز الروسي في ظلّ الحرب الأوكرانية. وفي حال حصل ذلك، فإنّ روسيا ستكون قد مكّنت نفسها أكثر وفرضت شروطها بشكل أعمق في أي ملفٍ يرتبط بأوكرانيا وبأوروبا، وعندها ستكون أميركا قد خسرت الرهان في الحرب القائمة بين موسكو وكييف. وهنا، سيكون “حزب الله” قد أثر على المعادلة، إذ منع الغاز الإسرائيلي من الوصول إلى أوروبا، وبالتالي أعطى لروسيا الضوء الأخضر للتمدّد وأضعف النفوذ الأميركي.

ولتجنب كل العوائق، تبقى إسرائيل متمسّكة بخيارات الهدنة البعيدة عن أيّ صراع يرتبط بحقول الغاز وتحديداً في كاريش، كما تروج على أنه باستطاعتها المساهمة في حلّ أزمة مستفحلة عالمياً. فقبل يومين، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلي يائير لابيد في تصريح جديد، ، إنّ مخزونات الغاز الخاصة بإسرائيل في منصة كاريش، يُمكن أن تساهم في حلّ أزمة الطاقة في العالم”، وأضاف: “يمكن للبنان الاستفادة من مخزونات الغاز في مياهه عبر المفاوضات التي ينبغي إتمامها بأسرعِ وقت”.

الكلامُ هذا يؤكد تماماً أن الموقف الإسرائيلي يميلُ نحو التفاوض من أجل تجنّب الخسائر وإبعاد أي خضّة تعيق استخراج الغاز. وفي حال تصاعدت الإيجابية من أي عملية تفاوضية، فإن لبنان قد يحصل حقوقه، وبالتالي يمكن الوصول إلى تسوية تقضي بالسماح له بالتنقيب عن الغاز والنفط مقابل التزامه بعدم التعرض لأي مصالح اسرائيلية في البحر المتوسط، وقد يكون هذا الأمرُ كفيلاً بالحصول بأي لحظة.
وبذلك، فإنّ الانتصار سيتحقق حُكماً.. فمن جهة، سيكون لبنان قد ضمِن ما يريد واستطاع انتزاعَ أمرٍ من دون أي صراعٍ أو حربٍ أو تكلفة باهظة.

إذاً.. كيف يمكن أن تكون التسوية؟
وإنطلاقاً من كل هذه الوقائع الحقيقية، ما يمكن قوله هو أنّ التسوية ستبدأ من حقل كاريش والغاز على طول البحر المتوسط، على أن يكون التوافق كاملاً على تجنب أي صراع في المنطقة، وبالتالي تقاسم تلك الثروات باتفاق أميركي – روسي، وهذا المخطط هو الذي كان يجري الترويج له منذ فترة. وعملياً، فإن هذا الأمر لا يكون إلا نتيجة لإنهاء الصراع الروسي – الأوكراني، وعندها ستكون النتائج الأساسية هنا في البحر المتوسط وعلى صعيد الغاز الروسي الذي سيبقى أساسياً في المعادلة الأوروبية – الأميركية.
لذلك، فإنّ الأزمة مفتوحة وقد تطولُ تماماً ريثما يتم التوصل لتسوية. أما التكافؤ في الخسائر المتوقعة بين لبنان وإسرائيل فيبرزُ ولو بنسبٍ متفاوتة، لكنّ الأهم هو أنّ الطرفين يدركان تماماً أن الدخول في معركةٍ يعني إدخال المنطقة في أتونٍ من الصراع الدموي، وهذا ما لا يمكن لأي جهة تحمله. وبشكل أو بآخر، فإنّ ما يمكن الاعتراف به هو أنّ “حزب الله” استطاع إرساء ورقة قوّة في مكانٍ ما لديها تأثير على النطاق الإقليمي والدولي. وحتى إن لم يتم استخدام تلك الورقة، إلا أنها مطروحة وبشدّة، وهو الأمر الذي يساهم في تحذير إسرائيل وجعلها تحسب ألف حسابٍ في حال قررت تنفيذ أي مغامرة ضدّ لبنان.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى